ثقافة وفن

وزارة الثقافة تكرم عائلة نهاد قلعي … محمد الأحمد: يمتلك ثقافة حياتية كبيرة وكان معروفاً بكرمه وطيبته ووقوفه إلى جانب الفنانين

| وائل العدس – تصوير طارق السعدوني

تعبيراً عن الوفاء والعرفان وتأكيداً لرسالة الفن الخالدة التي قدمها فنانونا الكبار، كرّم وزير الثقافة محمد الأحمد عائلة الفنان الكبير نهاد قلعي تقديراً لدورها بالحفاظ على تراث الفنان الراحل.

متعدد المواهب
وزير الثقافة تحدث عن الراحل الكبير وقال: هو اسم لا يمكن أن يلخص بمقابلة سريعة أو لقاء، كانت له بصمات كبيرة في المسرح القومي في سورية، فعندما كان مديراً لهذا المسرح في وزارة الثقافة شاهد الجمهور في زمنه أجمل العروض المسرحية.. إنه ينتمي لجيل الكتّاب الذين أسسوا للدراما السورية المتميزة اليوم التي عاشت على اللبنات التي بناها الأستاذ الكبير نهاد قلعي.
وتابع: نهاد قلعي واحد من أكثر الفنانين الذين ظلموا في هذه الدنيا، فهو لم يأخذ حتى اليوم جزءاً يسيراً مما يستحقه، لقد كان متعدد المواهب، مسرحياً، وكاتباً، وممثلاً، ويمتلك ثقافة حياتية كبيرة وكان معروفاً بكرمه وطيبته ووقوفه إلى جانب الفنانين.
وعن أهمية أعمال الراحل تحدث الوزير: تكمن أهمية نهاد قلعي عندما نشاهد أعماله التلفزيونية والمسرحية والسينمائية في سورية والوطن العربي، في أنها ما زالت منذ عقود محافظة على بريقها ومشاهديها وبالشغف نفسه رغم أنها قدمت بتقنيات بدائية، لكن بمضمون مهم وبراق.
وختم: نحن اليوم في وزارة الثقافة نسعى للحفاظ على إرثه وهناك بعض الإجراءات القانونية التي نحاول أن نقوم بها في قادم الأيام، وإننا لفخورون بتكريم هذه القامة الفنية الكبيرة.

أعمال لا تتكرر
بدورها عبّرت مها قلعي ابنة الفنان الراحل، عن سعادتها بتكريم والدها، قائلة: إن هذا التكريم يعني لي الكثير لأنه جاء بعد سنوات طويلة، ويعني أن نهاد قلعي لا يزال موجوداً بذاكرة الناس ولا يزال محبوباً منهم.
وتحدثت عن أن أكثر صفة كانت تميز الفنان الكبير هي محبته الكبيرة لعائلته، مشيرة إلى أنه تميز بأعماله في المسرح القومي التي ما زالت ملتصقة بذاكرتها ومسلسل «صح النوم» و«ملح وسكر».
ورأت قلعي أن سبب الحفاظ على ذكراه طوال هذه الفترة هي أن أعماله لا تتكرر، وأنها شعبية وتحاكي القيم والأخلاق الحميدة.

مسيرة غنية
من منا لم يسمع بالمقولة الشهيرة: «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل». طبعا المقولة ليست لشكسبير أو أرسطو إنما مقولة فنان الكوميديا نهاد قلعي في شخصية «حسني البورظان»، تلك الشخصية التي عاشت معنا في طفولتنا ودخلت بيوتنا كما دخلت قلوبنا وكبرنا معها ولا تزال الأجيال تتابع مسلسلاته وأفلامه مع ثنائية دريد لحام.
يذكر الجمهور العربي جيداً ملامح الفنان السوري نهاد قلعي الذي ما زالت شخصيته المعروفة «حسني البورظان» حاضرة في الاذهان، كما يذكر مقالبه المضحكة مع قرينه دريد لحام المشهور بـ«غوار الطوشة»، لكن من يذكر أن قلعي هو أول مدير لـ«المسرح القومي» السوري أواخر الخمسينيات، وأحد الذين أسسوا للحركة المسرحية العربية الحديثة.
أحبّ الفن فسرى هذا الحب في عروقه وأزهر بنفسجاً وريحاناً، وضحّى من أجله بسنوات عمره التي كرسها له.
ولد نهاد قلعي في دمشق في حي ساروجة – حارة قولي في صيف 1928، واسمه الكامل حسب الهوية الشخصية نهاد قلعي الخربوطلي، والده محمد رفقي ووالدته بدرية العطري، انتسب إلى مدرسة البخاري القريبة من دار الأسرة وكانت هذه المدرسة تعدّ طلابها إعداداً علمياً وأخلاقياً عالياً، تؤهلهم لإلقاء الخطب والقصائد في المناسبات.
أحبّ التمثيل منذ نعومة أظفاره وكان شديد الإعجاب بالفنان عبد اللطيف فتحي، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية انتسب إلى مدرسة التجهيز الأولى وفيها تتلمذ على يدي الفنان عبد الوهاب أبو السعود الذي كان يدرب الطلاب على أداء أدوارهم في التمثيليات التي تقدم في نهاية السنة الدراسية، وكان نهاد يؤدي فيها أدواره بنجاح كبير، عندما أكمل دراسته الثانوية كان أبوه قد أحيل على التقاعد فاضطر لترك المدرسة والعمل، ولأنه كان مولعاً بالتمثيل بادر إلى معهد التمثيل بالقاهرة للانتساب إليه بتشجيع من خاله الفنان توفيق العطري، فباعت الأسرة ما يلزم لتأمين سفر ابنها إلا أن المبلغ نشل منه وكانت كارثة كبرى بالنسبة إليه.
بعد ذلك اضطر للعمل مراقباً في معمل للمعكرونة في حي الميدان، ثم ضارباً على الآلة الكاتبة في الجامعة ثم انتقل بعدها إلى وزارة الدفاع، وعمل مساعداً لمخلص جمركي طوال خمس سنوات، ثم عمل لحسابه الخاص، وظلّ يمارس عمله هذا إلى أن بدأ حياته الفنية.

بداياته الفنية
كانت الخطوة المهمة في حياة نهاد قلعي الفنية سنة 1946 مع نادي «البرق» الكائن في ساحة المرجة وفي هذا النادي شارك بتقديم مسرحية عنوانها «جيشنا السوري» وفي عام 1954 قام بتأسيس (النادي الشرقي) وكانت‏ أولى المسرحيات التي قدمها تحمل عنوان «الأستاذ كلينوف» وأخذ فيها دوراً كوميدياً، ثم قدم مسرحية «زنوبيا» التي ألحقت بالنادي كارثة مادية كبيرة ظلّ بعدها سنوات عديدة يسدد ما تراكم عليه من ديون بسببها.
في عام 1957 قدم النادي في القاهرة مسرحية «لولا النساء» ولقيت إقبالاً جماهيرياً كبيراً ونجاحاً باهراً.
وفي شباط من العام 1959 قدم النادي أيضاً على مسرح الأزبكية بالقاهرة مسرحية بعنوان «ثمن الحرية».
وفي العام ذاته كلفته وزارة الثقافة والإرشاد القومي بتأسيس مسرح قومي في سورية.

مع التلفزيون
مع افتتاح التلفزيون العربي السوري في 23 تموز 1960 بدأ قلعي يتألق حيث التقى الفنان الكبير دريد لحام واستمرت مسيرتهما الفنية ستة عشر عاماً إذ قدم برنامجاً منوعاً اسمه «الأسرة السعيدة» وشاركه في التقديم لحام ومحمود جبر، وغازي الخالدي وتاج باتوك وقد شجع مدير التلفزيون آنذاك الدكتور صباح قباني دريد ونهاد على تأليف ثنائي فني وتوقع لهما النجاح، وهذا ما حدث بالفعل، ثم تحول هذا البرنامج إلى برنامج آخر باسم «سهرة دمشق» الذي انضم إليه الفنان رفيق سبيعي وشكل برنامج «سهرة دمشق» أول تعاون رسمي بين الفنانين القديرين «دريد ونهاد» ولقي نجاحاً متميزاً.
ومن أهم الأعمال المتميزة لهما: «عقد اللؤلؤ» ثم «مقالب غوار» و«حمام الهنا» و«صح النوم» وهذه الأعمال لقيت إعجاباً جماهيرياً وما زلنا نشاهد بشغف بعض الحلقات التي تعرض على شاشة التلفاز بين الفينة والأخرى.
وفي السينما اشتركا في واحد وعشرين فيلماً منها «عقد اللؤلؤ» و«لقاء في تدمر» و«الشريدان» و«المليونيرة والنصّابين الثلاثة» و«خياط للسيدات» و«الرجل المناسب» و«مسك وعنبر» وفيلم «صح النوم» عام 1975.
في عام 1974 قدما مسرحية «ضيعة تشرين» من تأليف محمد الماغوط وكانت من أجمل الأعمال المشتركة بين الفنانين الكبيرين وفي عام 1976 قدما مسرحية «غربة».

آخر تصريح
في آخر تصريحاته قبل وفاته بأيام قليلة يقول قلعي: «أعيش حالياً جواً من الإحباط. لكنني لو عدت إلى بداياتي، وقيد لي أن أختار حياة جديدة، لما اخترت غير الطريق الذي سلكته، رغم مرارتها ووعورتها في أحيان كثيرة. باستطاعتي القول إنني لست نادماً على شيء».
وأضاف: أنا راض كل الرضا، لأنني بذلت كل جهدي، وقدمت كل ما استطعت، ولا أظن أنني فشلت، قد لا أكون حققت النجاح الذي أطمح إليه، ويطمح إليه كل مبدع في قرارة نفسه، لكن إنجازاتي تتناسب مع الإمكانات التي أتيحت لي على أرض الواقع.

حادثة طريفة
يردد نهاد قلعي حادثة طريفة يؤكد أنها جديرة بأنها تروى فيقول: طلبت منّي وزارة الثقافة ذات يوم عرض مسرحية «البورجوازي النبيل»، تكريماً للطلبة الذين حصلوا على مراتب عليا في جميع الكليات السورية، وذلك في إطار الاحتفالات التي أقيمت في مناسبة وصول ناظم القدسي إلى سدّة الرئاسة واستلام خالد العظم مقاليد رئاسة الوزراء. وفي اليوم المحدد، قبل ساعة من موعد بدء العرض، توجهت إلى «مسرح القباني» للتأكد من أن مسؤولة الملابس جهزت جميع الملابس والإكسسوارات المطلوبة للمسرحية. كنت متوتراً، مضطرباً، والرهبة تملؤني.
وعندما بدأت أرتدي ملابسي، اكتشفت أنها ناقصة، فهرعت أبحث عنها في غرف الزملاء لكن دون جدوى. وما كان مني إلا أن ركلت الباب بقدمي لشدة الغضب، ولم يكن يكسوها سوى نعل خفيف. فانكسر الباب، وانكسرت قدمي. وتم إحضار الأطباء على الفور، فقرروا بالإجماع منعي من الحركة. وجدت نفسي في حيرة من أمري، لكني قرّرت أن أقدم المسرحية رغم كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن