سطوع نجم «حراس الدين»!
| محمد نادر العمري
يأخذ ملف إدلب بما يحتوي عليه من تعقيدات وتشعبات مرتبطة بالتدخلات الإقليمية والدولية وتناقض المصالح وارتفاع وتيرة الصراع، بعداً آخر يتعلق بالتنظيمات المسلحة ذاتها. التي هي اليوم في مرحلة إعادة تحديد توجهاتها ومصيرها، انطلاقاً من تقييم قوتها وعلاقاتها واحتمالية دمج نفسها مع تنظيمات تتمتع بقدرات عسكرية ومادية مؤثرة، نتيجة ارتباطها مع دول إقليمية على غرار «الهيئة الوطنية للتحرير» المدعومة تركياً، أو تلك التي تنتمي إيديولوجياً للفكر القاعدي مثل «جبهة النصرة» أو «حراس الدين».
لكن مع تصنيف تركيا لـ«جبهة النصرة» منظمة إرهابية نتيجة الضغط الروسي، في محاولة الأخيرة لعزل التنظيم «المتشدد» عن باقي التنظيمات التي تصنفها تركيا «بالمعتدلة»، والمتحالفة معها، سيدفع الكثير من عناصر «النصرة» إلى البحث عن خيار بديل للانتقال إليه أو كفرصة أخيرة للنجاة، وهو ما سيضعف التنظيم مقابل زيادة قوة تنظيمات رديفة مثل «حراس الدين»، الذي أنشئ في شباط 2018، بتوقيت يدفع أي مراقب للشأن السوري إلى طرح العديد من التساؤلات في مقدمتها: ما سبب إنشاء ذراع عسكرية ثانية لـ«القاعدة» في سورية في الربع الساعة الأخيرة؟ وما أهدافها؟
الإجابة عن هذين السؤالين ينطلق من واقعية نشأته في ظل الصراع الذي شهدته إدلب بين التنظيمات الإرهابية كتعبير عن الصراع القائم بين الدول الداعمة لها وتناقض مصالحها ونفوذها بالدرجة الأولى، وثانياً ليصار إلى تحويله إلى تنظيم بديل من «النصرة»، يستقطب قياداتها البارزين في حال تم الاتفاق للقضاء عليها، وهنا يبرز الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات الأميركية في نشوء هذا التنظيم. فمن حيث الانتشار والتموضع الميداني استطاع تنظيم «حراس الدين» أن ينشط في المناطق ذاتها التي كانت تنشط بها جماعة «جند الأقصى» المدعومة أميركياً في السابق قبل أن تصنفها ضمن التنظيمات الإرهابية، ولاسيما في ريف محافظة حماة الشمالي، وبعض المناطق في مدينة «سرمين» قرب مدينة إدلب.
ومن حيث التمويل فإن التنظيم أغدق في تقديم عروضه برواتب مالية بالليرة السورية لمن يريد القتال إلى جانبه تزيد على 200 ألف ليرة شهرياً، وبتمويل خارجي مجهول يتم نقلها عبر «مصارف كويتية» العاملة ضمن النظام النقدي الأميركي.
من المرجح أن الفترة القادمة ستشهد حراكاً موسعاً لتنظيم «حراس الدين» مستغلاً التوتر والصراع القائم في إدلب بين المجموعات المسلحة و«جبهة النصرة»، فضلاً عن شبه الاتفاق الإقليمي والدولي للقضاء ولو «صورياً» على «النصرة»، وما سيمنح هذا التنظيم قدرة توسعية على حساب التنظيمات الأخرى عوامل متعددة:
* استغلال ولائه المفرط لـ«القاعدة» من جهة، والأسماء «الشهيرة» على الساحة القتالية من جهة أخرى التي استطاع استقطابها في الآونة الماضية، والتي تساعده في «تسويق نفسه» داخل سوق التمويل التكفيري، والمهتمين بدعم الحركات القاعدية، والتي تعتبر من الأسماء المؤثّرة في البيت الداخلي لتنظيم القاعدة، وهو ما سيجعل الأخير «سخياً» بإعطائه ما يشاء من الأموال مقابل استعادة «مجد القاعدة» في سورية. حيث تسلم قيادة هذا التنظيم الجديد أبو همام الشامي، الملقب بـ«أبي همام العسكري»، ويرافقه القائد العسكري العام السابق لـ«النصرة» سمير حجازي.
وإلى جانب هذين الاسمين، يحتوي التنظيم على عدد من الوجوه القاعدية المعروفة، ومنهم إياد طوباس المعروف باسم «أبو جليبيب الأردني» الذي طرد من الجنوب السوري منذ عامين ونصف العام تقريباً، وبلال خريسات، المعروف باسم «أبي خديجة الأردني»، حيث إن وجود هذين الاسمين ساهما في استقطاب التيار السلفي الأردني، فضلاً عن تيارات سلفية من دول الخليج ومن أجل استجداء الدعم المالي في الوقت ذاته. فـ«حراس الدين» أراد لنفسه أن يكون ذلك التنظيم الذي يمثّل التيار المعارض لفك ارتباط «النصرة» عن القاعدة، الذي شكل لاحقاً جسماً عسكرياً مستقلاً يدين بولائه لـ«القاعدة» والعمل تحت قيادتها وعقيدتها.
* التنظيم قام منذ تأسيسه بتجميع قواه حيث وصل تعداد عناصره حسب التقديرات بمنتصف عام 2018 إلى ما يقرب من 9 آلاف، ومن المتوقع أن تزداد خلال الفترة القادمة إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، فتأمين الدعم المادي والتمويل والتنسيق، يساهم في استجلاب أكبر عدد ممكن من المقاتلين الأجانب أو المحليين إلى صفوفه، حتى يتمكن من أن يكون فصيلاً قاعدياً له وزنه على الساحة الجهادية في شمالي البلاد. فهو يستقطب العناصر السابقين لـ«داعش» ويوطنهم في إدلب، وعدداً من العناصر الإرهابية القديمة التي شاركت في القتال في العراق وأفغانستان، ويتمتع هؤلاء المجندون بمهارات كبيرة في الحروب الإرهابية، وعلى الأرجح في جمع المعلومات الاستخبارية، وقد ساهمت تجارب التنظيم في أفغانستان، في تعزيز روابطه مع قيادة القاعدة المركزية، فضلاً عن شبكة من الولاءات والعلاقات الشخصية ضمن أقسام أخرى من التنظيم.
* تعقيد المشهد العسكري والسياسي في إدلب بما يخدم المشروع الأميركي، حيث تفضي بعض المعلومات أن المخابرات الأميركية تسعى إلى تجميع المتطرفين العرب والأجانب كافة ضمن صفوف هذا التنظيم لتحقيق عدة أهداف، أهمها: أولاً، نقل معظم هؤلاء وبخاصة ممن لديهم خبرات اكتسبوها في أفغانستان نحو ما سمي «أرض التمكين» في ليبيا وسيناء مصر للاستفادة منهم في ساحات قتال جديدة، ثانياً، محاولة استنزاف الجيش السوري في معركة إدلب وإطالتها قدر الإمكان، باعتبار أن عناصر هذا التنظيم هم متطرفون وأجانب ويؤمنون بعقيدة الموت ولن يندرجوا ضمن إطار المصالحات، ثالثاً، رغبة الاستخبارات الأميركية بسحب البساط من تحت أقدام التركي وتعرية دوره في محادثات أستانا وإفقاده عنصر القوة فيما يتعلق بـ«جبهة النصرة» الآخذة بالتفكك لمصلحة «حراس الدين» من جانب، ومن جانب ثان محاولة لي ذراع تركيا وتطويعها من خلال الأعمال الإرهابية التي قد يشنها هذا التنظيم في الداخل التركي، وهنا يمكن القول: إن واشنطن والسعودية ستكونان من أكثر المستفيدين من هذه الأعمال.
من الواضح أن ربع الساعة الأخير من عمر الأزمة السورية سيشهد الكثير من الأحداث الدراماتيكية على الصعد كافة وسيتم اللجوء، كما هو واضح حتى الآن، إلى أساليب الصراع كافة بما في ذلك افتعال قضية الكيميائي مجدداً لتسويغ أي عدوان خارجي محتمل، وكذلك السعي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسلحين متطرفين وتوظيفهم في ساحات أخرى عبر إيجاد ممرات آمنة، وقد لا يكون من المستغرب أن تكون مبادرة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا لخدمة ذلك عندما انبرى قائلاً: أنا على استعداد للتضحية بنفسي للذهاب إلى إدلب لإقامة الممرات الإنسانية هناك، وعندما حصر عدد مقاتلي «النصرة» التي تسيطر على 60 بالمئة من المدينة بـ10 آلاف فقط.