اقتصاد

«سانتا كلوز» حكومي!

| علي محمود هاشم

لولا «الغصّات» المتلاحقة على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكان بديهياً الاحتفاء بسلسلة جلسات العصف الماراثونية التي عقدتها الحكومة خلال الأيام الأخيرة ملتمسة «سبل النهوض بالإنتاج، وإحلال بدائل المستوردات، وتأمين مستلزمات القطاع الزراعي وصناعاته، وتعزيز جاذبية السياحة».
للأسف، فـ«سفرجلها» لم يترك حيزاً لذكريات مشجعة!، وأضحى التفاؤل مهمة شاقة بالفعل بعدما امتلأ «مستودع الشعارات الحكومية» وغصت رفوفه وممراته برزم لافتات «التعافي، ودوران العجلة، والتصدير، وإصلاح البيئة التشريعية، وزراعة كل شبر إلخ إلخ إلخ…»!، ولأن الحال كذلك، بات المرء يندفع -عفويا- بحثا عن فرضيات أخرى ترضي شكوكه حيال النسخة الأخيرة من موسم الاجتماعات «التنموية»!..
قد يكون أمر الاجتماعات المتجددة مجرد استجابة مبكرة للبيانات التجارية التي ستفضح -على الأرجح- مصير النسخ السابقة من لافتات «عجلة الإنتاج» التي خطّت الحكومة العشرات منها، وضاع أثرها في قاع المستودع إياه!، أو لربما للأمر علاقة بـمعبر نصيب «الكاشف» الذي برهن بطريقة درامية أن تقهقر ميزان الصادرات لم يكن ذا علاقة من قريب أو بعيد بمعوقات الوصول إلى الأسواق، وإنما بفقر الإنتاج المحلي الصناعي أساسا!.
من المرجح أيضاً أن يكون للمعابر مع العراق متنفس قريب، وقد تكون الحكومة على دراية كافية بمجريات الأمر، وهي لذلك ذهبت إلى التحوط مبكراّ بعدما داهمتها الانتصارات العسكرية، فبدا وكأن كل شيء يسير نحو التعافي، عدا الاقتصاد الوطني الذي دأبت على مناشدته تغزّلاً طوال السنوات الأخيرة!.
قد يكون ما سبق تحليلاً خاطئا، وقد تكون رزمة الشكوك إزاء التكرارية الموسمية لـ «اجتماعات التعافي»، مجرد استرسال «بافلوفي» أظهر النوايا الجدّية وكأنها سلعة منتهية الصلاحية.. بغض النظر عن ذلك، فقد آن الأوان كفاية لتشعر الحكومة بمدى الضرر جراء استمرار التهريب في قدرته على إغلاق منشآت إنتاجية «لعدم الجدوى» كما سبق وأن فعل خلال الحرب، ومن العار أن يتمكن التوريد المحدود للاحتياجات الطاقوية والمواد الأولية من ضبط تدفق السلع المحلية إلى ما تحت مستويات الطلب المكافئ، بما يمهد للاستعاضة عنه استيراداً أو تهريباً!.
أمام الحكومة الكثير من العمل المتراكم، وسواء نجحت أم لم تنجح «لا قدّر الله» في إصلاح مسيرتها التنموية، عليها أن تعلم بأن أحدا لم يعد قادرا على تحمّل جرعة أخرى مهما صغرت من ذلك «الإعجاز اللغوي» الذي يكتنف بعض استقراءاتها، كتلك التي تتحدث -بثقة- عن عودة 65 ألف منشآة للعمل من أصل 130 ألف منشأة كانت تمثل بنيتنا الإنتاجية قبل الحرب، فما لم تكن تلك المنشآت متخصصة بإنتاج «السلع الخفية»، فمن أين لنا إذا كل هذا التدهور -المبرهن بالصمت- في ميزان صادراتنا قياسا بالانتعاش الخارق للمنطق في وارداتنا ومهرّباتنا!.. ولأن الشيء بالشيء يذكر، عساها تجد حلّاً لهواية «تطيير الفيلة» لدى قيام البعض بدلق بيانات متفائلة عن التصدير تهريبا إلى حدود مساواته بقيمة مستورداتنا النظامية، ويكاد يضيف: «إن لم تصدّقوا، فاسألوا المهربين»؟!.
في مقابل هذه العجالة من التعقيد الفلسفي لزوم فهم السبات السنوي والاستيقاظ على «التنمية» قبل أسبوع من نهاية العام!، تعاود المرء واقعيته المجرّبة.. لربما لا تتعدى القضية تضخما موسميا للأحاسيس التي تطفو متأخرة لاستدراك ما ضاع من العام كلّه، أو قد تكون الحكومة مأخوذة بلعب دور «سانتا كلوز» الذي يوزع الهدايا في مثل هذه الأيام، ولربما تعود آمالنا جميعاً إلى قواعدها في الأسبوع الأول من السنة المقبلة كمثيله مطلع العام الحالي.. هذا أمر يستلزم القول: كل عام وأنتم بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن