قضايا وآراء

قرار ترامب.. الدوافع والخلفيات

| مصطفى محمود النعسان

يعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية القرار الوحيد السليم والرشيد منذ تسلمه السلطة قبل نحو عامين، وما عداه من قرارات لا يختلف حولها عاقلان أنها قرارات تسلطية وبعيدة كل البعد عن الحكمة والسداد وتعبر عن الرعونة التي تصل إلى حد الحماقة حينا والجنون أحياناً أخرى
الحق أن الدوافع والخلفيات وراء القرار المذكور يمكن استكشافها وتلمسها واستجلاؤها من خلال معرفة واقع الاقتصاد الأميركي ولاسيما أن معطيات ميزانية الدفاع الأميركية للسنة المالية ٢٠١٩ التي بدأت في تشرين الأول الماضي بلغت نحو ألف مليار دولار أي ربع إجمالي النفقات الفيدرالية ويعود ذلك إلى زيادة الاستثمار في الحرب حيث استندت الهيمنة الأميركية إلى٨٠٠ قاعدة عسكرية في العالم علماً أن حجم الإنفاق العسكري الضخم من شأنه أن يفاقم عجز الموازنة الأميركية ليصل لنحو تريليون دولار بحلول عام ٢٠٢٠ وذلك وفقا لتقديرات مكتب الموازنة بالكونغرس.
ومعلوم أن تعداد الجيش الأميركي يبلغ مليون و٣٠٠ ألف جندي منهم ٤٥٠ ألف منتشرون حول العالم، وقرار سحب ألفي جندي من سورية وخمسة آلاف كدفعة أولى من أفغانستان من بين ١٤ ألف موجودين هناك يأتي في أغلب الظن في إطار البدء بإعادة الجنود الأميركيين المنتشرين حول العالم إن لم يكن كلهم وهو عدد لا بأس به منهم، وهذا سببه كما أسلفنا ليس الرشد في السلوك والعقلانية في التصرف واتخاذ القرار وإنما سببه الرئيس الخضوع للعجز الهائل في الميزانية الأميركية حيث يفوق مقدار الدين العام الأميركي ٣٣٣ مليار دولار إلى جانب الديون الفيدرالية حيث يبلغ ديون الولايات الخمسين وديون المقاطعات والبلديات ما يصل إجمالي المجموع التراكمي للديون الأميركية إلى ٧٢ ألف مليار دولار وذلك حسب مجلة مونديليزاسيون في عددها بداية الجاري.
طبعا هذا العجز تبدت نتائجه أول ما تبدت في الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الأميركي مع نظيره الصيني خلال قمة العشرين في بوينس آيرس في الأرجنتين بداية الجاري لتجميد الضرائب على البضائع والسلع التي فرضها ترامب من قبل وقابلها الجانب الصيني بالإجراءات ذاتها وذلك لمدة ثلاثة أشهر كمرحلة أولية.
حتما ستتبدى نتائجه في القريب العاجل في الإبقاء على معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الموقعة مع موسكو عام ١٩٨٧ وذلك رغم العنتريات التي تبديها واشنطن والتهديد المتواصل بين الحين والآخر بالانسحاب منها إذا لم تذعن موسكو لمطالب واشنطن.
كما ستتبدى نتائج العجز التجاري الأميركي في تقليل القواعد الأميركية حول العالم وإعادة المزيد من الجنود لتقليص حجم الإنفاق العسكري، وقد تجلت بدايته بقرار سحب الجنود من سورية وأفغانستان.
طبعا لا يخفى على أحد من المتابعين والمحللين أن أمر سحب القوات الأميركية من الشمال السوري تم بالتنسيق مع الأتراك وذلك بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في منتصف كانون الأول الجاري وذلك بعد توعد الأخير بالقضاء على «قوات سورية الديمقراطية – قسد».
إن الولايات المتحدة الأميركية وتركيا حليفتان وشريكتان في حلف الناتو لذا يستحيل أن تضحي واشنطن بعلاقتها مع تركيا كي تدافع عن «قسد» ذلك أن واشنطن ترمي أدواتها ومنهم «قسد» عند انتهاء مهامهم، الأمر الذي يجعل الكرد في مأزق حقيقي وكبير لا سبيل للخلاص منه إلا باللجوء إلى دمشق التي فتحت أبوابها لهم من قبل غير أنهم غرهم ما غرهم من الوعود الأميركية الخلابة والبراقة، وهذه الوعود التي ثبت بطلانها وكذبها يفترض أن تجعل الكرد يصحون من غفلتهم وتضعهم على السكة الصحيحة وهي العودة إلى حضن الوطن والاندماج في الوحدة الوطنية السورية ذلك أن الشاة التي تند عن القطيع تواجه مصيرها وحدها كهوفاً ومخاطر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن