ثقافة وفن

«الستر الصفراء» ماذا يقول عنها عالم الثقافة؟ … صراع حقد طبقي اجتماعي ضد الطبقة الحاكمة المالكة فهل يستمر الصراع أم يصل إلى حلول مرضية؟

| إعداد: مها محفوض محمد

مئتا مثقف فرنسي على رأسهم المفكر وعالم الاجتماع ادغار موران يقترحون استعادة أموال الزيادة الضريبية ومحاولة تثبيت نقاط استدلال حول طبيعة الأزمة في فرنسا.
ومع أن بعض المثقفين ما زالوا مرتبكين في التعبير عن آرائهم نظراً لتنوع حركة «السترات الصفراء» إلا أن الساحة الفكرية الفرنسية شهدت احتداماً كبيراً لم يقل عن احتدام ميادين التظاهر، ففي الوقت الذي أبدى الكثير منهم إعجابه بالحركة لم يخف آخرون قلقهم منها لكن رغم الاختلاف هناك إقرار بأنها أزمة عميقة جداً ومعقدة، فهي متعددة الأبعاد ثقيلة بتناقضاتها أو العكس بتهديدات خطيرة تتحدى كل تحليل سريع وساخن، فلا أحد يستطيع أن يجازف بالتكهن كيف ستتطور الأمور خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة في فرنسا؟ لأنه بحسب هؤلاء في مجتمع تشظى خلال أربعين عاماً بهيمنة الأيديولوجيا النيوليبرالية وسيطرة رأسمالية برؤوس أموال مضاربة لم يعد هناك جماعة بل أفراد فقط هم كجزئيات تتحرك أو ذرات تسبح في سوائل تحاول أن تجد القليل من الدفء الإنساني والإحساس بها، فالمجتمع الفرنسي المأخوذ في السباق إلى العولمة المتسارعة تجزأ إلى أربع كتل أو مجموعات متباعدة، الأولى هي النخب المستفيدة من العولمة ويمكنها أن تعيش في مكان آخر، والثانية هي فئات مندمجة تتمتع بأوضاع مضمونة تتقاضى رواتب من الشركات الرابحة كما المديرين وغيرهم.

المجموعة الثالثة هي من المهمشين وغالباً ما يكونون من المهاجرين الذين يجدون صعوبة كبرى في الوصول إلى سوق العمل، أما الرابعة فهي من العمال المؤقتين الذين يتقاضون الحد الأدنى من الأجور والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل من الشباب وغيرهم.
هذه الكتل الأربع لا تشكل وحدة اجتماعية، والأخيرة تؤدي إلى الضواحي الباريسية التي تجند الأغلبية الكبرى من الستر الصفراء وإذا كانت زيادة الضرائب على الوقود نقطة الماء التي جعلت الكيل يطفح فإن نقطة البنزين هي التي سببت الانفجار إضافة إلى إجراءات حكومية أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية للطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً، ما تسبب بالشعور بالظلم وغضب لن يهدأ قريباً، ومع إنكار الاعتراف بهذه التجمعات المهمشة الذي أصبح أمراً لا يغتفر، تبرز المسألة المهمة عن دور المثقفين والإعلاميين في سياق هذه الحركة.
الفيلسوف ميشيل أونفري كتب على موقعه: تعجبني هذه الثورة لعامة الناس على السلطة لأنها تبرهن على أن في فرنسا –بعيداً عن الطبقة السياسية التي لا تمثل سوى نفسها- أناساً فهموا أن هناك بديلاً من الديمقراطية التمثيلية التي تقسم البلاد إلى نصفين، ليس إلى يمين ويسار أو إلى ليبراليين ومناهضي الليبرالية، بل بين أولئك الذين يمارسون السلطة والذين تمارس عليهم تلك السلطة.
وتحت عنوان: «المفكرون يعبر كل منهم على طريقته في دعم الستر الصفراء» قدمت صحيفة «لوفيغارو» آراء بعض منهم مثل الفيلسوف آلان فانكيلكرو الذي يدين من لا يأخذون في الحسبان اختلاط النظام الاقتصادي والثقافي للطبقات الشعبية والوسطى فيقول: «لم تكن ردة فعل الطبقة الحاكمة سوى الإنكار والاحتقار لهؤلاء المنسيين المتروكين لحساب العولمة السعيدة، إنهم يرتدون ستراً صفراء مشعة كي يراهم الناس جميعاً وهم يقولون: نحن موجودون، مصانعنا تغلق وأراضينا في طريقها إلى الموت، وإذا تابعنا على هذا المنوال فإن الستر الصفراء ستصبح بالملايين».
المفكر جان كلود ميشيا يرى في هذه الحركة ثورة المسحوقين فيقول: «هؤلاء الذين يثورون يرفضون وضعهم بين المستغلين من اليسار والمستقلين من اليمين، لن تسقط حركة مدعومة بـ75 بالمئة من الشعب ويدعو ميشيا إلى الحرية، وهو الباحث في فكر وأعمال جورج أورويل ولا يتردد في إلقاء اللوم على اليسار الذي لم ينقطع عن نقده في مؤلفاته، ويتساءل إلى أين ستؤول هذه الحركة الثورية في ظروف سياسية تعيسة كظروفنا تقودها حكومة صلفة جاهزة للذهاب إلى الأسوأ؟».
أما عن عالم المسرح والسينما والتلفزيون فيقول ميشيل غيرن (رئيس تحرير في صحيفة لوموند): «منهم من يشجع ويدعم الناس المتألمين ضد عنف النخب واحتقار الطبقة المظلومة، ورغم التباين في مظاهر الدعم الثقافي للحركة هناك شخصيات مهمة داعمة لها كالمغنية الشهيرة لين رينو فهي عرابة الحركة، والممثلة بياتريس دال التي تبتهج لرؤية باريس تحت القنابل حيث تقول: «لا يمكن أن نقوم بثورة ونحن نأكل البسكويت».
الكاتب والمخرج السينمائي جيرار مورديا يقول: «إن نضال الستر الصفراء هو صراع حقد اجتماعي، فهناك طبقة مالكة مدللة من السلطة وهناك طبقة مسيطر عليها مظلومة تتلقى الإهانات والاستخفاف بمطالبها بالعدالة، الرئيس الحالي لم يعد لديه سوى مواهبه بالكلام الخادع ظناً منه أنه سيكبح الغضب الشعبي فأمر الشرطة بمساعدته والجيش في مداخل المدن ثم توقيف الناشط السياسي جوليان كوبا وتجريم الصحفي والباحث فرانسوا روفان، أحكام سريعة تعسفية وآلة القمع كلها تحركت، ففي النيوليبرالية انزلقت فرنسا نحو الاستبداد ولكن سنقف للأخذ بالثأر وكما غنوا في التظاهرات: «عندما يقصد الفقراء فسيأخذون بالثأر».
المخرجة ماشا ماكييف: إنها اللحظة التي يجب أن نفكر بمرحلة جهنمية تمتد في المكان، أعتقد أن هذه الحركة تأتي من بعيد دون أن نشعر بدوّيها هي كانزياح قارات لا نشعر به حيث نكون على سطح القارة ونحن نتحرك معها، منذ متى لم يوجه خطاب سياسي حقيقي إلى الناس؟ الديمقراطية التي يحسدوننا عليها هشة وأقيدها لحساب ماكرون، فاللاوعي الجمعي يمكن أن يأخذ عليه أنه ليس الرجل القوي وأنه سوقي وشرس حيث نراه يدير وجهه في جميع الاتجاهات مع الفاشيين الجدد.
المخرج ستيفان بريزيه: «من المقلق أن نرى صور الخيال في الأفلام هي ذاتها في الحقيقة وأن تغزو اليوم الشاشات والأخبار المتلفزة، لقد وصلنا إلى نقطة تصدع وأنا قادم من هذا العالم الذي طلبوا منه أن يسكت ويقبل بما يعطى له (أي من فتات النيوليبرالية) وها هو اليوم في الشارع يقول إنه لم يعد يحتمل الذل والإهانة من الطبقة الحاكمة المسيطرة بعد أن كان صامتاً وأصحاب النفوذ تعودوا هذا الصمت وحالة انصعاقهم اليوم هي الدليل، أفكر أن أكون في مكاني الصحيح لإخراج أفلام عن هذا الموضوع».
المخرج المسرحي آرثر نوزيسيل: الحركة مهمة ومقلقة لكن في هذا العالم الرقمي كل شخص يبقى ضمن مجموعة وميدان مناسب للتلاعب والتضليل، للمسرح دوره المهم ولا بد من تحريك جهودنا في أحياء الضواحي والعمل على نشر ديمقراطية ثقافية، أنا كفنان ومدير المسرح الشعبي دوري هو إعطاء الأدوات لكل مواطن كي يشحذ ويدرب فكره النقدي كما ألحظ ميلاً كبيراً لدى جيل الشباب لامتلاك الحقيقة عن مشاكل ومعاناة المجتمع. المهم إعادة إنتاج الديمقراطية فهذا التصدع بين العالمين يؤثر فينا كثيراً ومع هذه الحركة المعقدة المتغيرة الشكل هناك أشياء صعبة علينا، فباريس تحولت إلى ساحة معركة وخطورة الفوضى تخيفنا.
باليك داناكيل مغني الريغا: لدينا استياء عميق من هذا المنطق الرأسمالي الذي عمق هوة اللامساواة، لم نعد نستطع العودة بسبب نظام اللوبيات حيث رؤساء الدولة هم بيادق فيه لا يستطيعون فعل شيء. يكفي سماع أغانينا كي يفهموا أننا مع الحركة، ودور الموسيقا هو أن تتحد معها وموسيقا الريغا التي تحمل مطالب العدالة الاجتماعية تقول: لا نريد السلام بل نريد العدالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن