من دفتر الوطن

بين العيب والحرام!

| عبد الفتاح العوض

ما الذي يمنع مواطناً من القيام بعمل مخالف؟ الاحتمالات المتوافرة:
الأول: أن هذا مخالف للقانون وثمة عقاب مادي أو أكثر.
الاحتمال الثاني: أن هذا حرام شرعاً ويعاقب عليه في الدنيا والآخرة من الله عزّ وجل.
الاحتمال الثالث: أن هذا العمل عيب في الأعراف الاجتماعية وأن المجتمع يعاقب من يقوم به بالازدراء والاحتقار وغير ذلك.
الاحتمال الرابع: أن هذا العمل خطأ من وجهة نظري، وأنا أخلاقياً أحاول ألا أرتكب الأخطاء.
فتش الآن بينها عن الاحتمال المناسب الذي يمنع السوري من ارتكاب مخالفة ما، مع العلم أنه من الطبيعي أن يجتمع أكثر من احتمال في السبب الذي يمنع شخصاً من ارتكاب خطأ ما.
بين الديني والأخلاقي والقانوني تشابكات معقدة، فهي تلتقي في كثير من القضايا وتختلف في بعضها.. فما هو غير مسموح في دين قد يكون مباحا في دين آخر، وثمة فوارق حتى بين الطوائف بين المباح والمحرم، وكذا الأخلاق فما يعتبر عيباً اجتماعياً في منطقة يعتبر عملاً طبيعياً في مجتمع منطقة أخرى.
بينما القانون ينبغي أن يطبق على الجميع بغض النظر عن دينهم ومناطقهم.
ما أهمية الإجابة عن هذا السؤال؟
من خلال هذه الإجابات نستطيع أن نستنتج مدى التزام السوري بمفهوم «المواطنة» حيث القانون هو السيد والحكم، على حين في الإجابات الأخرى، فإننا نتحدث عن مرجعيات أخرى منها دينية وهي مهمة وواسعة، أو أن يكون المجتمع هو صاحب القرار في السلوك الفردي، وهذا سيأخذنا إلى النماذج المريضة في الطائفية والمناطقية والعشائرية.
كي لا يفهم الأمر باتجاه آخر، لا يوجد تنافر بين أن تمتنع عن أمر ما لأنه حرام ولأنه مخالف للقانون، وبالتالي ليست القضية محصورة بإما هذا وإما ذاك.. بل المقصود هنا أن يكون القانون هو السيد ولو تعارض مع المرجعيات الأخرى.
الظاهرة المعروفة عند كثير من السوريين بأنهم يلتزمون جيداً بالقوانين خارج سورية من الاصطفاف بالدور إلى التوقف عند إشارة المرور، لكنهم في سورية لا يتقيدون بأبسط القواعد العامة إلا إذا كانت هناك «غرامة» ما، أو مساءلة من أي نوع.
وفي كثير من المجتمعات «العيب» على كل ما عداه، فيصبح المجتمع هو صاحب السطوة على الفرد، وباعتقادي أن أكثر مشكلة واجهتنا خلال الحرب على سورية أن الكثير انخرط في مواقف «إرضاء» للسائد في مجتمعه الصغير، وخالف ليس القانون فقط، بل خالف آراءه الشخصية وقناعاته الذاتية إرضاءً للمجتمع.
إذا كانت المرجعية الأساسية للفرد القانون فإن كل المرجعيات الأخرى تعزز الالتزام بالقانون، وهنا تكون «المواطنة» في سلم أعلى على اعتبار أن القوانين صناعة «وطنية» توافق عليها المواطنون وارتضوها أسلوباً لتنظيم المجتمع.
دوماً في القضايا الاجتماعية والفكرية لا يوجد حلول قريبة، لكن «الكارثة السورية» التي عشناها في السنوات السابقة قد تشكل لنا كسوريين بداية جديدة.
طبعاً.. لم يمنع الكثيرين من ارتكاب الخطأ في هذه الحرب الحرام ولا العيب ولا القانون ولا أخلاقهم.
هؤلاء كانت مرجعيتهم غير فكرية على الإطلاق.
في كل حال نحتاج كسوريين إلى اعتماد شعار «القانون أولاً».. لأنه يعني الوطن أولاً..

أقوال:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
«كنقص القادرين على التمام».
من أظهر عيب نفسه زكاها.
إذا رأيت الناس تخشى العيب أكثر من الحرام وتحترم الأصول قبل العقول وتقدس رجل الدين أكثر من الدين نفسه فأهلاً بك في الدول العربية.
كلما اقتربت القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة، وكلما اقتربت من الثبات أصبحت غير واقعية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن