ثقافة وفن

أنا أقف ضد جميع القوى التي تساعد على ظلام العقل … نوال السعداوي: ترامب ليس أكثر من راجل كوبوي متناقض تحكمه الانفعالات السريعة … زي الفتيات في بلادنا مزيج بين الأسلمة والأمركة

| حوار: لونا بوظو

هي الأديبة الكبيرة الأكثر جرأة وتمرداً وإثارة للجدل لسيرها عكس التيار، فقد ذاع صيتها من خلال ثورتها على العادات التقاليد المتوارثة البالية ومن خلال مخالفتها للتطبيقات النصية للأديان السماوية الثلاثة.
مناضلة شهيرة ذات تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وخاصة المرأة.
وعلى الرغم من معاناتها الكبيرة وتعرضها للسجن أيام الرئيس السادات وللنفي أيام مبارك ولإعدام بعض كتبها وحظرها إلا أنها استطاعت التغلب على تقدم عمرها «87» عاماً، إذ لا تزال مستمرة في نضالها وفي إنتاجها الأدبي الغزير، حتى إن أعمالها ترجمت إلى أكثر من 35 لغة وحصدت نجاحاً منقطع النظير على مستوى العالم، فرشحت عدة مرات لجائزة نوبل للآداب كما منحت العديد من الشهادات الفخرية من جامعات عالمية وفازت بالعديد من الجوائز العلمية والأدبية.
حول بعض القضايا الثقافية كان لنا هذا الحوار مع الكاتبة الدكتورة نوال السعداوي.

في البدء نحب أن نتعرف إلى سبب اتجاهك للطب النفسي مع أنك ابتدأت كمختصة في الجراحة الصدرية؟
الجراحة جعلتني أغرق في الدم وأنا لا أحب منظر الدم إطلاقاً.. على حين الطب النفسي يجعلك تفهم النفس البشرية ما يتوافق مع مهنتي الأساسية في الكتابة، فالكاتب الذي لا يفهم الشخصيات لا يعد كاتباً حقيقياً!

برأيك ما سبب الردة الحضارية التي تشهدها منطقتنا العربية في الآونة الأخيرة؟
بالتأكيد الثلاثي المزمن هو السبب الفقر. المرض. الجهل. نحن نعيش في نظام وعالم واحد وليس أول وثانياً وثالثاً كما يصنفون، هو عالم واحد وحضارة واحدة طبقية أبوية عنصرية دينية عسكرية بوليسية، عالم يحكم من نظام سيئ فيه جميع أنواع التفرقة والإساءة والظلم. مجتمع عبودي متوارث, النساء مقهورات بحكم جنسهن، الفقراء في حالة عبودية السود المهاجرين، نحن نعيش جميع أشكال التفرقة في هذا العالم وليس الظلم واقعاً في مصر وحدها لأن مصر هي جزء من هذا العالم وأنا لا أستثني من هذا العالم أي دولة.

تخوضين معارك فكرية منذ الخمسينيات للدفاع عن الحقوق والحريات فإلى أي مدى ترين أن أفكارك قد حققت تغييراً ملموساً؟
أنا فعلاً أعمل منذ نحو 60 أو 70 عاماً تقريباً وبالفعل أشعر بأثر كتاباتي الكبير في الشباب من كل أنحاء العالم، ليس هنا في مصر فقط فكتبي المترجمة أثرت في القارئ الأوروبي وغيرت الكثير من قناعاته ونمط حياته، أيضاً أنا درّست في بلاد مختلفة، وتأكد لي هذا التأثير من طلابي ومما ألمسه من رسائل وإيميلات تصلني من الكثير من القراء ومن خلال لقائي الشباب الذين أحرص على التواصل والتحاور معهم… لذلك أنا أراهن على الشباب وأرى فيهم المستقبل المأمول لأنهم هم من سيحملون مشعل التغيير.

أنت دائماً تربطين اضطهاد المرأة وعبوديتها بالنظام الرأسمالي؟ فهل من الصعب أن تحصل المرأة على مساواة كاملة في ظل نظام طبقي؟
نعم من الصعب جداً أن تحظى أغلب النساء بالعدالة الحقيقية في ظل نظام طبقي يقوم على استغلال الفقراء والعاملين من النساء والرجال، لهذا من المفيد أن يناضل المقهورون نساء ورجالاً معاً ضد النظام الطبقي الأبوي وليس فقط ضد القهر الطبقي، وبالنسبة لمجتمعنا العربي فهو مجتمع ذكوري يخشى أن تثبت المرأة ذاتها من خلال تفوقها في التعليم والعمل في شتى المجالات العلمية والفكرية، لذلك تربى فيه الفتاة على العبودية وعلى أنها سلعة تباع وتشترى وأن جمالها هو ما يحدد ثمنها، لذلك فمحور حياتها يدور حول جمالها وكيفية العناية به وتهمل تنمية الناحية الفكرية والاهتمام بعقلها الذي هو من المفروض ما يحدد قيمتها واستقلاليتها عن الرجل وعن مؤسسة الزواج التي يحكمها قانون الطاعة مقابل الإنفاق.

لكن إلى الآن هناك استمرارية لمشكلات تحاربينها مثل زواج القاصرات، والختان والحجاب والتحرش والاغتصاب ومؤخرا الطلاق الشفوي؟
نعم أنا أناهض جميع القوى التي تساعد على ظلام العقل فعلى سبيل المثال الفكر الديني قائم على قهر النساء كما أن كل من يمسك بزمام الأمور من السلطة.. الحكومة.. الأزهر.. الصحافة قاموا بالمساهمة في غسل عقول الأطفال والشباب لأن هناك علاقة مترابطة بينهم وبين كل ما ذكرت وخاصة الختان والحجاب وزواج القاصرات، فأخلاق المرأة تتمثل في سلوكها وفي كلامها وفي شكلها وليس في غطاء شعرها.
حتى في الحجاب ترين الازدواجية واضحة ففي بلادنا زي الفتيات يمثل مزيجاً بين الأسلمة والأمركة، إذ ترتدي الفتاة البنطلون «الجينز» حسب الموضة الأميركية والسوق الحرة والاستهلاك وفي الوقت ذاته تغطي شعرها إرضاء للإخوان المسلمين، هذا هو نموذج المرأة والفتاة المصرية فالبنات الذين يرتدين الحجاب والخمار يفعلن ذلك ليس عن حرية اختيار بل نتيجة غسل مخ كما ذكرت لك سالفا.
أيضاً القوانين لا تنصف المرأة فقانون الزواج في بلدنا ليس عادلا فكيف يسمح أن ينتقل الرجل من فراش امرأة إلى أخرى تحت حجة تعدد الزوجات أليست التعددية خيانة وحتى عندما يتم ضبط رجل مع عشيقته ولو كان متزوجاً يخير بين أن يتزوجها حتى تسقط التهمة عنهما لأن من حقه تعدد الزوجات وبين السجن!! هل هذه أخلاق؟.. إنه إفساد لأخلاق الرجال والأزواج.. ومن هنا فالأسرة في مصر تعيسة. أنا أكلمك كطبيبة نفسية لا تستطيعين أن تتصوري كم عدد الزوجات المقهورات بسبب الحرية الجنسية للرجال تحت اسم الشريعة.
كما أن الطلاق الشفوي أكبر مهانة وظلم للمرأة فكيف يمكن فسخ عقد مكتوب وموثق بشهود بمجرد كلمة شفهية يطلقها الرجل على زوجته؟! لذلك يجب العمل على أن يكون الطلاق مكتوبا تماما كعقد الزواج لأن الطلاق لا يعيب المرأة في شيء وليس كما يُشاع أن المرأة المطلقة درجة عاشرة على العكس تماما والمرأة التي تخاف من الطلاق هي في واقع الأمر مقهورة، وليس لها استقلالية اقتصادية بنفسها.

وهل لهذا طالبت بضرورة منح المرأة العازبة اسمها لابنها؟
عندنا مليونا طفل غير شرعي في مصر بسبب الفساد الأخلاقي للرجال في مجتمعات ماتت ضمائرها. أنا ضد الحرية الجنسية للرجال والنساء على حد سواء «جنس إيه وزفت إيه». كل عقولنا في الجنس. رأيي أن عقل الأمة العربية في الجنس لأنها محرومة جنسياً، وهذا الفساد الأخلاقي يأتي من الحرمان. الرجال يمارسون فسادًا أخلاقياً تحت سمع القانون على حين تعاقب المرأة وتحاسب من جميع الجهات، ولذلك نحن في حاجة إلى تغيير القيم والقوانين ويجب أن يسمح بمنح المرأة اسمها لابنها، كما يحدث في بلاد العالم، وأن يصبح الطفل شرعياً، ويتقيد في شهادة ميلاد رسمية ويمارس حقوقه كالأطفال الحاملين لاسم الأب وخاصة أن الأم هي من تحمل المسؤولية الأكبر في تربية الأبناء.

ابنتك الإعلامية والأديبة المعروفة منى حلمي تكنت باسمك كما طلبت أنت في بداياتك أن تتكني باسم والدتك زينب! فهل هذا يعني أنك تدعين لأن يتكنى الإنسان باسم والدته ولو كان طفلاً شرعياً؟
من حق أي منا أن يتكنى باسم أحد والدية أو باسميهما معاً.. ولم لا.. أحياناً كثيرة الأب يتخلى عن مسؤوليتة كاملة في تربية أبنائه.. بعض الآباء يرفضون إجراء تحليل البصمة الوراثية لإنكار نسب أبنائهم إليهم.. البعض الآخر يوقف تعليم ابنة أو ابنته بسبب ولايته التعليمية عليهما والكثير من الآباء يتهربون من النفقة والالتزامات المادية اتجاه أبنائهم.. ناهيك عن السلطة الأبوية القمعية الظالمة… أليس من حق هؤلاء الأبناء التكني بأسماء أمهاتهم اللاتي منحنهم الحياة وكرسوا جل وقتهم لرعايتهم وتربيتهم؟

عرف عنك البساطة في كل شيء فلم تتجملي يوما كباقي النساء. ما مفهومك للجمال؟ وهل ترين نفسك جميلة؟
نعم أنا جميلة جدا لأن الجمال الحقيقي ينبع من الداخل.. الجمال هو الطبيعة.. البساطة.. الصدق والإخلاص.. الثقة بالنفس.. الذكاء قوة الشخصية.. الإبداع.. الرجال الأغبياء هم من يهتمون بالمظهر الخارجي للمرأة أما الأذكياء فهم من يفهمون معنى الجمال الحقيقي ويقدرونه.

يقال إن الشخصية الإنسانية منذ بدأ تكوينها تتأثر بالمؤثرات الحية والحضارية التي تنطوي عليها البيئة. فما أهم المؤثرات التي تأثرت بها شخصيتك؟ وهل كان لنشأتك في بيئة متدينة أثر عكسي؟
أنا لم أنشأ في بيئة دينية متشددة فوالدي ووالدتي بالرغم من أنهما لم يكونا متحررين إلا أنهما كانا متسامحين جداً ولديهما أفق واسع فأنا لم أنشأ في بيئة دينية أحادية لا تعترف إلا بالإسلام وتكفر باقي الأديان السماوية بالعكس عائلتي تحترم جميع الديانات فوالدي بالرغم من أنه صوفي وخريج الأزهر فإنه كان واسع الثقافة كان يحثني على الجدل ودائما ما كان يقول لي لا تطيعي إلا عقلك وناقشيني.. أما والدتي فقد كانت من عائلة عريقة تمتد حتى طلعت باشا في اسطنبول وكانت تكتب الشعر بالفرنسية والعربية وهي ما تزال طالبة بمدرسة الليسية، زواجها القسري من أبي أوقف طموحها الأدبي وجعلها تتفرغ للإنجاب إذ أنجبت تسعة أولاد تفرغت لتربيتهم وتوفيت في الخامسة والأربعين فقط من العمر إثر مرض عضال ولحقها أبي بعد أشهر قليلة، جدتي لوالدي كانت فلاحة صاحبة شخصية قوية تقود القرية وتحكم بالعدل في أي نزاع يقوم بالقرية وكان لها دور كبير في تكويني.. إضافة لباقي المؤثرات كبيئتي الريفية.. قراءاتي.. أسفاري.. تفكيري.. موهبتي الإبداعية كل ذلك لعب دورا مهماً في تكويني الفكري.

ما السر وراء قوتك. تمردك وإصرارك على التحدي المستمر والاستمرار في الدفاع عن آرائك بالرغم من تعرضك للسجن وللتهديد بالقتل.. للنفي وللإعدام وإحراق مؤلفاتك ولمنعك من الكتابة في مصر لعقود طويلة، ألم تشعري بالتردد أو الخوف يوماً؟
السر ينبع من داخلي.. فأنا قوتي الداخلية عظيمة.. القوة الخارجية هي سلاح الضعفاء… لذلك أنا جبلت على التحدي والتصدي للأفكار الظلامية أنا مستعدة للتضحية في حياتي في سبيل ألا يتوقف قلمي عن الكتابة، ولن يتوقف فأنا عصية على الكسر. التحديات والصعوبات التي واجهتها في حياتي العامة والخاصة ليست إلا ثمناً زهيداً جداً دفعته مقابل حريتي ككاتبة وكرامتي كإنسان.. الجبناء هم من يخافون من حرية التعبير لأنها تفضح ضحل أفكارهم وثقافتهم القائمة على عبودية الحاكم، على تقديس المظاهر الاجتماعية البائدة.. لذلك يلجؤون للعنف لاستعمال القوة الخارجية التي في متناولهم وأنا لا أخاف منهم لأني أعرف حقيقتهم.. ربما المرة الوحيدة التي شعرت فيها بشيء من الخوف كانت لحظة توقيفي عندما أصدر السادات قرارا باعتقالي لانتقادي لنهجه السياسي والاقتصادي، فقد فوجئت بعدد كبير من المصفحات تحاصر بيتي وبجيش كبير أتى لاعتقالي ومع ذلك رفضت أن افتح الباب لهم فقاموا بكسره واعتقلوني! تجربتي في السجن كانت تجربة ثرية إذ حولت قسوتها لسعادة داخلية ونجاح فقد ألفت روايتي «مذكراتي في سجن النساء» على ورق التواليت والتبغ وبقلم الحواجب.

هل ترين أنه بالإمكان إقامة دولة علمانية يتم فيها فصل الدين عن السياسة من أجل مجتمع ديمقراطي علماني تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية؟
بالتأكيد أنا ضد الدولة الدينية لأنها دولة عنصرية تفرق بين المسلمين والأقباط، فعندما يقول الدستور المصري إن دين الدولة هو الإسلام والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فهذا كلام مضاد للحرية والديمقراطية والعبادة، ولهذا السبب نعاني مشكلة الفتنة الطائفية في مصر فأنا مثلا ضد المادة الثانية من الدستور لذلك يجب ألا يكون للدولة أي دين أو مصدر ديني للتشريعات، الدين حرية فردية فمن حق كل فرد حرية اختيار دينه. كثير من دول العالم ترفض تدريس الدين في المدارس وعوضا عن ذلك تدرس الأخلاق المثلى.. الفلسفة.. الفن.. الموسيقا.. تقوم بتنمية الإبداع لدى الطلاب لأنه هو ما يقضي على التحجر العقلي. الله هو العدل، معنى الدين الصحيح هو العدل والحرية.. الأخلاق الحقيقية هي العدل والحرية.. السياسة الصحيحة هي العدل والحرية.

وكيف، من وجهة نظرك، يمكن التغلب على هذا الأمر والانطلاق نحو التجديد؟
بالوعي والتفكير وطرح الأسئلة حول كل شيء، بالعمل المنتج الذي هو الشرف الحقيقي للإنسان.. في أن ينتج كل منا ما يجيده وفي أي مجال يختاره سواء في الموسيقا أم الرواية أو في أعمال النجارة والحدادة المهم أن نعمل، نحن شعوب متقاعسة لا تعمل. أيضاً بضرورة إصلاح التعليم في مصر لأن النظام التعليمي لدينا متخلف، ولذلك تجدين أن أغلب المنضمين إلى تنظيم داعش أو الإخوان هم من الأطباء؛ لأنهم درسوا الطب فقط كمواد علمية بمعزل عن العقل والروح والمجتمع، لم يتعلموا فلسفة، ولم يقرؤوا تاريخًاً، لذلك أطالب بضرورة ربط التعليم في مصر بالروح والجسد، والعقل والاقتصاد والجنس.

ذكرت أن النظام الرأسمالي سينهار على يد ترامب؟ لم وهو من طرح شعار أميركا قوة اقتصادية رأسمالية عظمى؟!
ترامب ليس أكثر من رجل كوبوي متناقض تحكمه الانفعالات السريعة يقول أي كلام وهو إنسان غير مثقف على الإطلاق أميركا حتما ستنهار لأن نظامها الرأسمالي لا يصلح للحياة الكريمة فهو من يتسبب بالكوارث والحروب وازدياد أعداد المهاجرين والفقراء في جميع أنحاء العالم.. نظام كهذا لن يدوم فترة طويلة ونهايته محتومة.

صرحت مرارا أنك ضد جميع الحكومات حتى النسائية منها كحكومة تاتشر سابقا؟ هل الأمر ينطبق على حكومة ميركل في ألمانيا أيضاً برغم جميع النجاحات التي حققتها على جميع الصعد؟
المسألة نسبية ربما تكون حكومة ميركل الأفضل بين الحكومات الرأسمالية الحالية ولكن المجتمع الألماني بالمطلق مجتمع رأسمالي أبوي ذكوري عنيف جداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن