قضايا وآراء

عن أي حرب نتحدث، ومن نحارب!!؟

د. بسام أبو عبد الله

 

دخلت سورية عامها الخامس، وهي تقاتل ذئاب البشرية في الداخل، والخارج ومع ذلك ما يزال بعض المتفلسفين علينا يخرجون على الشاشات، ويطلقون البيانات السياسية، أو التصريحات، أو التغريدات بالقول: لو أن الدولة السورية لم يكن لديها مقاربة أمنية، وعسكرية لما وصلنا إلى هنا، ولو أننا عملنا على الحل السياسي لما وصلنا إلى هنا، ولو أننا تحدثنا مع ما يسمى (المعارضة) لما حدث- ما حدث!!
لكن الأدلة، والوقائع، والتصريحات، والمعلومات تتكاثر كل يوم لتصفع هؤلاء على وجوههم، وتكذبهم، وتقول لهم إن الحرب على سورية ليست من أجل ديمقراطية مزعومة، أو حرية مفقودة، أو حقوق إنسان، أو ثورة مأفونة، إنما من أجل تقسيم بلادكم، ومن أجل بني إسرائيل، أما أنتم أيها المعارضون فلستم سوى وقود رخيص في هذه المعركة، ولستم سوى جسر، وطابور خامس يُستخدم في معركة القرن الحادي والعشرين التي سترسم بناء على نتائجها خرائط المنطقة، وتوازنات العالم القادم.
في بداية الأحداث في سورية تلطى كثيرون خلف شعارات براقة، وأطلقوا أصواتهم، وصرخوا كثيراً على الفضائيات النفطية، والغازية حول شكل النظام السياسي في سورية، وآفاقه، والمرحلة الانتقالية- بالرغم من أن أياً منهم لم يصف لنا المرحلة الانتقالية بين حمد بن خليفة، وتميم بن حمد مثلاً، وهو يُنظر علينا من فضائية آل الثاني الديمقراطية جداً، كما أن أياً منهم لم يشرح لنا كيف تتم العملية الانتقالية في المملكة الوهابية السعودية بين عبد الله، وسلمان، وبين سلمان- والأحفاد، وبأي طريقة ديمقراطية جداً.. يتم كل ذلك، باعتبار أن من ينظر علينا يطل من شاشات يمولها وهابيو بني سعود بأفكارهم التنويرية- الديمقراطية- الحضارية، كما أن اليساريين الذين انتقلوا من حضن كارل ماركس إلى حضن محمد بن عبد الوهاب لم يوضحوا لنا مثلاً كيف تحول محمد بن سلمان بين ليلة وضحاها إلى (أنا الدولة، والدولة أنا) وبأي عملية انتقال ديمقراطية..
ومع ذلك هناك في داخل سورية من قَبِل دعوة المملكة الوهابية السعودية للبحث في ترتيب صفوف المعارضة السورية- انتبهوا.. وليس السعودية، فكيف لنا إذاً أن نستمع إلى أصوات هؤلاء المعارضين، وهم ينتهزون الفرصة من باريس إلى جنيف إلى الرياض ليقولوا لنا إنهم يبحثون عن حل سياسي مع القتلة- والمجرمين؟ في حين أنهم يكابرون في لقاء أي طرف سوري، معتقدين أنهم سيعيشون بقية حياتهم في الرياض، والدوحة، وباريس، وليس في دمشق، وحلب وحمص، واللاذقية، ودير الزور ولن يواجهوا الشعب السوري مستقبلاً مهما كان شكل الحل، والتسوية، ذلك أنها ستعود في النهاية إلى إرادة هذا الشعب، وأصواته، وليس إلى أي أحد آخر..
البعض يخلط عن قصد بين حقائق داخلية بحاجة إلى إصلاح، وتطوير وتغيير، وإن شئتم تبديلاً جذرياً في التعاطي، والمقاربة، وبين أهداف إسرائيلية- وهابية- إخوانية- عثمانية لا علاقة لها إطلاقاً بذلك بل تستغلها لتحقيق أهداف أخرى ترتبط بمشاريع تقسيم المنطقة، وتفتيتها، وإضعافها، وقتل النور، والحضارة، والمعرفة، وإحلال التخلف، والتبعية، والوهابية بقذارتها في كل مكان- وإلا فبماذا يبرر لنا (ديمقراطيونا الفطاحل) أن من يحمل السلاح منذ بداية الحرب هم أنواع، وأشكال مختلفة، لكن المهيمن عليهم هو المال، والمذهبية، والجهل، وأما صاحب اليد العليا على كل هؤلاء فهي تنظيمات القاعدة، وداعش المرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع أجندات التقسيم، وحماية مستقبل إسرائيل، ومع الوهابية الابن الشرعي الآخر للصهيونية في المنطقة.
إذاً: عندما ندرك عن أي حرب نتحدث، ومن نحارب سوف نقطع نصف الطريق لإيجاد الحلول، والخروج من عنق الزجاجة، ودعوني هنا أقدم بعض النقاط السريعة لتوضيح ذلك:
1- الحرب التي نتحدث عنها هي عدوان حقيقي يُشن على الدولة الوطنية السورية، والشعب السوري بأدوات داخلية، وإقليمية، ودولية.
2- العدوان الذي نتحدث عنه استخدم كل أدوات الإجرام، والقتل، والتدمير في العالم، وكي يفهم البعض ذلك عليه أن ينظر إلى عمليات إدارة التوحش التي تتم في سورية، والمنطقة، وإلى منظري الديمقراطية الداعشية الذين يقودون هذه العملية.
3- نحن نحارب ذئاب البشرية، وهؤلاء تتقاطع مصالح العولمة المتوشحة مع أدواتها المتخلفة والرجعية في المنطقة (الإخوان، الوهابية- العثمانية) وبقيادة صهيونية- أميركية، مع اعتماد أدوات جاهلة في الداخل، ومتورطة وفاسدة، ومنظرة- وتافهة في أغلب الأحيان.
4- إن السند الحقيقي الذي يجب أن نقف خلفه، وندعمه بكل قوانا من أجل مواجهة هذا العدوان الهمجي هو الجيش العربي السوري الذي شكل عبر تاريخ سورية المعاصر القوة الوطنية الجامعة لكل السوريين، وإن أي محاولة للمقارنة بين هذا الجيش البطل، ومجموعات مسلحة مرتهنة للخارج هو عمل انتهازي- ساقط أخلاقياً- ووطنياً، ولهذا فإن تذاكي بعض المعارضة على السوريين لا وزن له، ولا تأثير في معركة، وحرب بحجم ما يجري في سورية.
5- إن سعي البعض للاستقواء بقوى إقليمية، ودولية، والركض من عاصمة إلى أخرى معتقداً أن الحل تارة في آسيا الوسطى، وتارة في الرياض، وتارة في باريس ليس إلا مضيعة للوقت، والجهد، فمن يحسم على الأرض المعادلة الاستراتيجية فهو من ينتصر، ويحق له الجلوس حول الطاولة، وما هو مطلوب منا التوحد، ودعم الجيش العربي السوري في معركتنا جميعاً ضد التكفيريين والإرهابيين الذين يشكلون رأس حربة المشروع المعادي لتقسيمنا، وتفتيتنا.
أليس ما قاله السيد دي مستورا: «إن ما حدث في سورية هو المأساة البشرية الأفظع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية) كافياً ليدرك البعض، والكل من أن ما يحدث في وطننا عدوان إجرامي لم يسبق لشعب أن واجه مثله، وأن هذه المأساة البشرية الأفظع ليس هدفها بناء ديمقراطية متنورة، ونظام سياسي حديث!! إنما هدفها تدمير قدرات سورية المقاومة، وإنهاء دورها في المنطقة، وإضعاف جيشها العربي البطل وجلب (حثالة) بشرية تسمى معارضة!! من أجل أن تفتتح سفارة للكيان الصهيوني في دمشق- وتحتفل معهم بانتصارها الموعود!!
– أما السوريون بأغلبيتهم، وفي ذكرى الشهداء في السادس من أيار فرسالتهم لكل العالم واضحة- وجلية: نحن نعرف عن أي حرب نتحدث، ومن نحارب… ولأننا نعرف كل ذلك فإننا صامدون داعمون لجيشنا البطل رمز وحدتنا الوطنية وعازمون على الانتصار في هذه المعركة المصيرية- القاسية، والصعبة، ولكنها في كل يوم تنتج لنا شقائق النعمان التي ستضيء دربنا في وجه الظلامية، والتكفير، والتقسيم، وانتهازيي الشاشات والبيانات والتجمعات السياسية التي لا تقدم ولا تؤخر في المعارك المصيرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن