من دفتر الوطن

عمليات تجميل للأخلاق

| عبد الفتاح العوض

هذا الموضوع معقد.. طرحه يبدأ من سؤال يخصنا الآن وخلال القادم من الأيام أو من السنوات.. هل ستتغير أخلاق من أطلق عليهم سابقاً تعبير «التائبون وطنياً»؟ هؤلاء الذين أجروا تسويات ومصالحات، وربما سنشهد قوانين مصالحة قادمة تشمل آخرين رأينا من سوء أخلاقهم الكثير… هل سيتغيرون فعلاً أم إنهم يظهرون التغير ضعفاً وقلة حيلة، ومن ثم يعاودون الكرة في لحظة يرونها مؤاتية؟
السؤال بإطار أوسع هل تتغير طبائع البشر وأخلاقهم؟
ثمة آراء مختلفة في هذه القضية..
بعض الفلاسفة يرون أن الأخلاق فطرية وأن سوء الخلق أو حسن الخلق هو جزء من الجينات الموروثة.. الأخلاق مثل الخلقة لا يمكن تغييرها، وإن الأفاعي وإن لانت ملامسها.. واطلبوا الخير من حِسان الوجوه.
رأي آخر يعتقد أن كل البشر فيهم أخلاق سيئة وأخلاق جيدة والإنسان الفاضل هو الذي تزيد فضائله عن نواقصه، وقد قسم بعض الفلاسفة بين أخلاق نابعة عن إرادة وأخلاق أقرب ما تكون للمزاج الذي لا يتغير، وإن الإنسان مسؤول عن تلك التي يملك القدرة بالتحكم بها. وكذا فرقوا بين القدرة والإرادة، فإن تكن بطبعك كريماً فليس كافياً إن لم تكن قادراً على الكرم، فإن كنت فقيراً فلا إمكانية لإظهار كرمك.. ومثله الشريف الذي لم يمتحن بمنصب يمكنه من أن يكون فاسداً أم لا.
الرأي الثالث يرى أن كل إنسان يستطيع أن يتحكم بأخلاقه، فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم.. وإن الأخلاق هي نتيجة ظروف وبيئة المجتمع ومن ثم يمكن التأثير فيها.. هذا الرأي أصبح في الفترة الأخيرة يمتلك مساحة كبيرة من آراء علماء المجتمع وكثيرة هي الوسائل التي يتم اتباعها لتغيير العادات والتقاليد والأخلاق على مستوى الأفراد وكذلك على مستوى المجتمع.
ما يعنينا هنا أن تغيير أخلاق الأفراد وسلوكهم عملية ممكنة ولكنها ليست عملية سهلة وتحتاج إلى كثير من العمل سواء على المستوى النفسي ومعالجة الأمراض النفسية التي أدت إلى ما أدت إليه، أم تلك التي خلفتها الحرب وأهوالها.. أو سواء من الناحية الفكرية، فكثير من الأفراد تأثروا فكرياً وخاصة في قضايا تتعلق بالتطرف وبالعنف وبالطائفية، وكلها تحتاج إلى تغيير جوهري وليس من السهل تغييرها بفترة قصيرة أو بجهود بسيطة.
لكن في كل حال لا يمكن الاعتماد على تغيير أخلاق الناس وهو الأمر الذي ناقشه علماء الاجتماع، بل ينبغي الاعتماد أساساً على القوانين وأن الأخلاق على أهميتها ليست كافية، فالتأثير في أخلاق الناس ممكن من خلال التأثير في مشاعرهم ومصالحهم وهو ما تم على مدى فترة طويلة من الحرب على سورية.
ما نريده… للمستقبل جمال حقيقي للمجتمع وليس عمليات «تجميل» سرعان ما يتكشف ما خلفها…. نحتاج حملة لنشر الفضائل بالمجتمع السوري… ولنبدأ من الحضانة.

أقوال:
أعطني قليلاً من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشاً من اللصوص والفاسدين.
ربما لم يعلق الآخرون آمالاً عريضة عليَّ.. ولكني كنت أعلق آمالاً عريضةً على نفسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن