اقتصادالأخبار البارزة

تجاوز 377 مليار ليرة بحسب المجموعة الإحصائية وأمّن 51 بالمئة من الإيرادات الجارية.. صافي الضرائب غير المباشرة غطى رواتب 2016 … العكام لـ«الوطن»: لايعتبر رقماً كبيراً ومصدره الأساسي رسوم الإنقاق الاستهلاكي والجمارك

| المحرر الاقتصادي

كشفت بيانات المجموعة الإحصائية 2017 التي أصدرها المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً أن صافي الضرائب غير المباشرة (الضرائب – الإعانات) للعام 2016 بلغ نحو 377.2 مليار ليرة سورية، وهو رقم غير مسبوق في سورية، حيث زادت الضرائب على الإعانات برقم يشكل نسبة كبيرة من أي رقم اقتصادي تنسب إليه.
مع العلم بأن عضو مجلس الشعب محمد خير العكام توقّع في تصريح سابق لـ«الوطن» أن معظم الواردات في وزارة المالية تأتي من الضرائب غير المباشرة، معتبراً الأمر خللاً منهجياً في النظام الضريبي المعمول فيه حالياً، ومقدراً نسبة الضرائب غير المباشرة بنحو 70 بالمئة من إجمالي الواردات من الضرائب، حيث إن الضريبة غير المباشرة هي نوع من أنواع الضريبة التي يتم تحصيلها لمصلحة الحكومة من خلال وسيط، وتفرض على الإنفاق أو الاستهلاك أو المبيعات، وذلك على خلاف الضرائب المباشرة التي تُفرض على الدخل والأصول والأرباح.
وكان وزير المالية مأمون حمدان قد صرّح لـ«الوطن» حول الموضوع نفسه بأن الضريبة غير المباشرة تمثل حالة خلافية بين الاقتصاديين والماليين لجهة اعتبارها خللاً منهجياً أو حالة طبيعية، مشيراً إلى أن المعدلات العالية من الضرائب تسهم في زيادة التهرب الضريبي وعدم التزام أصحاب الفعاليات، على حين تعمل وزارة المالية عبر صياغة نظام ضريبي جديد للتخفيف من معدلات الضرائب وتخفيضها نسبياً ما يشجع على الالتزام وعدم التهرب الضريبي وزيادة التحصيلات، وهو ما يحقق المنفعة المتبادلة للمكلف وللخزينة العامة.

أرقام غير مسبوقة
ذكر البيان المالي للحكومة عام 2017 تحقق زيادة في إجمالي إيرادات الرسوم والضرائب بنسبة 27.24 بالمئة عن العام 2016، وذلك بمقدار 69 مليار ليرة سورية، مسجلة 322 مليار ليرة، ما يعني أن تقديرات إجمالي إيرادات الرسوم والضرائب في العام 2016 بلغت 253 مليار ليرة، وبالتالي فإن الإيرادات المتحققة من صافي الضرائب غير المباشرة وفق تقديرات مكتب الإحصاء يزيد بأكثر من 49 بالمئة عن الإجمالي المقدر لجميع أنواع الضرائب والرسوم في الموازنة.
للوقوف على الأهمية الإحصائية لرقم صافي الضرائب غير المباشرة التي تم تحصيلها في العام 2016، يمكن الإشارة إلى أن هذا الرقم يزيد بنحو 1.4 بالمئة عن إجمالي الاعتمادات المخصصة للرواتب والأجور والتعويضات والتي بلغت نحو 372 مليار ليرة، وذلك بحسب البيان المالي للحكومة، أي إن صافي الضرائب غير المباشرة كان كفيلاً وحده بتأمين استحقاقات الحكومة تجاه الموظفين والمتقاعدين عام 2016.
ويشكل صافي الضرائب غير المباشرة نحو 27.8% من إجمالي الإيرادات المقدرة في موازنة 2016، حيث تم تقديرها بمبلغ 1358.27 مليار ليرة (إجمالي تقديرات الموازنة 1980 مليار ليرة مطروحاً منها العجز المقدر بـ 621.73 مليار ليرة)، كما يشكل أكثر من 51% من الإيرادات الجارية المقدّرة عام 2016 بنحو 738 مليار ليرة.
افتراضياً، في حال تم تنفيذ حوالى 50% من الإنفاق المقدّر في موازنة 2016، وفقاً لتوقعات قطع الحسابات، فإن مساهمة صافي الضرائب غير المباشرة في تمويل الإنفاق سوف يتجاوز 38%.
اقتصادياً، يشكل صافي الضرائب غير المباشرة نحو 7.47% من صافي الناتج بتكلفة عوامل الإنتاج، حيث بلغ نحو 5 تريليونات ليرة سورية بحسب بيانات المجموعة الإحصائية 2017، كما يشكل نحو 35% من صافي التحويلات الجارية من العالم الخارجي، حيث بلغت 1076.2 مليار ليرة، كما يشكل نحو 5.8% من الدخل القومي المتاح للتصرف فيه والبالغ نحو 6.5 تريليونات ليرة سورية.
وبناء على بيانات المكتب المركزي، نجد أن صافي الضرائب غير المباشرة في العام 2016 شكلت نحو 36.8% من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي للحكومة الذي بلغ 1024.4 مليار ليرة، كما شكل نسبة 6% من الإنفاق الاستهلاكي الخاص البالغ 6.27 تريليونات ليرة، وبالتالي شكل نحو 5.2% من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي للعام 2016.
للوقوف على مزيد من التفصيل عن مدى أهمية رقم صافي الضرائب غير المباشرة، يمكن مقارنة بيانات العام 2016 مع الفترات السابقة، كما وردت في المكتب المركزي للإحصاء، حيث نلاحظ أن الرقم كان سالباً من العام 2004 وحتى 2008، مما يعني زيادة ما تدفعه الحكومة من إعانات عما تحصله من ضرائب غير مباشرة، وهذا مرتبط بدعم الإنتاج والتشغيل في تلك المرحلة، وقد تراوحت الأرقام بين (-49.7) مليار ليرة عام 2004 وصولاً إلى (-275.3) مليار ليرة عام 2008، ومن ثم تبدأ الحكومة بتحصيل ضرائب أكثر من الإعانات في العامين 2009 و2010، وبنحو 29.2 مليار ليرة وملياري ليرة، بالترتيب، لتعود البيانات السالبة بالظهور مجدداً مع تفوق رقم الإعانات على الضرائب من العام 2011 وحتى 2014، حيث يكون السبب الرئيس في ذلك تدني التحصيلات الضريبية بسبب التراجع الكبير في الإنتاج إثر الحرب، فقد تراوحت أرقام صافي الضرائب غير المباشرة بين (-203.3) مليارات ليرة عام 2011، وصولاً إلى (-39.8) مليار ليرة عام 2014، لتزيد حصيلة الضرائب غير المباشرة على الإعانات في العام 2015 مسجلة قيمة تجاوزت 67.7 مليار ليرة، ثم زاد الرقم بنحو 457% في العام 2016 حيث تم تسجيل مستوى غير مسبوق بنحو 377.2 مليار ليرة، وهو أعلى بالنسبة إلى الدخل أيضاً مقارنـــةً بالفترات السابقة.

ما وراء الأرقام
تعليقاً على رقم صافي الضرائب غير المباشرة في العام 2016 البالغ 377.2 مليار ليرة سورية رأى النائب في مجلس الشعب الدكتور محمد خير العكام في تصريح لـ«الوطن» أنه رقم طبيعي قياساً إلى نسبته من الناتج القومي (صافي الناتج القومي بتكلفة عوامل الإنتاج) والبالغة نحو 7٫5 بالمئة، ولا يمكن اعتباره رقماً كبيراً بالنظر إليه في سياق كوننا دولة نامية، وتمر في ظروف حرب، إذ إن الدول النامية تعتمد في تمويل إنفاقها بشكل رئيس على الضرائب غير المباشرة، أي الضرائب على الاستهلاك، وتتجنب الضرائب غير المباشرة المفروضة على الدخل، نظراً لكونها تسعى إلى تشجيع الإنتاج والاستثمار بشكل رئيس، عبر الإعفاءات والتسهيلات الضريبية المباشرة.
إلا أن العكام أكد فكرة الخلل في النظام الضريبي القائم على الضرائب غير المباشرة بشكل رئيس، حيث يقل فيه مستوى العدالة الضريبية، منوهاً بأن تحقيق العدالة الضريبية يصبح أكثر واقعية عندما تتحرك الحكومة باتجاه الاعتماد على الضرائب المباشرة وغير المباشرة، معاً، وهذا ما يتم بحثه في اللجنة المكلفة إعادة النظر في النظام الضريبي في سورية (والعكام عضو فيها)، لذا رأى العكام بأن تحصيل ضرائب غير مباشرة بنحو 7 بالمئة من صافي الناتج القومي إنما يقتضي تحصيل ضرائب مباشرة بالنسبة نفسها، أو أكثر، للحديث عن عدالة ضريبية، علماً بأن الضرائب المباشرة انخفضت بشكل ملموس خلال الحرب بسبب التهرب الكبير فيها ومنح الإعفاءات والمزايا الضريبية، من دون أن يهمل الإشارة إلى تدني مستوى الدخل في البلد، مما يعوق زيادة الضرائب المباشرة التي سوف تستهدف محدودي الدخل بشكل رئيس.
وأشار العكام وهو أستاذ المالية العامة في كلية الحقوق في جامعة دمشق إلى التهرب الضريبي في الضرائب غير المباشرة أقل منه في المباشرة، لذا تتجه الدول، كحالتنا، إلى الاعتماد عليها في زيادة التحصيلات الضريبية، وهذا من مصادر الخلل المنهجي أيضاً في النظام الضريبي، مبيناً أننا نسير باتجاه تكريس هذا الخلل خلال سنوات الحرب.
وأوضح العكام أن المصدر الرئيس للضرائب غير المباشرة هو رسم الإنفاق الاستهلاكي والرسوم الجمركية، إلى جانب ضرائب أخرى، وزيادتها بطبيعة الحال سوف تساهم بشكل أو بآخر في زيادة الأسعار، مع الأخذ بالحسبان بعض العوامل الاقتصادية الأخرى، لافتاً إلى أنه يجب الإفصاح عن تحصيلات الضرائب المباشرة لمقارنتها بالضرائب غير المباشرة والوقوف على واقع الخلل في النظام الضريبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن