هدوء نسبي في سوق الصرف والدولار دون 500 ليرة … فضلية: المصرف المركزي سيتخذ إجراءات لها صلة مباشرة بالطلب على الدولار … كنعان: تخفيض الفوائد وسقوف الإيداعات وزيادة عرض النقد ساهمت برفع الدولار أمام الليرة
| الوطن
يبدو أنها ملامح أولية للهدوء في سوق الصرافة، حيث استقر سعر صرف الدولار أمام الليرة بين 497 ليرة و500 خلال تعاملات أمس الأول، وحافظ على المستوى ليوم الأمس، بطبيعة الحال، إذ لا تعاملات تذكر نتيجة العطلة الرسمية، علماً بأن السعر أغلق مساء الأحد الماضي فوق مستوى 500 ليرة ووصل إلى 505، وبقي هذا السعر خلال بداية تعاملات الإثنين، لينخفض مباشرة دون مستوى 500 ليرة.
مصادر في السوق أكدت لـ«الوطن» وجود حالة حيطة وحذر في السوق، بانتظار أي تصريح رسمي أو تدخل بطريقة أو بأخرى من السلطات النقدية، مبيناً أنه لا يوجد ما يخيف في السوق، وأن السعر لا يمكن أن يرتفع إلى المستويات التي يتم تداولها، على سبيل الإشاعات، غير مستبعد هبوط السعر مجدداً.
وفي تصريح لـ«الوطن» حول واقع سعر الصرف، بين رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية عابد فضلية أن ارتفاع الدولار في السوق السوداء يعود لمجموعة من العوامل والأسباب التي تضافرت خلال الفترة الماضية، مبيناً أنه من المفترض أن يزيد الطلب على الليرة لأن البلد في حالة تعافٍ اقتصادي، لكن، هناك عوامل أخرى معاكسة أدت إلى ارتفاع سعر الدولار وهي زيادة الطلب على القطع، مبيناً أن هذه الفترة تحمل مؤشرين إيجابيين، المؤشر الأول هو أن زيادة الطلب على القطع تعني زيادة الاستيراد وإدخال مستلزمات الإنتاج، والمؤشر الثاني هو أن زيادة الطلب على القطع تعني أن شريحة كبرى من المواطنين يدخرون بالليرة السورية.
وأوضح فضلية أن أهم أسباب ارتفاع سعر الدولار هو التهريب المتفاقم خلال فترة الأزمة وما زال، مشيراً إلى أن أثر التهريب النقدي يشبه استيراد السلع الكمالية، فالتهريب هو أحد الأسباب الرئيسة لزيادة الطلب على الدولار، وأبرز سلبيات التهريب استيراد السلع الكمالية غير الضرورية، على حين الاستيراد الرسمي يكون لمواد مدروسة.
وشدد فضلية على أن لجم التهريب يقلل من الطلب على القطع الأجنبي غير المسوّغ، كما إن أحد الأسباب الأخرى لارتفاع سعر الدولار مرتبط بتخمة المصارف بالسيولة، لاتقبل المصارف العامة والخاصة بودائع عالية، منوهاً إلى إن تجار السوق السوداء عندما تتوافر الأسباب الموضوعية التي تؤدي فعلاً لزيادة الطلب على الدولار؛ يستغلون هذه الأسباب الموضوعية في التأجيج.
سيولة مصرفية
وأشار فضلية إلى أنه لا توجد حالياً رؤى صحية للمصارف العامة والخاصة في كيفية توظيف أموالها، كما أوضح أنه تم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تضخيم موضوع تأمين وثائق تبرر شراء الدولار عام 2012، إذ لا أثر لهذا الموضوع على ارتفاع سعر الدولار وخاصة أن معظم الأشخاص المطالبين بإعادة القطع الأجنبي أعادوها للمركزي.
وفيما يخص رفع رأسمال شركات الصرافة وتأثيره في سعر الصرف بين فضلية أن هذا الموضوع أثر في النصف الأول من عام 2018 وكان له أثر عكسي ولاحظنا أن سعر الدولار بقي منخفضاً لأن هذه الشركات ضخت قطعاً أجنبياً لشراء الليرة السورية حتى يرفعوا رأسمالهم، وبالتالي أثر رفع رأسمال الشركات ومكاتب الصرافة هذا في ارتفاع سعر الدولار.
ولفت فضلية إلى أن امتلاء المصارف بالسيولة ورفضها قبول الودائع الكبيرة، دفع المواطنين للتوجه نحو السوق السوداء، وهذا من أبرز الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار، إضافة إلى عوامل أخرى كما قيل ألا وهي شراء النفط بالدولار إضافة لتسديد ثمن القمح بالدولار، مبيناً أنه في القريب العاجل سنلحظ هدوءاً نسبياً في سعر الدولار.
وأكد فضلية أن سعر الصرف في سورية غير مرتبط بسعر الدولار عالمياً، مشدداً على أن الاقتصاد السوري يشهد تحسناً ما سيؤدي إلى قوة الليرة السورية، لأن قوة الليرة من قوة الاقتصاد.
وختم بالقول إن لدى المصرف المركزي رؤى وإجراءات وقرارات وخلال فترة قريبة جداً سيتخذ المركزي إجراءات لها صلة مباشرة بموضوع الطلب على الدولار وسعر الصرف.
تخفيض الفوائد
من جانبه بين الأستاذ في قسم المصارف بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان لـ«الوطن» أن أحد الأسباب الكامنة وراء انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار هو قيام المصرف المركزي في الفترة الأخيرة بتخفيض سعر الفائدة على الودائع من 12% إلى 8.7%، مشيراً إلى أن تحديد سقف الودائع بـ25 مليوناً في البنك التجاري، و5 ملايين في البنوك الخاصة لا يعني إلا طرد الودائع من البنوك، ثم سيذهب جزء من هذه الودائع إلى المضاربة، وهذا يعني أن المصرف المركزي لم يتخذ إجراءات جديدة للتسليف، وإنما ترك البنوك على الإجراءات القديمة، وبالتالي أصبحت البنوك التجارية الخاصة والعامة ترفض الودائع.
علاوة على ذلك، لفت كنعان إلى أن من بين أسباب انخفاض سعر صرف الليرة السورية أيضاً زيادة عرض النقد كنتيجة لتمويل الخزينة العامة بشكل مستمر عبر سندات الدين العام، فالمصرف المركزي مضطر لأن يمول عجز الميزانية الذي يصل في بعض الأحيان إلى 600-700 مليار ليرة سورية، مشيراً إلى أن البنوك ما زالت متوقفة عن الإقراض، وحجم القروض لا يتناسب نهائياً مع حجم الودائع، والتي في أغلبها مبالغ مجمدة، موضحاً أن هذا العامل يجب أن يرفع سعر صرف الليرة السورية نظرياً، لكن شعور الأفراد بأن الحكومة لا تشجع الإقراض دفعهم للتحول باتجاه المضاربة على الدولار في السوق السوداء.
وأكد كنعان أن تدني الفوائد على الإيداعات بالقطع الأجنبي بنسبة كبيرة كان سبباً لارتفاع سعر صرف الدولار، فمن يودع الدولار الآن بالبنوك التجارية يحصل على 0.75% فقط كفائدة، مبيناً أن الفرق الكبير بين سعر الحوالة النظامي وسعرها في السوق السوداء كان سبباً في ارتفاع سعر الصرف، إذ إن سعر الحوالة يبلغ 434 على حين يصل في السوق السوداء إلى 500 ليرة.
وشدد كنعان على مدى تأثير التهرب الضريبي في ارتفاع سعر الصرف، حيث يجب أن تصل الإيرادات الضريبية إلى ما يقارب 700 مليار ليرة سورية على حين إنها الآن دون 200 مليار ليرة سورية، أي إن قيمة التهرب الضريبي تقارب 500 مليار ليرة سورية.
عقود التصدير
ولفت إلى أن التاجر الذي حصل على قيمة القطع الأجنبي من جراء عقود التصدير الموقعة خلال معرض دمشق الدولي وغيره من المعارض يمكنه أن يقوم بالاستيراد مرة أخرى بهذه المبالغ، أي إنها لا تدخل البنك المركزي ويعاد ضمها للاستيراد وبالتالي لا تؤثر كثيراً بدعم سعر الصرف.
وأكد كنعان أن صعود الدولار أو هبوطه عالمياً يمكن أن يؤثر بسعر الصرف في السوق المحلية بنسبة 1 أو 2% فقط، وبالتالي لا علاقة مؤثرة حقيقة بين سعر الدولار عالمياً وسعر الصرف في السوق المحلية.
وبيّن كنعان أن هناك عدة مطالب من المصرف المركزي أولها أن يرفع سعر الفائدة على الإيداع بالدولار لأن الوقت لم يحن بعد إلى تخفيض سعر الفائدة إلى 7%، لأن البلد تعيش بحالة تضخم، مشيراً إلى أنه لا مبرر لتخفيض سعر الفائدة، وأضاف إنه يجب على المركزي طرح سندات الدين العام بالليرة السورية والدولار وتحديد سعر الفائدة عليها بأسعار تشجيعية، إذ أنه لا بنك مركزياً في العالم يتخلى عن سيولته، كما يفعل المصرف المركزي السوري الذي يطرح الأموال من البنوك وبالتالي ستذهب إلى المضاربة.
كما أشار إلى أنه يجب وضع أسس ومعايير جديدة للإقراض لأن الأنظمة القديمة غير دقيقة.