قضايا وآراء

قطرة أوروبية واحدة لا تكفي

| مصطفى محمود النعسان

أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه الشديد جراء هدم سلطات الاحتلال مدرسة ابتدائية شمال بلدة السموع، وقال: هذه هي المرة الخامسة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية بهدم ومصادرة أبنية مدرسية أو رياض أطفال في الضفة الغربية عام 2018، وأشار إلى أن مجموع مدارس الضفة الغربية التي صدرت بحقها أوامر هدم أو وقف عمل وصل إلى 57 مدرسة ما أدى إلى خلق بيئة قهرية تؤثر في أكثر من خمسة آلاف طفل من أطفال المدارس.
وأكد أن لكل طفل الحق في الحصول على التعليم، وعلى الجميع واجب حماية واحترام وتلبية هذا الحق من خلال جعل المدارس مكاناً مصاناً آمناً للأطفال، ودعا سلطات الاحتلال إلى وقف إقامة المستوطنات، وهدم ومصادرة البيوت والممتلكات الفلسطينية والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
والحق أن موقف الاتحاد الأوروبي الخجول هذا كمن يضع قطرة واحدة في عين استفحل رمدها، وازدادت حساسيتها واحمرارها وجرثمها الاحتلال، وذلك إذا ما قيس بالواجب الذي ينبغي على الاتحاد القيام به انطلاقاً من المسؤولية الأخلاقية والقيمية والإنسانية التي يوجبها ويحتمها حجم الاتحاد ودوره ورسالته المفترضة النابعة من شعاراته التي يرفعها رغم أن هذه الرسالة والشعارات تحولت في السنوات الأخيرة كما كانت من قبل في العشرينيات وحتى الخمسينيات من القرن الماضي إلى صورة من صور الاستبداد والاستعمار الجديدين، ونموذج من نماذج صب الزيت على النار، بل إشعال النار أصلاً وفي الأساس، ولاسيما في ظل ما سمي زوراً وبهتاناً الربيع العربي.
والحق أيضاً أن الاتحاد الأوروبي يبدو أن ضميره يصحو كل عشر من السنين مرة ذلك أنه أصدر في كانون الأول من عام 2009 بياناً عد فيه القدس والأراضي الفلسطينية أراضي محتلة ويجب أن تعود بالتفاوض، وهو موقف نوعي آنذاك إذا ما قيس بمواقف الاتحاد السابقة ذلك أن الاتحاد كان عضواً في اللجنة الرباعية التي صدها وعطلها وفرملها الكيان الإسرائيلي منذ تشكيلها، وبدء انطلاقتها، وقبل الاتحاد بذلك راضياً خانعاً مستسلماً متخلياً عن ثقله، ودوره في حل الصراع الناشئ على مسافة هي الأقرب إليه من كل دول العالم، وحين قبر الكيان الإسرائيلي خريطة الطريق في مهدها لم ينبس الاتحاد ببنت شفة مع أنه ساهم في صياغتها ووضعها وظهورها.
ولما اعتدى الكيان الإسرائيلي على لبنان وخرّب في صيف عام 2006 معظم مرافقه الحيوية وقتل إنسانه، لم تبلغ مواقف الاتحاد الرسمية جملة وتفصيلاً، مواقف شعوبه التي احتجت واستنكرت، وخرجت تملأ الشوارع بالمظاهرات.
أن يتبنى الاتحاد هذا الموقف المذكور هو خير وأحسن صنعاً من كل مواقفه السابقة بشأن القضية الفلسطينية، ثم عودته بعد هذه السنين الطوال رغم ما فيها من نسيان للقضية التي فتك بها الكيان الإسرائيلي، ويفتك بها على الدوام، نقول إن عودة الاتحاد الأوروبي ليعبر عن قلقه الشديد جراء ممارسات الاحتلال تجاه مدارس الأطفال الفلسطينيين هو موقف لا بأس به، وكان يرتجى من الاتحاد أن يرتقي بمجمل مواقفه من القضية الفلسطينية إلى مستواه، وأيضاً إلى مستوى موقفه حين عد القدس والأراضي الفلسطينية أراضي محتلة، ويجب أن تعود لأصحابها الشرعيين.
هذا فيما يقال لموقفي الاتحاد الأوروبي الخيِّرين فيما يتصل بالقضية الفلسطينية رغم ما فيهما من تباعد زمني نعم، هذا ما يقال بالنسبة لإدانة الاتحاد لإجراءات الاحتلال لمدارس الأطفال الفلسطينيين، أما أين مواقف الاتحاد التي تعد بريطانيا التي ما زالت أكبر دوله، وصاحبة اليد الطولى في إنشاء هذا الكيان، وإمداده بأسباب القوة مع غيرها من الدول الأوروبية؟ أين مواقفه وما شكلها وما لونها جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الأخرى من قتل الإنسان الفلسطيني إلى اعتقاله وتشريده إلى ما هناك من قائمة تطول وتطول، ولم ينبس الاتحاد بشأنها ببنت شفة؟
وما دام الحديث عن الأطفال ومدارسهم فيكفي أن نذكر في هذا المقام أن قوات الاحتلال اعتقلت ما يزيد على 900 طفل في الضفة الغربية منذ بداية العام الماضي لا يزال 230 منهم في معتقلات الاحتلال يعيشون في ظروف قاسية، وغير إنسانية وسط صمت المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي.
لقد كشف مركز الدراسات والتوثيق التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في العشرين من الشهر الجاري أن قوات الاحتلال قتلت بدمٍ بارد 54 طفلاً فلسطينياً وهنا نسأل: ماذا قال بشأنهم الاتحاد الأوروبي الذي يدعي الحرص على حماية حقوق الطفل؟ وماذا قال بشأن الأطفال المعتقلين التسعمئة؟
مفارقة غريبة عجيبة أن يصوت مجلس طلاب جامعة نيويورك لمصلحة اقتراح يدعو إلى مقاطعة الشركات التي تتعاون مع الكيان الإسرائيلي، وذلك بمبادرة طالبة إسرائيلية تدرس في الجامعة.
لقد أيد الاقتراح وفق وكالة «معا» الفلسطينية أكثر من60 تنظيماً طلابياً و30 عضواً في الهيئة التدريسية، وقالت الطالبة الإسرائيلية «روزآساف» صاحبة الاقتراح لصحيفة «هآرتس» في الثامن من الشهر الجاري: إن حركة المقاطعة «بي دي إس» سوف تحقق العدالة لعائلتها في إسرائيل وللفلسطينيين.
ويدعو الاقتراح المطروح على الجامعة إلى الامتناع عن الاستثمار وإيقاف التعاون مع أي شركة تربح من انتهاك حقوق الفلسطينيين، احتلال فلسطين، الاستمرار ببناء المستوطنات غير المعترف بها بموجب القانون الدولي.
هذا ما قالته طالبة إسرائيلية، فماذا قال الاتحاد الأوروبي ويقول عن مجمل جرائم إسرائيل اليومية بحق البشر والشجر والحجر؟ إنه ينطق بخجل وحياء حيناً، على حين يصمت ويتعامى ويصم أذنيه في معظم الأحيان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن