قضايا وآراء

الكنيست وترحيل الفلسطينيين

| تحسين الحلبي

واضح جداً أن الكيان الإسرائيلي ما زال ينفذ نفس السياسة الإرهابية التي انتهجها في حرب عام 1948 لتصفية الوجود الفلسطيني البشري في الوطن المحتل 1948 وأبعد بواسطتها 800 ألف من الفلسطينيين خارج وطنهم وممتلكاتهم وقراهم ومدنهم التاريخية.
لكنه يقوم بهذه المهمة الآن بأشكال أخرى إلى جانب ارتكاب المذابح البشرية وإرهاب ومحاصرة الفلسطينيين، ففي 19 كانون الأول الجاري ناقش «الكنيست»، أي البرلمان الإسرائيلي، مشروع اقتراح نال موافقة أغلبية 69 عضواً مقابل اعتراض 38 يدعو إلى إبعاد عائلة كل فرد فلسطيني من بيتها وممتلكاتها إذا اتهم أي فرد منها بمقاومة الاحتلال سواء أكان ذلك بالحجارة أم غيرها من أشكال المقاومة والاحتجاج ضد الاحتلال الإسرائيلي ورفض الانصياع لقوانينه المعدة للفلسطينيين في الضفة الغربية.
وينص القانون على أن قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية هم الذين يحددون المكان أو القرية أو المدينة التي سيبعدون إليها هذه العائلات ومنعهم من التحرك خارجها وحظر التجول في أماكن يحددها الاحتلال.
يضاف هذا القانون الإرهابي إلى قانون هدم بيوت الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات مقاومة مسلحة وفي هذا الحالة سيجري نقل عائلات المقاومين إلى خارج قريتهم أو مدينتهم بعد هدم بيوتهم. ويبدو أن القانون الجديد سيفرض هذه العقوبة على أشكال المقاومة الأخرى التي تظهر على شكل قذف الحجارة أو الاحتجاج. وهذه الإجراءات الإرهابية تهدف بشكل واضح إلى إبعاد الفلسطينيين عن ممتلكاتهم وقراهم في مرحلة أولى تمهيداً لترحيلهم إلى خارج فلسطين المحتلة.
سلسلة هذه الإجراءات الإرهابية تشمل إلى جانب ذلك هدم وإغلاق البيوت بل وإغلاق قرية كاملة وفرض منع التجول فيها لمدة ترهق سكانها الفلسطينيين وكانت سلطات الاحتلال قد أبعدت في السنوات الماضية عدداً كبيراً من العائلات والأفراد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007 بهدف إفراغ الضفة الغربية من أصحابها التاريخيين.
وهي ستقوم بموجب هذا القانون الجديد بالعمل على إبعاد آلاف العائلات الفلسطينية التي تقيم في القدس لأن هذا القانون سينفذ في القدس لترحيل العائلات عند اتهام أبنائهم بأي تهمة لمقاومة الاحتلال إلى خارج القدس أي إلى الضفة الغربية لحرمانهم من العودة إلى بيوتهم في القدس وتسريع العمل على تخفيض عدد الفلسطينيين المقدسيين في سياق المشروع الإسرائيلي لتهويد أحياء المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
وكان عدد من أعضاء الكنيست قد دعا إلى إضافة إجراء في هذا القانون يقضي ببناء وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية كعقوبة على كل فلسطيني يقاوم المستوطنين أو يحتج على الاحتلال وهذا يعني بناء وحدة استيطانية مقابل كل بيت فلسطيني تهدمه قوات الاحتلال أو تبعد أصحابه عنه بعد اتهام أبنائهم بمقاومة الاحتلال.
القيادة الإسرائيلية لم تجرؤ على سن قوانين كهذه وتنفيذها إلا في ظل اتفاقات أوسلو التي استغلتها الحكومات الإسرائيلية لزيادة مساحات وعدد المستوطنين في الضفة الغربية طوال 25 سنة ولزيادة الإجراءات الإرهابية التي يقول أعضاء الكنيست إنها لردع الفلسطينيين.
لكن الحقيقة الصارخة في الأراضي الفلسطينية سواء في فلسطين المحتلة عام 1948 أم في الضفة الغربية المحتلة عام 1967 هي أن الفلسطينيين استمروا بالتمسك بالبقاء في بيوتهم ومدنهم وقراهم رغم كل إجراءات الإرهاب الصهيوني طوال سبعين عاما وبمقاومتهم لهذه الإجراءات وازدادت أعدادهم في مجمل الأراضي الفلسطينية إلى أكثر من ستة ملايين نسمة بما يزيد على عدد الإسرائيليين المستوطنين ولذلك تسعى القيادة الإسرائيلية في هذه الظروف إلى وضع سياسة تمتد على سنوات من أجل التخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين عن طريق هذه الإجراءات التي لم تعد سوى القوى الاستعمارية والاستيطانية الصهيونية تستخدمها في قاعدتها الإسرائيلية في حين أن كل شعوب العالم تخلصت من الاستعمار التقليدي الاستيطاني وإجراءاته الإرهابية الوحشية.
يزداد تأثير هذه المأساة التي يتعرض لها شعب فلسطين أكثر حين يرى الجميع أن الانقسام الفلسطيني بين من يحكم من قطاع غزة ومن يحكم من رام اللـه ما زال مستمراً على حساب تطلعات ووحدة مقاومة الشعب الفلسطيني التي تحولت إلى بطولات فريدة غير مسبوقة في تاريخ كل الشعوب برغم كل هذه الإجراءات الإسرائيلية الإرهابية المكثفة والمتواصلة وهذا الانقسام الفلسطيني الذي تستغله قوات الاحتلال في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة والمحاصرة لقمع الفلسطينيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن