ثقافة وفن

الجمهور هو المقياس الحقيقي لنجاح أي عمل مسرحي … سهير برهوم لـ «الوطن»: في المسرح وجدت نفسي وحياتي وعشقي ووجدت فيه مكاناً للبوح

| هناء أبو أسعد

مخرجة مسرحيّة، حاصلة على إجازة من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدّراسات، عملت كمخرجة مساعدة مع العديد من المخرجين في أعمالهم المسرحية، استفادت من تلك التّجارب وانطلقت لتصنع تجربتها الخاصّة تاركة بصمة واضحة في المسرح السّوري.
«سهير برهوم» حلّت ضيفة على صحيفة «الوطن» وكان لنا معها هذا الحوار.

ماذا يعني المسرح للمخرجة سهير برهوم؟ وما الأمور التي أثرت في حياتك لتحرك في وجدانك عشق أبي الفنون؟
سأبدأ الجواب من الشّطر الثّاني للسّؤال.. ربّما يفاجئك أنني رغم قراءاتي الكثيرة للمسرحيّات العالميّة أثناء سنوات دراستي الإعداديّة والثّانويّة إلا أنني لم أفكّر يوماً في دراسة المسرح، وإنّما كان حلمي هو دراسة الأدب الإنكليزي. دراستي للمسرح جاءت باقتراح وتشجيع من أمّي ( لروحها السّلام) فهي الّتي كانت تعرف جيداً مدى اهتمامي بالقراءة والموسيقا والرّسم والثّقافة بشكل عام، فدفعتني للتقّدّم إلى المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وكان الأمر، تقدّمت لامتحان المسابقة وتجاوزته بكل سهولة وتمّ قبولي في المعهد، حيث مرّت سنوات الدّراسة الأربع تخلّلتها مشاهداتي للعروض المسرحيّة، تاركة في روحي عشقاً ليس له مثيل، أدركت جيداً أن نصيحة الأمّ العارفة لشخصيتي والواثقة بقدراتي كانت في مكانها الصّحيح، فالمعهد كان هو مكاني الطّبيعي.
الدّراسة زادتني معرفة واطلاعاً وفتحت أمامي آفاقاً أرحب لجهة تعمّقي في هذا النّوع الأدبي والفنّي، وأصبحت أكثر فهماً لحقيقة دور المسرح في الحياة. رغم أنني درست في قسم النّقد والأدب المسرحي إلا أنني وضعت الإخراج نصب عيني، حينها لاحت لي فكرة الدّراسة خارج سورية لكن لم تتوافّر الإمكانات الماديّة لذلك، وسرعان ما دخلت ميدان الإخراج المسرحي حين استدعاني الدّكتور عجاج سليم كمساعدة له في مسرحيّة (الغول) تأليف الرّاحل ممدوح عدوان، وبعدها توالت الأعمال وعملت في عدد كبير من المسرحيّات مع مخرجين كثر أمثال الأساتذة زيناتي قدسيّة، أيمن زيدان، تامر العربيد، وليد قوّتلي، غسّان جباعي، نضال سيجري، فائق عرقسوسي..
وكان عملي في البداية كمساعدة إخراج ثمّ كمخرجة مساعدة ودراماتورج. أبهرني المسرح بدءاً من النّص وحتّى العرض على الخشبة مروراً بالبروفات، في المسرح وجدت نفسي وحياتي وعشقي، وجدت فيه مكاناً للبوح بمنتهى الحريّة والصّدق، عمّا يعتمل في نفس الإنسان من هموم ومشاكل ومعاناة جرّاء ما يدور في الواقع، كلّ ذلك على الخشبة وأمام الجمهور.

نتكلم عن عملك الأول في الإخراج مونودراما «ليلة الوداع» رغم أن المونودراما هي أصعب الفنون المسرحية، وذلك لأن المخرج يجب أن يحافظ على متابعة واهتمام الجمهور مدة العرض كاملة بلا ملل أو شرود، فلماذا اخترت هذا النوع من الإخراج في عملك الأول؟
مونودراما ليلة الوداع، لم أخترها، ربّما هي اختارتني، تمّ تكليفي من إدارة المسرح القومي بإخراج هذا النّص وهو من تأليف الأستاذ جوان جان. لا أخفيك، لقد أرعبني الأمر في البداية لمعرفتي بصعوبة المونودراما وخاصّة أنها ستكون عملي الأوّل، وأنا لا أريد أن أفشل، فأخيراً وبعد إحدى عشرة سنة من العمل وبعد محاولات كثيرة حصلت على فرصتي الأولى لأقدّم نفسي كمخرجة.. لم أشأ أن أضيع الفرصة من يدي، فوافقت ورحت أعمل على إعداد نصّ (ليلة الوداع). لقد كان الأمر تحديّاً لي حيث هناك ممثّلة وحيدة على الخشبة يجب أن تجدي لها الحلول الإخراجيّة والمشهد البصري الّذي يشدّ انتباه المتفرّج، والحمدلله نجحنا ولاقى العرض في شباط 2012 استحساناً كبيراً أنا نفسي لم أتوقّعه.

نبقى في مونودراما «ليلة الوداع» عمل يتناول معاناة امرأة كبيرة في السن وعلاقاتها مع الآخرين وقد جسدت هذا الدور الفنانة «فيلدا سمور» التي وجدت نفسها وحيدة وتعيش في عزلة عن العالم في قبو صغير الذي فجّر عندها كل الذكريات ولكنها بقوة شخصيتها تخترق تلك العزلة وتخرج إلى الحياة من جديد، ما رسالتك من هذا العرض؟ وهل تقصدين المرأة وعزلتها أم كبار السن بشكل عام؟
لقد سميت العمل (حياة) إلى جانب عنوانه الأصلي فأصبح ( ليلة الوداع – حياة)، أردت أن أقول من خلال هذا العمل إن كلّ إنسان سوف يصل إلى هذه المرحلة وسيعيش هذه الحالة سواء كان رجلاً أو امرأة الوحدة والعزلة والتّقدّم بالسّن والاكتئاب، ولكن مهما بلغت صعوبة الظروف يجب التمسّك بخيط الحياة ما دام فينا روح، أردت أن أقول إنه دائماً ما يكون أمام الإنسان خطوة أخرى يجب أن يخطوها نحو تغيير الوضع القائم والّذي فرض نفسه عليه، حياة في نهاية العمل تبادر بهذه الخطوة وتتّجه نحو باب القبو لتخرج للحياة من جديد، لقد لعبت هذه الشّخصيّة الفنّانة فيلدا سمّور بكلّ اقتدار وحرفيّة.

العمل الثاني لك كان «أما بعد» نصاً وإخراجاً، أيضاً يتكلم عن رجل كبير في السن ومتقاعد «نجيب» الذي جسد دوره الفنان علي القاسم ويشاركه بدور زوجته الفنانة إيمان عودة وبدور الجار الفنان زهير البقاعي، «نجيب» ذلك الرجل الستيني الذي لم يقتنع بفكرة التقاعد، فبدأ التدخل في كل شيء من حوله لأنه وبحسب رأيه مازال قادراً على العطاء، ولكن بعد سفر ولده الوحيد بسبب الحرب وانتحار زوجته بدأ يسأل نفسه عن أهمية وجوده في هذه الحياة حتى وصل إلى قمة اليأس ولكن في تلك اللحظة أتاه بريق أمل وشعاع نور نتيجة عمل إنساني قام به سابقاً، فيعود بذلك أمله في الحياة من جديد. لماذا آثرت الكتابة بنفسك ولم تستعيني بنصّ لكاتب آخر؟ وما رسالتك من هذا العرض؟
حالة نجيب هذا الشّخص الّذي أحيل إلى التّقاعد كانت حالة قريبة منّي جدّاً، عشت تفاصيلها ورأيت آثارها المؤلمة، لقد كانت حالة أختي الّتي وصل بها الاكتئاب إلى الموت، ما كنت لأصدّق حجم الأثر والألم الّذي يتركه التّقاعد على الإنسان المحبّ لعمله لو لم أشاهده على سوزان (لروحها السّلام)، وهذه طبعاً حالة عامّة وليست حالتها فقط، ربّما أنا أو أي إنسان يصل إلى وقت يعيش فيه صعوبة هذا الأمر، وهذا ما دفعني لكتابة النّص بنفسي، ألحّت الفكرة عليّ وكان من الصّعب إيجاد نص يقارب تفاصيلها الّتي عرفتها وخبرتها جيّداً، ومسألة الكتابة لي ليست جديدة ولا صعبة فقد سبق لي أن كتبت نصوصاً عدّة في مجال آخر غير المسرح. وهكذا كتبت «أما بعد» واستفدت في هذا العمل من فكرة شاهدتها في أحد الأفلام الأجنبية وهي مسألة التّبرّع لجمعيّة أيتام، اقتبستها وجاءت منسجمة تماماً مع روح النّص.
العمل في الواقع حمل أكثر من رسالة، الأساسية بينها كانت موضوع إعادة النّظر في سنّ التّقاعد ووضع الإنسان المتقاعد وإيجاد الحلول له. والرّسالة الأخرى هي فكرة العمل الخيري لمصلحة جهة أو حتّى أفراد، فالعمل الخيري ينعكس إيجاباً على الشّخص نفسه قبل الآخر. ونجيب لديه ابن وحيد هاجر خارج البلاد وبعدها انقطعت أخباره، من خلال كفالته لأحد الأطفال وجد نجيب وبغير قصد منه ابناً آخر بالكفالة التزم بتقديم يد العون له ومن دون أن يراه أو يعرف هذا الطفل، وبالمقابل فإن الطفل (كرم) اعترف له بأبوّته عرفاناً منه بالجميل، وهذا طبعاً كان بالنّسبة لـنجيب تعويضاً روحيّاً بثّ في عروقه الأمل والحياة.

لعبت المرأة وبخاصة المخرجة المسرحية دوراً مهماً في المسرح العالمي، أمثال «كيت ميتشل – أريان منوتشكين – سوزان أوستن – منوتشكيه… وغيرهن» أين دور المخرجات العربيات في تطوير المسرح العربي؟
في الحقيقة لو طرحت أنا هذا السّؤال على نفسي لكانت صيغته، أين دور المسرحيين العرب (ذكوراً وإناثاً) في تطوير المسرح العربي؟ فأنا لا أحبّ هذا الفصل بين ذكور وإناث وخاصّة في العمل الفنّي.. الكلّ مسؤول عن ذلك. مجتمعاتنا العربية متشابهة إلى حدّ كبير مع وجود بعض التّفاوت بين دولة وأخرى. مشكلاتنا متقاربة والقوانين الّتي تحكم هذه المجتمعات وطبيعة إنساننا متشابهة إلى حدّ ما، ولمّا كان المسرح انعكاساً للواقع فتطوّر المسرح العربي والعاملين فيه ذكوراً وإناثاً يتعلّق بتطوّر الواقع العربي الّذي نعيشه جميعاً على كلّ الصعد.
و مع ذلك، لا بدّ من الاعتراف بأن حضور المخرجات العربيّات خجول قياساً إلى حضور المخرجين ولكن من المسؤول عن ذلك؟ لا أعتقد أن المرأة هي المسؤولة، والدّليل هو الأسماء المعروفة كـ الفنّانة نضال الأشقر من لبنان، مجد القصص من فلسطين، لدينا في سورية الأستاذة نائلة الأطرش، نورا مراد، رغدا شعراني، رولا فتال، آنا عكّاش.. ولم تكن أعمال كلّ من ذكرت تقلّ أهمية عن أي أعمال أخرى لمخرجين.. وربّما أعمالهنّ أضافت إلى المسرح العربي هذا الحسّ الأنثوي الشّفّاف والذّكي الواعي. وكان لكلّ منهنّ بصمتها الخاصّة. وفي النّهاية فإن كلّ عمل ناجح يعنى بقضايا الإنسان والمجتمع إضافة بحدّ ذاتها ودفعة باتّجاه تطوير المسرح العربي.

طغت الدراما التلفزيونية و«السوشال ميديا» على المسرح، برأيك كيف يمكن مساعدة المسرح على النهوض من جديد؟
التلفزيون أو السينما وحتى السوشيال ميديا يفترض ألا يكون لها تأثير في المسرح، فقوّة ونجاح كل نوع هي التي تفرض وجوده في حياتنا، وبالطّبع هذه القوّة والنّجاح يحتاج إلى دعم، والمسرح لا يحظى بالدّعم الّذي نجده في التّلفزيون مثلاً، الأمر الّذي يجعله فقيراً عاجزاً عن إثبات نفسه وتطوير أدواته من جهة وعن استقطاب الممثلين من جهة أخرى. ومع ذلك فأنا كمخرجة مسرحيّة أشهد للمسرح في سورية بقوّته وحضوره.. لأنّني مصرّة على العمل المسرحي ومثلي كثيرون رغم قلّة الدّعم والإمكانات.

كيف تجدين دور المسرح القومي في استقطاب مواهب الشّباب؟ وماذا عن تأهيل المخرجين الشّباب في المعهد العالي للفنون المسرحيّة؟
لاحظت أن هناك توجّهاً لدى وزارة الثقافة لدعم المواهب الشّابة أسوة بـسينما الشّباب، وهذه طبعاً خطوة جيدة تشجع وتحفز وترفد المسرح بعناصر شابة جديدة وتفتح الباب واسعاً لاستقطاب ذوي المواهب ضمن الكوادر المسرحيّة الموجودة.
أمّا عن الإخراج في المعهد المسرحي فهو عبارة عن مادة واحدة ضمن مجموعة المواد تعنى بأصول الإخراج ويجب أن يكون هناك قسم قائم بحدّ ذاته كغيره من الأقسام يختصّ بالإخراج المسرحي كما في مصر مثلاً.

متى يمكن أن نقول عن عرض مسرحي إنه ناجح؟
يكون العرض المسرحي ناجحاً من وجهة نظري عندما ينجح في تحقيق هذه العلاقة والتّفاعل مع الجمهور، وأكثر ما يكون تفاعل الجمهور في الأعمال الواقعيّة الّتي تطرح مشاكل النّاس وهمومهم وتحترم ذائقتهم الفنية ووعيهم، لذلك فالجمهور هو المقياس الحقيقي لنجاح أي عمل مسرحي.

ماذا عن جديدك المسرحي؟
نص بعنوان (حياتكم الباقية) من تأليفي أيضاً عرضته على لجنة القراءة في مديرية المسارح وحصلت على الموافقة والآن بانتظار خطة المديرية للموسم المسرحي 2019 لمعرفة توقيت الانطلاق بالبروفات ومن ثمّ العرض.

كلمة أخيرة وأمنية للمسرح السّوري؟
المسرح السوري يحتل مكانة جيدة على المستوى العربي لكنّه وبسبب السنوات العجاف التي مرّت على سورية ابتعد مسرحنا عن المشاركات العربيّة والدّوليّة بمعنى أنه انعزل إلى حدّ كبير.. كنت أتمنّى أن يكون لدينا مهرجان مسرحي سنوي محلّي تشارك فيه كلّ العروض الّتي قُدّمت خلال الموسم المسرحي وفيه يتمّ تقييم هذه العروض. هذا يخلق نوعاً من المنافسة ويحفّز المخرجين والمخرجات على تقديم أفضل ما لديهم. وفي الختام كل الشكر لكم في «صحيفة الوطن»، لاهتمامكم ومتابعتكم الدائمة للنشاطات الثقافية والفنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن