الأولى

دي ميستورا والمهمة الأخيرة

| بيروت – محمد عبيد

بعد كل زيارة يقوم بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته ستيفان دي ميستورا إلى دمشق، يُطل من على منصة مجلس الأمن الدولي لينال من الموقف السوري، أياً كان هذا الموقف ومهما كانت حيثياته وأسبابه. وكأن دي ميستورا أراد منذ بداية ولايته الأممية أن يقف في جانب الصف المعادي للشعب السوري ولمستقبله وطموحاته، أو أنه يرى هذا المستقبل وتلك الطموحات وفقاً للمشاريع التي أعدتها الدوائر الأميركية والإسرائيلية والسعودية والتركية وغيرها من حكومات تأسيس الإرهاب ورعايته وتمويله وتدريبه وإرساله إلى سورية.
على أي حال، هو أمر ليس بجديد على معظم مبعوثي الأمم المتحدة الذين دأبوا على التماهي مع مصالح واشنطن وحلفائها، وما عاناه الشعب الفلسطيني تاريخياً وما زال وما يعانيه الشعب اليمني حالياً ليس سوى أمثلة قليلة عن الظلم الذي يلحق بالشعوب والدول التي لا تدخل ضمن دائرة المصالح الأميركية، ومن ثم الدول التي يوفِدون إليها مبعوثين أمميين مهمتهم الأساسية دفع هذه الدول وشعوبها إلى تجرع سُم الخضوع والقبول بتسويات منمقة تضعهم بين خيارات إما تؤدي إلى تقسيم بلادهم أو تنتهي بإخضاعها لإرادة أعدائهم قسراً.
ربما كانت ولاية ستيفان دي ميستورا كمبعوث إلى سورية فرصة مناسبة له لينهي عمله الأممي بإنجازٍ إيجابي يُسَجِل في سيرته الذاتية على أنه ساهم في تخليص الشعب السوري من مؤامرة إرهابية كونية، أو أنه نجح في تطبيق القوانين الأممية التي يشاع أنها تهدف إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين!
لكن يبدو أن قدرة بعض رعاة الإرهاب القابعين في مجلس الأمن الدولي والمتحالفين مع آخرين في مواقع التأثير والقرار الإقليمية، كانت وما زالت أقوى من إيمانه بمهمته التي من المفترض أنها «سامية» ولا تخضع لأي ضغوطات سياسية أو اعتبارات شخصية.
المهم أن دي ميستورا اختار أن يودع مهمته الأخيرة بتحميل القيادة السورية مسؤولية التأخير في تكوين اللجنة الدستورية المفترضة المعنية بإعادة كتابة الدستور، مع أنه لم يسبق للمبعوث الأممي أن سمع من هذه القيادة أي التزام مباشر بالقبول بدور للأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن الدولي بتسمية ثلث أعضاء اللجنة الدستورية التي من المتفق أن تضم مئة وخمسين شخصية سورية. ذلك أن القبول بهذا الدور يعني فتح بازار للمساومات بين الكثير من القوى الصديقة والمعادية التي ترغب في أن تحضر بصورة غير مباشرة على طاولة نقاشات اللجنة الموعودة.
غير أن الأهم ينحصر بأمرين أساسيين يجب أن يسبقا أي إنجاز على المسار السياسي، وهما: أولاً- مصير اتفاق «سوتشي» حول مدينة إدلب وريفها ومحيطها كافة ومدى الالتزام التركي بمندرجات هذا الاتفاق وبالمدى الزمني المفترض لنهاية تنفيذه. ذلك أن تنفيذ الاتفاق بكامله سيؤدي حكماً إلى فرز المجموعات المسلحة الموجودة هناك بين «إرهابية» و«معتدلة» -كما يقال، بمعنى آخر فإن استعادة الدولة السورية لسلطتها الكاملة على تلك المنطقة وفقاً للاتفاق ستعزز فرص نجاح أي حل سياسي، انطلاقاً من المبدأ الذي دأبت القيادة السورية على التمسك به لجهة عدم الإذعان لأية ضغوطات ميدانية تهدف إلى ابتزازها سياسياً
وثانياً- كيف يمكن للدولة السورية القبول بمشاركة دول بتسمية أعضاء سوريين في اللجنة الدستورية العتيدة من خلال مجلس الأمن على حين أن قوات هذه الدول تحتل جزءاً من الأراضي السورية، إضافة إلى أنها تقوم بتحريض الحالات الانفصالية في منطقة شرقي الفرات على التمسك بإنشاء «حكم ذاتي» يؤدي إلى تقسيم سورية؟ أي إن ذلك يعني أن حكومات هذه الدول ستسعى إلى تسمية أشخاص في اللجنة المذكورة للعمل على قوننة وتشريع الحالات الانفصالية التي تحاول أن تكرسها كأمر واقع.
ربما يكون الحل السياسي ضرورة، لكنه أيضاً يُشَكِل تحدياً كبيراً ومصيرياً للسوريين كافة يتعلق بخياراتهم الوطنية المستقبلية، لذا فإنهم يحتاجون إلى الوقت اللازم لإنضاج مقارباتهم بعد أن يكونوا قد نفضوا عنهم آثار الحرب الكونية وتداعياتها عليهم، ومن المؤكد أن هذا الوقت لن يُختَصَرَ بالمدة الزمنية المتبقية لستيفان دي ميستورا من ولايته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن