من دفتر الوطن

تلاشي الطبقة الوسطى

| حسن م. يوسف

«صمام أمان المجتمعات» هكذا يصف الباحثون والمفكرون الطبقة الوسطى، فنسبة أفراد هذه الطبقة في المجتمع تنعكس بشكل مباشر على طبيعة ذلك المجتمع من حيث الاعتدال وسيادة الأمن والأمان. وتنبع أهمية الطبقة الوسطى من حيث كونها الأكثر مقدرة على المشاركة في مسؤولية بناء الدولة، ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، ومحاسبتها عند اللزوم.
فعندما ينفلت جشع التجار وينتشر الغلاء الفاحش، كما في أيامنا هذه، قد تنكمش الطبقة الوسطى حدَّ التلاشي وقد تبرز طبقات جديدة أعلاها تدعى طبقة «أغنياء الأغنياء» وأدناها طبقة «فقراء الفقراء».
وقد وقعتُ قبل أيام على دراسة مهمة عن واقع الطبقة الوسطى في العالم، للباحثين وولفانغ فانلغر الخبير في البنك الدولي، وهومي هراس الخبير الاقتصادي.
يرى الباحثان أن عدد أفراد الطبقة الوسطى في العالم كان في بداية القرن العشرين نحو 90 مليون فرد، لكن هذه الطبقة نمت بسرعة متزايدة لتصل اليوم إلى نحو 3. 3 مليارات شخص، أي نصف البشرية! وتشير الدراسة إلى أن «الطبقة الوسطى تسير في اتجاه الوصول إلى أربعة ملياراتٍ بحلول العام 2021، وخمسة ملياراتٍ بحلول سنة 2027، وهو ما يمثل 60 بالمئة من مجموع سكان العالم».
يقسم الباحثان المجتمع المعاصر إلى أربع مجموعات، حسب الدخل: ما تحت خط الفقر، وضعفاء الدخل، والطبقة الوسطى، والأغنياء. ولن أذكر الأرقام المحرجة التي جاؤوا على ذكرها في دراستهم لأنها تضع معظم السوريين تحت خط الفقر! المهم هو أنهم يركزون على أهمية الطبقة الوسطى في المجتمع ويصفونها بأنها «الطبقة المستهلكة» التي يحرك طلبها للسلع والخدمات أغلب الاقتصادات في العالم.
يذكر الباحثان وولفانغ فانلغر، وهومي هراس، أن المجتمع الدولي عازم على وضع حد للفقر المدقع بحلول العام 2030، بحيث يصبح أكثر من 90 بالمئة من سكان العالم ينتمون إلى شريحتي ضعفاء الدخل والطبقة الوسطى. فالطبقة الوسطى العالمية تنمو، على حد قولهما، بسرعة غير مسبوقة، ففي كل ثانية يدخل خمسة أشخاص جدد إلى الطبقة الوسطى. ويتناقص عدد من هم تحت خط الفقر بنسبة مماثلة.
يرى الباحثان أن استهلاك الطبقة الوسطى يبلغ قرابة 37 ترليون دولار في العام، وهذا ما يجعلها المساهم الأكبر في النمو العالمي، ويستنتجان أن «صعود الطبقة الوسطى ظاهرة آسيوية في الغالب، ذلك لأن87 بالمئة من المليار المقبل من الداخلين إلى الطبقة الوسطى سيكونون من الآسيويين».
يخلص الباحثان إلى أن الطبقة الوسطى تبلغ 90 بالمئة من السكان في السويد والدانمرك واليابان، ويصفانها بأنها «قلب العالم والدينامو الذي يحرك اقتصاداته»، لكن هذه الطبقة برأيهما تصبح «مصدر قلق وتهديد وعدم استقرار» عندما يشعر أبناؤها «بغياب العدالة الاجتماعية وضعف اهتمام السلطات بحقوقهم ومتطلباتهم».
صحيح أن «نمو الطبقة الوسطى ظاهرة آسيوية» كما يقول الباحثان فانلغر وهراس، إلا أن من يراقب واقع الحال عندنا يستطيع أن يلاحظ بوضوح أن بلدنا، الذي يقع في غرب آسيا، يحصل فيه العكس(!) فالطبقة الوسطى التي كانت عندنا في أواسط القرن الماضي تمثل 80 بالمئة من السوريين تلاشت لتصبح أقل من 10 بالمئة، وأنا أجزم بأن هذا هو ما أوصلنا إلى حالة الاستعصاء الراهنة، فالطبقة الوسطى تمثل العمود الفقري لأي مجتمع، ومن دونها لا يستطيع أن ينهض ولا أن يتقدم لأخذ مكانه تحت الشمس.

أنقذوا الطبقة الوسطى!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن