ثقافة وفن

«الآداب والفنون.. والارتقاء بالثقافة» في ندوة فكرية … توفيق الإمام: الثقافة هي التي تجعلنا ندرك ونتذوق بهاء العالم وكل ما يحفل به من قيم الحق والجمال

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

الاحتفاء بيوم الثقافة ما زال مستمراً من خلال ندوات فكرية وفنية وأدبية تعددت في الطرح والأسلوب والعناوين، ومن خلال محاور عديدة طرحها عدد من المختصين، وتحت شعار: «يوم الثقافة لارتقاء الإنسان»، أقامت وزارة الثقافة الندوة الفكرية بعنوان «الآداب والفنون والارتقاء بالثقافة»، في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، بحضور معاون الوزير توفيق الإمام الذي ألقى الكلمة الافتتاحية مبيناً أن: «الثقافة هي التي تميز البشر عن غيرهم من الكائنات التي تحفل بها هذه المعمورة، ولأن الثقافة هي التي تجعلنا ندرك ونتذوق بهاء هذا العالم، وكل ما يحفل به من قيم الحق والخير والجمال، وهي التي تعمق فينا الإحساس بالأرض والوطن والتاريخ، وتعزز انتماءنا لأمتنا وشعبنا، لقد كانت سورية واحدة من المنارات القليلة التي بدأت تشع باكراً بأنوار الثقافة، فمن أرضها انطلقت أولى عمليات الزراعة وتربية الماشية، وأولى المدن، وأولى المحاولات الإنسانية لابتكار أبجدية تسهل نقل الأفكار بين الناس وتحفظها من الضياع، وعلى الأرض السورية كانت تتلاقى طرق التجارة القديمة رابطة ما بين القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا، بما فيها الطريق الأشهر، طريق الحرير، ويجب ألا ننسى أنه حتى أوروبا أخذت اسمها من أميرة سورية، وعند سورية يتقاطع التاريخ وتتقاطع الجغرافيا، ولهذا ليس غريباً أن تظل دائماً حلماً تتقاطع عنده أطماع الطامعين، وهدفاً يسعى لتحطيمه كل الظلاميين كارهي الثقافة والحضارة، ولذلك لدينا عمل ضخم في مؤسساتنا الثقافية والإعلامية والتعليمية لترسيخ وتأصيل الفكر الإنساني المتنور المتحرر من الأوهام، وتعميق كل ما من شأنه أن يأخذ بيدنا إلى عالم أرحب وأكثر إشراقاً».

الرواية سجل للواقع

وبعنوان رئيسي حمل اسم «الآداب والثقافة» بدأت الجلسة الأولى من المحور الأول في الندوة التي ترأسها الناقد سعد القاسم، وتحدث فيها الدكتور إسماعيل مروة قائلاً: «ليس المقصود بالرواية الواقعية مذهباً فكرياً، وإنما المقصود الحديث عن الرواية بوصفها تسجل الواقع، وتشكل مصدراً تاريخياً يقدم صورة لا يستطيع المؤرخ أن يقدمها عادة، بسبب انحياز المؤرخ كما ترصد كتب التاريخ والتراجم، الرواية سجل للواقع وأحداثه، وتختلط في هذه الحالة الرؤيتان الفكرية والفنية بما يؤثر سلباً في القيمة الفنية لمصلحة الفكر والأيديولوجيا، والبحث يرصد حالة الحرب في سورية التي تجري منذ سنوات على الأرض، والآليات التي تعاطت فيها الرواية مع الأحداث، وخاصة مع بروز أسماء كثيرة قدمت مطبوعات تحت مسمى الرواية، لتسجل موقفاً موافقاً أو معارضاً مما يجري على أرض الواقع، بحث يمزج بين الفكر والفن في الفن الروائي».

واقع القصة القصيرة
وجاء في كلمة القاص حسن. م. يوسف التي ألقاها الدكتور سمير عدنان المطرود أنه: «ثمة أصوات نقدية تقول بعجز القصة القصيرة عن مجاراة التحولات العميقة التي يشهدها العالم باعتبار أنها (حكاية مغلقة ذات نواة مركزية صلبة)، ونحن نعيش اليوم حالة انفتاح قصوى تكرسها الثورة العلمية التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي في كل المجالات وعلى مختلف الصعد، فكيف يستطيع فن مغلق كالقصة القصيرة أن يستمر في التعبير عن أزمنة مفتوحة حد الانفلاش يكاد إيقاع التطور فيها يكون أسرع من الخيال؟
ثمة أصوات نقدية أخرى أكثر تشاؤماً ترى أن فن القصة القصيرة قد مات وانقضى عصره وأن الأصوات التي ما تزال تدافع عن هذا الفن محكومة بالانقراض، تطمح هذه المقاربة للوقوف عند حالة التراجع التي تعيشها الكلمة المكتوبة عموماً لمصلحة الصورة المتحركة ووسائل التواصل الاجتماعي التي ترسخ تفتت اللحظة الإنسانية إلى نبضات خاطفة، كما تتطرق هذه المقاربة لواقع القصة القصيرة والصعوبات التي تواجهها متمثلة بتخلي معظم الصحف والمجلات عن نشرها، وعدم احتفاء النقاد الأدبيين بها على قلتهم، وتخلص المقاربة إلى أن فن القصة القصية ما يزال حاضراً بقوة وما يزال قادراً على لعب دوره الجمالي بحيوية رغم انزياح الضوء عنه لمصلحة فن الرواية، ورغم طغيان الفنون المرئية على حساب الفنون المقروءة».

الشعر منبر للقيم
وفي محوره الذي حمل عنوان (الشعر منبر للقيم) تحدث الدكتور راتب سكر: «يعنى البحث بتوصيف نماذج من تجلي القيم الإنسانية في قصائد عدد من الشعراء العرب منذ القديم وصولاً إلى وقتنا الراهن، وتحليل مكوناتها الفنية ووظائفها الدلالية في إثراء تلك القيم ومؤثراتها الثقافية والاجتماعية والمعرفية، ومن الأمثلة المميزة في هذا المضمار قصيدة الشاعر حسان عطوان في رثاء الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا (1898-1936)، وقصيدة الشاعر محمد منذر لطفي (هيروشيما)، من القصائد المعبرة في هذا المضمار عن قيم إنسانية متصلة بالإخاء الإنساني وحاجاته الملحة إلى الحب والتسامح والسلام».

التوثيق أمانة للأجيال
ومن جانبه قال الدكتور محمد عبد اللـه قاسم في محور (التوثيق أمانة للأجيال) إن: «التراث ذاكرة الأمة، وقطعة من وجدانها، ومعلم من معالم هويتها وكيانها، وركن باذخ من أركان ثقافتها، فإذا صح أنه كذلك كان توثيقه وإيجاد الأسباب العلمية واصطناع الوسائل الفنية المعينة على إخراجه إخراجاً علمياً دقيقاً يقوم على جمع نسخ الكتاب المخطوطة، والمفاضلة بينها، ثم اتخاذ إحدى النسخ أما أو أصلاً، وإثبات فروق النسخ، وما يتبع ذلك من إضاءة النص ببعض التعاليق والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز العلم، وما يسبق ذلك كله من التقديم للكتاب، وبيان مكانته في العلم المصنف فيه، كان واجباً وطنياً وأمانة للأجيال أن نوقفهم على تراث آبائهم محققاً تحقيقاً يكشف لهم عن مواطن الجمال فيه، ومواضيع النفع منه».

الموسيقا تهذب النفس
وتحت إدارة الدكتور محمد قاسم حملت الجلسة الثانية شعار (الفنون والثقافة) بمختلف جوانبها وكانت البداية مع الدكتور نبيل الأسود الذي قال في محور (الموسيقا تهذب النفس) إن: «علاقة الموسيقا بالظواهر الاجتماعية من ثقافية وروحية وسياسية هي علاقة إشكالية منذ القدم، استخدمت من السلطة، وليست السياسية فقط، لخدمة أهدافها كالكنيسة التي استخدمتها لتثبيت عقيدتها منذ بدايتها، والثورة الفرنسية التي طورت ما يسمى الأغنية الوطنية وحتى الموسيقا التي كانت تعزف خلال الحقبة النازية والفاشية، الموسيقا سلاح ذو حدين، إذاً، قد ترفع المستوى الروحي والثقافي لأمة وقد تجرفه، بمتعة وخبث ودهاء، نحو الحضيض والهاوية».

المسرح حياة
أما الدكتور ماهر الخولي فقد قال بمحور (المسرح حياة، وحركة) إن: «المسرح هو تواصل بين الخشبة( المرسل) والصالة( المتلقي) في زمان ومكان محددين لتحقيق المتعة والفائدة، وتحدث عن تاريخ المسرح وتطوره مع الزمن عبر مجموعة من الكتاب العظماء الذين كتبوا التراجيديا والكوميديا، وكذلك قلد المسرح الروماني التجارب اليونانية وكان مرتبطاً بالاحتفالات الدينية، وأما النهضة الأوروبية فقد بدأت في إيطاليا، وإن أول عرض مسرحي عربي يعود إلى عام ١٨٤٨ عندما قدم مارون النقاش عرضاً في بيروت، وأما في دمشق فأبو خليل القباني هو أول من قدم عروضاً مسرحية».

آفاق الفن التشكيلي
وفي محور (الفن التشكيلي توثيق وآفاق) قال الناقد سعد القاسم إن: «تجمع الكتابات التي أرخت للفن التشكيلي السوري الحديث على اعتبار توفيق طارق (1875-1940)، رئداً له، فقد كان مؤسس تيار شارك فيه بعد ذلك عدد من الأسماء التي أسست للحياة التشكيلية السورية، وإلى ذلك كان لحضوره الشخصي الصاخب والثري دور كبير في إثارة الاهتمام بما يمكن وصفه بالوافد الجديد إلى الحياة الاجتماعية السورية، وتأسيساً على ما سبق فإن نقاد الفن ومؤرخيه يعتبرون أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تاريخ بداية الفن التشكيلي السوري بمفاهيمه الحديثة، وعلى امتداد القرن العشرين شهد الفن التشكيلي تطوراً كبيراً، ورغم هذا لابد أن نلحظ أنه رغم كل مظاهر الحيوية فإن الفن التشكيلي لم يحتل بعد موقعاً فاعلاً في حياتنا الاجتماعية، فجمهوره حتى الآن لا يزال جمهور نخبة، مع كل ما بلغته قاعدة هذا الجمهور من اتساع».

السينما حلم
وتحدث الناقد السينمائي عمار أحمد حامد تحت عنوان (السينما حلم يتجدد): «عندما نحلم كما يحدث في السينما، فنحن نغلق أعيننا ونبدأ بمشاهدة أحلامنا وكل شيء في الحلم له دلالته تماماَ كما في السينما، عندما نصبح جزءاً من العالم الذي نراه ونتأثر به ونفسر كل ما نراه على أنه دلالة لشيء ما مما يؤدي بنا إلى فهم الفيلم».

دور الفكر في التغيير
وفي المحور الثالث الذي كان تحت شعار (الفكر والثقافة) وعن (دور الفكر في التغيير) تحدث الدكتور عاطف البطرس قائلاً: «إن دراسة الواقع في حركته على أسس منهجية تبين العلاقات بين البنى التحتية وانعكاساتها على الفكر الذي سيقوم بدوره بتحديد عملية التغيير ووضع مساراتها على هدى إستراتيجيات محددة المعالم ومدروسة بدقة وفق فلسفة المادية الجدلية، الفكر العربي وأهم سماته في الوقت الحالي، حيث نميز بين فكر ثبوتي ماضوي وفكر ديناميكي حركي متطور يستند إلى معطيات العلم ويعتمد العقلانية ويبتعد عن أحادية التحليل منطلقاً من تشابهات الواقع».

إبداع ومعرفة
وتحت عنوان (التأليف والنشر.. إبداع ومعرفة) أكد الدكتور ثائر زين الدين أن: «الكتابة هي الفعل الإنساني الأرقى في حياة الكائن البشري، ولقد قدر لهذا الكائن أن يحفظ ما كتبه منذ بدء اكتشافه لهذا الفعل المذهل في كتب تطورت من ألواح الطين والرقم والمسلات والأحجار كحجر الرشيد مثلاً مروراً بالكتب التي وجدناها على لفافات أوراق البردي وجلد الغزال وما إلى ذلك، وصولاً إلى الكتاب الورقي، فالكتاب الإلكتروني والناطق، وما لا نعرف من أشكال قد نصل إليها إذا لم تُفن البشرية نفسها ذات يوم، والإنسان خلق عبر الكتابة ذاكرة للنوع البشري لا تموت».

تاريخ ناطق
وعن الآثار والتاريخ الناطق تحدث نظير عوض قائلاً: إن «الفضل في كتابة تاريخ منطقتنا العربية يعود إلى المخلفات الأثرية التي تركها الإنسان، والتي مثلت الوثائق والمصادر اللازمة لكتابة هذا التاريخ حتى مطلع الألف قبل الميلاد، حيث ظهرت وثائق كتابية مهمة شكلت مصدراً آخر بالغ الأهمية لكتابة التاريخ القديم، وساعد تطور علم الآثار وما يرتبط به من أدوات بحثية ومناهج علمية وعلوم مساعدة على دراسة المخلفات الأثرية وكتابة تاريخ الإنسان القديم في المنطقة، ودوره الريادي بصفته صاحب الابتكارات الأولى في مجالات الاستقرار والبناء والزراعة والتدجين وتصنيع الفخار والفن والدين والكتابة، هذه الابتكارات التي وضعت الأساس المادي لحضارتنا الحديثة».

الإعلام مرآة الواقع
وترأس الجلسة الثانية الدكتور عاطف البطرس التي حملت عنوان (الإعلام والثقافة)، أكد رئيس تحرير صحيفة البعث عبد اللطيف عمران في محور بعنوان (الإعلام مرآة الواقع) أن: «الكثير من الناس ينظر إلى أن الإعلام مرآة الواقع، ولكن من ثورة المعلومة والاتصالات بدأ الشك في هذه النظرة يزداد، ولاسيما حين برزت وسائل إعلامية عديدة مأجورة لرجال الأعمال وللأنظمة السياسية تبتعد في مهنيتها عن الرأي الحر، وعن الاستقلالية والموضوعية والنزاهة، وقد يقول قائل: مع ذلك يبقى الإعلام حين يقترن بالتحليل المنطقي مرآة لهذا الواقع بما فيه من مأجورية وارتزاق وتضليل المؤسسات الإعلامية الفاعلة اليوم هي شركات كبرى بإستراتيجيات كبرى ذات طابع إمبراطوري، لم يعد فيها للرأي الحر والمستقل وللديمقراطية والحرية ولقيمة الإنسان واحترام هويته ووعيه وخصوصيته مكان كبير».

الصحافة مواكبة
ورأى رئيس تحرير صحيفة الثورة علي قاسم في محوره الذي حمل عنوان (الصحافة مواكبة وتحليل) أن: «هذا العنوان يطرح إشكاليتين الأولى تتعلق بالشكل والثانية ترتبط بالمضمون، ففي الشكل نحن أمام حالة مركبة تتعلق ببدهية العمل الصحفي باعتباره الغاية التي تعمل من أجلها الصحافة أو أحد أوجه هذه الغاية، وفي المضمون هناك بحث عن التغييرات التي طرأت على العمل الصحفي وظيفياً ومهنياً أمام التطورات المتلاحقة التي أصابت مهنة الصحافة، وهل نحن أمام تعديل في المهمة الوظيفية أم محاولة للتكيف مع الظروف وتغيير نوع الصحافة من صحافة الخبر إلى صحافة الرأي وما يتطلبه هذا التغيير.
في الطرح الحاضر أمامنا لا شك أنه قرار عملي بأن الصحافة في عالم اليوم لم تعد خبرية ولكنها لم تتخل عن مهمة الأخبار، كما أن اعتبارها مواكبة وتحليلاً لا يعني أنها اقتصرت على هاتين المهمتين، وانتهى الأمر، بل ربما الغاية منها التركيز على هذه المهمة التي باتت تشكل جوهر الصحافة في عالم اليوم».

وجهان لهدف واحد
وقال رئيس تحرير صحيفة تشرين محمد البيرق في محور (الإعلام والثقافة وجهان لهدف واحد): «إن الباحثين اختلفوا بتعريف مفهوم الثقافة ليكون الإجماع على توصيفها بأنها مجمل ما يقدمه المجتمع من عادات وقيم وسلوكيات وعلاقات يتعلمونها ويتكيفون معها، أي إنها نمط وسلوك يحاكيان معيشة الجماعة، وما الإعلام إلا انعكاس للحالة التي يعيشها المجتمع، لذلك يجب أن يماثل في صفاته ميزة الموشور، حيث في وسطه الشفاف يتحلل اللون الأبيض إلى جميع الألوان، لذلك وجب عليه أن يقوم بوظائف تلبي حاجات وتوقعات المواطن وأن يحقق جماهيرية تجعل من وسائله منصة لتعزيز الأدوار الثقافية ومواكبة حاجات الأفراد الفكرية والمادية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن