قضايا وآراء

واشنطن.. نسف المسارات

| مازن بلال

تتحرك واشنطن دبلوماسياً وعبر تركيا لإعادة رسم الأزمة السورية كجزء من إشكالية الشرق الأوسط عموماً، والحديث عن «اللجنة الدستورية» يظهر اليوم في إطار جديد لواشنطن، فترتيبات الصراع هي في تشكيل تحالفاتها من جديد بغض النظر عن أي حل مرتقب في سورية، ومن هذه الزاوية يبدو «نسف» مساري أستانة وسوتشي إعادة لترتيب حزمة الحلول الإقليمية بحيث لا تنتج تحالفات غير مرغوب فيها أميركيا.
من الممكن تتبع كل خطوات واشنطن الأخيرة بدءاً بمقاطعة أعمال لقاء أستانا الأخير، وتتبع مؤشرات ما تبحث عنه الإدارة الأميركية، فما تواجهه سورية لم يعد مجرد توافقات دولية لحل الأزمة، بل ربما على العكس من ذلك ترتيب التناقضات وفرزها على جبهتين مختلفتين تماماً، وبهذا الشكل يتم تشكيل العلاقات الإقليمية من جديد وذلك بغض النظر عن نتائج الصراع المباشر في سورية، فالاستحقاق الحالي لا يرتبط بالجهد الروسي لتطويق بؤر التوتر السورية، إنما انتقال لمستوى الصراع إلى مجال دولي مختلف.
بالطبع إن موسكو تدرك طبيعة التحرك الأميركي، وفي الوقت نفسه تعمل على خط مختلف نوعياً عما تقوم به واشنطن، فهناك نقطتان أساسيتان للسياسة السورية:
– الأولى رسم مسارات إقليمية «أوراسية» إن صح التعبير، فهي سياسة ترسم شبكة اقتصادية – سياسية على مستوى جغرافي واسع، وتبدو سورية ضمن هذه الآلية نقطة تلاق لكتلتين أساسيتين هما تركيا وإيران.
الجغرافية هي عقدة السياسة الروسية في الأزمة السورية أو في الترتيبات الإقليمية، وهذا الأمر مهما بدا طبيعياً لكنه يعاكس وبشكل مطلق «التكوينات» الأميركية التي ترتسم في المنطقة، سواء عبر «دول» تبدو وكأنها «أجهزة» عائمة على مساحات من الثروات، أو الاستناد إلى مفاهيم قوة خارج إطار الشكل التقليدي للدول، وهي تجربة مكررة عما حدث في أفغانستان أو باكستان أو غيرها من الدول بما فيها دول شرق أوروبا.
– الثاني محاولة «نحت» نموذج سوري، لأن موسكو لا تحاول نمذجة الصراع في سورية، بل حفر عميق في المكونات الخاصة بالصراع وعلى الأخص المساحات الاجتماعية، فمسألة المصالحات التي تعمل عليها يمكن اعتبارها نوعاً من تشكيل العلاقات السورية.
أعطت التجربة الروسية إبان الحقبة السوفييتية تصوراً روسياً لطبيعة العلاقات مع مناطق الأزمات، فهي ليست «استثماراً» كما تنظر إليها الولايات المتحدة، ولكنها في الوقت نفسه لن تكون مناطق تحالفات مطلقة، وهذا ما حدث في مصر بعد الحقبة الناصرية على سبيل المثال، وبالنسبة لروسيا أصبح النظر لسورية هو «تيسير» للتوافقات الداخلية والتخفيف قدر الإمكان من التعامل المباشر.
ضمن التماس بين السياستين الروسية والأميركية فإن سورية ليست جزءاً من الصراع الإقليمي، بل جغرافية الانطلاق نحو فرز التناقضات لواشنطن، أو رسم المسارات للكرملين، فالبحث الروسي عن مشكلة اللاجئين أساسي لأنه «تعبئة» للجغرافية على حين هو ورقة أميركية تستثمر بمستقبل المجموعات السورية في الخارج، وترسم عبرها قوة سياسية مختلفة عن الشكل التقليدي للقوى التي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين وتطورت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
يبقى أن قوى سورية في الداخل تشكل محوراً مستقلاً، وهي احتمالات لحوامل سياسية – اجتماعية يمكن أن تؤثر في مسارات التماس الأميركي – الروسي، والأساس هنا هو القدرة على الخروج من النمذجة للصراع، واستثمار سورية وإقليمياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن