ثقافة وفن

سورية قويّة بشبابها … ثقافـة الشباب أولوية جميع مؤسسات الدولة

| هناء أبو أسعد

تعد فئة الشّباب العمود الفقريّ للمجتمع الذي لا يُمكن الاستغناء عنه، فالشباب يعني القوّة والحيويّة والطّاقة، والقدرة على التحمّل والعمل باجتهاد وقوّة ومن ثم زيادة الإنتاج، وله دورٌ كبير في بناء وتنمية المُجتمع، في كل المجالات الاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية، فهم الأكثر طموحاً، ولا نبالغ إن قلنا إنهم أساس التّغيير والقوّة القادرة على إحداثه، بما يمتلكونه من مهارات وأفكار ورؤى إبداعية وقدرة على التجديد والابتكار، لذا يجب أن تكون ثقافتهم أولوية جميع مؤسسات الدولة، التي يقع على عاتقها واجب استقطاب طاقاتهم وتوظيفها في مكانها الصحيح، فعندما يتعرض الوطن للخطر ممّن يحاول النيل منه ومن أمنه واستقراره، لا شك سيكون لهم أبناؤه بالمرصاد وخاصة الشباب.. هذا ما رأيناه في سنوات الحرب التي تمرّ على سورية الغنيّة بتاريخها وتراثها، والتي تمتلك بعضاً من أقدم وأهم الحضارات على وجه المعمورة.. لكنّها ورغم حضارتها العريقة في القدم هي شابة بشبابها وأبنائها، فهم الحاضر وكل المستقبل.

ثقافة الشباب مصلحة وطنية
تخوض سورية طوال تاريخها حروباً، لكن حربها الأخيرة هذه تختلف عما سبق، لأنها حرباً للقضاء على وجودها وثقافتها وحضارتها، لذلك لابد من زيادة الوعي الثقافي لدى السوريين بتكاثف جهود جميع الوزارات « ثقافة – تربية وتعليم – إعلام… إلخ»، وتحقيق العدالة الثقافية في جميع المحافظات بلا استثناء، لأننا نواجه حرباً ضروساً على الجهل والتطرف والإرهاب ولا مفر من الانتصار، فالانتصار يعني الوجود.. وفي ظل تلك الحرب وظروفها يواجه الشباب اليوم تحديات كثيرة في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والعلمية… إلخ، أمام انتشار ثقافة الإنترنت السريعة والمسيطرة بشكل واضح على هذا الجيل الذي هو ثروة الوطن الأساسية ولابد من استثمارهم بشكل صحيح نحو التطور والبناء والإنتاج والحفاظ عليهم من الضياع، ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام بثقافتهم وتحصينهم ليقفوا سداً منيعاً في وجه جميع التحديات وخاصة الثقافية لأنها تتسلل إلى العقول وتنفث سمومها المدمرة لتدمر شعبا بأكمله.
فلم يعد الاهتمام بثقافة الفرد أمراً ثانوياً، بل مهم جداً يصبّ في صميم المصلحة الوطنية، حتى إننا لا نبالغ إذا قلنا إن المصلحة الوطنية لا يتم تحقيقها الكامل من دون وضع خطة ثقافية مدروسة تحمي العقول وتصونها.
وعندما نقول إنه يجب على الدولة الاهتمام بثقافة المجتمع لا يعني جهة معينة أو وزارة معينة، بل مؤسسات عديدة تُسهم في البناء الثقافي الجيد من أهمها الأسرة والمدرسة والجامعة ومراكز الشباب والجامع والكنيسة ووزارات الدولة « إعلام وثقافة وتربية وعمّال.. إلخ» والاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي والإلكتروني التي أصبحت أحد أهم عوامل وروافد الوعي الثقافي للأفراد. فالشباب يتحملون مسؤولية إنقاذ البلد من خلال الأفكار والاتجاهات الفكرية والثقافية التي يتبنونها، بأفكارهم وجهودهم يُبنى الوطن ويزدهر.

المواجهة الثقافية
للجهل والعنف والتطرف
الجهل والتطرف والإرهاب» ظواهر مدمرة للمجتمع والبلدان، ومحاربتها ليس فقط عن طريق الجيش والأجهزة الأمنية بل عن طريق الفكر والعقل والثقافة والإعلام وغيرها من الوسائل التثقيفية.
فمن الأسباب الرئيسية في حدوث هذه الظواهر المدمرة للبنية الاجتماعية هي ثقافية بالدرجة الأولى ومن الخطأ أن نعتبر أن الاقتصاد أو التجارة… وغيرهما ما يميّز دولة عن أخرى، بالعكس تماما فالدولة المثقفة والمسيطرة على عقول أفرادها وخاصة الشباب هي الناجحة والمتطورة.. لأن الثقافة هي كل شيء، وهي السلاح الذي يقف في وجه العنف والتطرف والجهل وكل الظواهر السلبية ويكون ذلك بوضع سياسة إستراتيجية ثقافية مع مؤسسات الدولة جميعها وإقرار خطط لتنمية وصقل مهارات الشباب لجعلهم سلاحا ضد كل ما هو خطير ومدمر لبنية الوطن. فالثقافة مثلها مثل علم الاجتماع والمنطق تدخل في كل شيء وتُستخدم في جميع الميادين وخاصة في الحرب. فهناك ثقافة التدمير التي يستخدمها الأعداء وثقافة المقاومة والبناء والانتصار على الأعداء والانتماء للوطن، وهذا ما تبناه الشباب السوري فأوقف بذلك حلم الصهيونية بتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد لتبقى سورية مهد الحضارات والثقافات.

دور الشباب السوري المثقف
في الصمود خلال سنوات الحرب
لأن شريحة الشباب كانت الأكثر تضرراً في تلك الحرب، والهدف الأساسي لها لجرّهم إلى المتاهة ضد خط الوطن، لأنهم القلب الذي يضخ الدم المتجدد في جسد الوطن وهم حاضر المشرق ومستقبله الواعد، والنيل منهم جسداً وفكراً يعني هدم الحاضر وتهديد المستقبل بالخراب، كان الاهتمام بهم وبدورهم في بناء الدولة منذ بداية الحرب، فأطلق السيد الرئيس بشار الأسد في بداية الأزمة برنامجاً سياسياً لحلها، وتبنت الجهات والمؤسسات العمل لإطلاق الحوار الوطني الذي يعد الكلمة المفتاح في حل الأزمة، وكان الدور الأساسي فيه للشباب لأن غياب دورهم الفعال عن ساحة المجتمع يعني ركوداً وانحطاطاً وتخلفاً وجهلاً. وقد أثبت الشباب السوري أنه واع واثق بنفسه وبجيشه وبقيادته فانطلقت الحملات التطوعية والفعاليات الوطنية الشبابية مع بداية الأزمة واستقطبت فئة الشباب واستثمرت حماسهم بشكل صحيح، وتنوعت الأنشطة في مساعدة المهجرين من مناطق سيطرة العصابات المسلحة، وتقديم المساعدة المادية والمعنوية لهم، وأخرى ساهمت أيضاً إلى حد كبير في مساعدة أسر الشهداء وقدمت الدعم النفسي للجيش العربي السورية المرابط على خطوط النار، ولن ننسى تشكيل الجيش السوري الإلكتروني الذي اخترق حساب شركة «مايكروسفت» الإخباري على «تويتر» ونشر العديد من التغريدات قبل أن تتمكن الشركة من إعادته، وهنا كانت المفاجأة أن الشباب الذي أراده أعداء الوطن أن يكون العامل الأساسي والفعال لتفتيت سورية وتدميرها، كان الحصن الحصين الذي حماها وصان حدودها وحرمة أرضها، وأثبت للعالم وعيه لحجم المؤامرة التي حيكت لبلدهم، وثقته بالنصر الأكيد.

الشباب والإصلاح الثقافي
انطلاقا من كون الشباب مصدراً للتنمية، وفي ظل المتغيرات الإقليمية التي يعيشها الوطن العربي بكل بلدانه، ينبغي أن تصب الحكومات اهتمامها أكثر على الشباب من خلال سياسات ثقافية تُبنى على مقومات صلبة ورؤى إستراتيجية تحمل في عمقها جميع ركائز النجاح، لأنه لم يعد هناك مجال إلا لتفعيل دور الشباب وإشراكه في عملية البناء والإصلاح خصوصاً أنه يعيش أوضاعاً صعبة جداً تتميز بالفقر والبطالة والهجرة.
لذلك لابد من التركيز على أهمية إقامة مؤتمرات شبابية على كل الصعد والمجالات لتفعيل التواصل الثقافي بين الأجيال وهدم الفجوة بينهم، فمفهوم الثورة كما عرفناه منذ زمن يعني الإصلاح والبناء وليس الخراب والدمار كما سموه في سنوات الحرب هذه، والإصلاح الثقافي يعني الاهتمام بالثقافة والفن والمسرح والسينما والتعليم ومناهج التعليم بكل مراحله، وإقامة معارض دائمة للكتب داخل المدارس والجامعات وإجراء مقابلات ثقافية وندوات، وإعطاء المجال للشباب كي يعبروا عن رأيهم بكل المجلات في الندوات والمؤتمرات الشبابية والطلابية ومناقشة اقتراحاتهم لأنهم شركاء في الإصلاح والبناء.

تفعيل دور الشباب
والاهتمام بطاقاتهم
للشباب آمال وطموحات.. وبهم تنهض المجتمعات أو تنهار وعلى أيديهم النصر أو الهزيمة، لذلك لابد من منحهم الثقة ودعمهم وتمكينهم ليواصلوا عطاءهم، خاصة أن الشباب السوري أثبت أنه جدير بالثقة ولديه طاقات كامنة تساعد في إعادة الإعمار، من هنا كان الاهتمام بالشباب ودعمهم في مبادراتهم مثل «بصمة شباب سورية – الأولمبياد العلمي السوري – جائزة الباسل للتفوق الدراسي…. وفي مجال الرياضة حيث حصدت سورية العديد من الميداليات في السباحة وألعاب القوة وكرة القدم وغيرها، وكذلك في مجال الثقافة فكان هناك مشروع دعم مسرح الشباب الذي تقدمه مديرية المسارح والموسيقا التابعة لوزارة الثقافة، إضافة إلى الندوات التي تقيمها الوزارة عن الشباب السوري ومشاركته في الحوار الوطني وإعادة الإعمار، وإقامة العديد من الفعاليات الثقافية وتقديم الدعم اللازم لها، ومع ذلك بات من الضروري تفعيل الدور الشبابي بشكل أكبر والاهتمام بهذه الشريحة المهمة وتوفير احتياجاتها ومعالجة الصعوبات التي يعانونها والاستماع إلى همومهم ومشاكلهم، خصوصاً بعد ما قدموه من تضحيات كبيرة خلال سنوات الحرب الكونية التي نعيشها، وبعد أن أثبت الشباب السوري للعالم أجمع أنه جيل واع ومثقف ومؤمن بوطنه وقادر على حمل المسؤولية، وأن كل ما قام به من مبادرات ونشاطات كان رديفا لبطولات الجيش العربي السوري، تلك المبادرات التي نأمل الاستفادة منها في بناء الوطن على الرغم من التحديات التي يواجهها الشباب السوري بعد الحرب، والاهتمام بالثقافة الشبابية كركيزة أساسية لبناء الوطن من خلال عقد لقاءات وندوات ثقافية بين الجامعات والمدارس وتوعيتهم على أهمية الثقافة وأثرها في حياة الفرد والمجتمع وتنظيم الأنشطة الثقافية الفعالة والهادفة ومشاركة وسائل الإعلام في جميع النشاطات الثقافية الشبابية من خلال برامج تلبي احتياجات الشباب وطموحاتهم ورغباتهم والعمل على ضمان حقوقهم «صحة -تعليم – سكن – توظيف» ووضع برامج لدعم البحث العلمي لديهم ومحاربة كل حالات إقصائهم وتهميشهم باندماجهم في المراكز المهمة في الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن