ثقافة وفن

عبد القادر عياش مرآة وادي الفرات…مؤسس متحف التقاليد الشعبية ومجلة «صوت الفرات»

قيصر صعب : 

عبد القادر عياش هذا الرجل الذي كرس حياته من أجل الفرات، من أجل مدينته التي أحبها وسرى حبها في دمه حتى أضحت جزءاً لا يتجزأ من كيانه.
ويعد عبد القادر عياش الأول والفريد في إحياء تراث دير الزور من خلال إنشاء متحف التقاليد الشعبية في وادي الفرات إضافة إلى مطبعة ضخمة قام بتأسيسها من ماله الخاص لخدمة مدينته دير الزور. أصدر عبد القادر عياش عام 1945 مجلته «صوت الفرات» وهي المجلة الوحيدة التي كانت تعنى بالثقافة والبحوث الخاصة بالفرات، أنفق عليها من ماله الخاص وكانت المرجع الوحيد لوادي الفرات إلى جانب صحيفة «الجول» التي كانت تطبع في مدينة حلب وتوزع في دير الزور لكنها توقفت عن الصدور بعد عامين من صدورها لأسباب متعددة منها بعد المسافة بين حلب ودير الزور إضافة لأسباب مالية.

نشأته وحياته
ولد عبد القادر عياش في دير الزور عام 1911 من أسرة تعمل في التجارة والزراعة تعلم لدى الكتاتيب وتابع تحصيله العلمي في بيروت ودرس في المدرسة الإنجيلية في حمص وحصل منها على الشهادة المتوسطة وحطت به الرحال في دمشق متماً دراسته الثانوية في «اللاييك» عام 1932 لكن السلطة الفرنسية نفت أسرته جميعها إلى مدينة جبلة بتهمة التحضير لثورة الفرات ضد الاستعمار الفرنسي ومساعدة الثورة السورية في الغوطة بدمشق وجبل العرب، وحكم على أخويه «محمد ومحمود» بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام في مدينة حلب.
وعلى الرغم من كل هذه المآسي تابع العياش دراسته الجامعية في معهد الحقوق بدمشق وحصل على الشهادة عام 1935 ومارس بعد ذلك مهنة المحاماة.
وعمل عبد القادر عياش قاضياً في حلب عام 1937 ثم قاضياً في معرة النعمان ودير الزور ودمشق، وفي عام 1941 عمل مديراً لمنطقة الباب والسلمية وبعد استقالته من القضاء عام 1943، عاد لعمله في المحاماة مؤسساً في مدينته دير الزور البيت الثقافي الذي ضم نوادر الكتب وتفرغ للكتابة في مجلته صوت الفرات التي استمرت في الصدور طوال عقدين عرّف من خلالها بحضارة وادي الفرات وتاريخ مدنه ووصف اقتصاده، وتدوين تراثه الشعبي وإبرازه.
تعرضت المجلة عام 1948 للإغلاق من قبل السلطات، ثم عادت للصدور مستمرة في نهجها الثقافي والاجتماعي وعرض واقع المحافظة من جميع جوانبه، واستطاعت أن تكون المجلة الوحيدة التي تختص بوادي الفرات.

مؤلفاته
لقد نذر عبد القادر عياش حياته لمدينته التي أحبها، ومن أحلامه هو التأريخ للفرات ومن أجل ذلك وكما أسلفنا تخلى عن وظيفته وترك مهنة المحاماة.
تجاوزت مؤلفات عبد القادر عياش مئة مؤلف إلى جانب «معجم الكتّاب السوريين في القرن العشرين».
ونذكر بعض مؤلفاته: «لمحات تاريخية عن دير الزور- المرداسيون في وادي الفرات- ماري عروس الفرات الأوسط- الرصافة حصن بادية الفرات- عبد الله بن طاهر والي الرقة- الفولكلور في وادي الفرات- محافظة الرقة قلب الجزيرة الفراتية إلى جانب أحد آثاره المخطوطة «رحلة الشوق». توقفت مسيرة عبد القادر عياش الأدبية في 8 حزيران عام 1974 بعد أن أحيا تراثاً مهملاً ومهدداً بالضياع والزوال، وأسس متحفاً في بيته يحوي تاريخ محافظته. وأضحى محط اهتمام الزائرين مثل محمد أبو الفرج العش والدكتور يوسف شقرا والدكتور صالح الأشتر والفنان محمود جلال وأحمد أبو زيد أستاذ الأنتربيولوجيا بجامعة الإسكندرية والأستاذ سعيد حورانية والدكتور عمر الدقاق والمؤرخ فيليب حتي «جامعة برنستون» وآخرين ممن شهدوا ووثقوا لأعمال عبد القادر عياش.
لقد كان عبد القادر عياش من الذين خلقوا نواة العمل الوطني الصادق ليعطي منطقته بعداً حضارياً في واد خصيب وكما وصفه الدكتور عمر الدقاق: «رأيت في بحوثه ومتحفه وثقافته نمطاً جديداً، لا يدانيه سوى القلة من العلماء والمستشرقين، وإن بيته عبارة عن متحف ومكتبة سعدت بزيارتها مستمتعاً بنتاج هذا العالم وأطايب بحوثه البكر».
وهنا نستذكر هذه الصفحات المشرقة من تاريخ وادي الفرات والتي إحدى شموعها الباحث عبد القادر عياش، ونستذكر قول الكاتب الكبير «غابرييل غارثيا ماركيز» (الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما ما يتذكره، وكيف يتذكره ليرويه».
وما أحوجنا الآن إلى أمثال هؤلاء العظام من الأعلام في محافظة دير الزور لنتعلق بالأرض وحب الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن