ثقافة وفن

يوكو أوغاوا، وأحدث رواية لعام 2019 في (حذاء لك)

| هبة اللـه الغلاييني

يوكو أوغاوا روائية يابانية تواجه قسوة الواقع بمخيلة طفولية. هي من مواليد 1962.
تستعين يوكو بالرمزية والسوريالية في نصوصها، كما تحذو حذو الروائي ابن وطنها (هاروكي موراكامي) وطريقته في الغموض والإثارة.
نالت جائزة آكوتاغاوا، أرفع الجوائز اليابانية على روايتها(الحمل).
صدر لها عن دار الآداب (حوض السباحة) و(غرفة مثالية لرجل مريض)، و(لاعب الشطرنج الصغير).
وتعد رواية (حذاء لك) آخر رواية لها، أرخت الطبعة الأولى منها عام 2019.
تبدأ الراوية (لم تذكر اسمها طوال الرواية) بالحديث عن عملها، وهو العمل الذي أحبته كثيراً، وأتقنته كثيراً بعد أن جربت الكثير من الأعمال السابقة.
عملها الجديد هو بمخبر للعينات، تقوم فيه بتصنيف الأوراق المهمة، والضرب على الآلة الكاتبة، والرد على الاستعلامات الهاتفية. شخصان فقط يعملان فيه هي والسيد ديشيمارو، الذي هو، في آن معاً (المدير والمتخصص بالعينات). وتؤكد المساعدة الشابة مدى ارتياحها بالمخبر وتعلقها به، وتصرح بأنها تفضل البقاء فيه بقية حياتها.
تتحدث عن عملها السابق في مصنع مرطبات، والذي ارتبط بحادثة أليمة جعلتها تفقد جزءاً من جسمها، وذلك عندما كانت تقوم بتنظيف الزجاجات، حشرت قطعة لحم من طرف بنصر يدها اليسرى، وسال الدم مع عصير الليمون، مخلفاً جرحاً في أعماق نفسها، حيث اختل التوازن في حياتها ومسيرتها اليومية، فتركت المصنع متوجهة من الريف إلى المدينة تبحث عن عمل جديد.
وأثناء تجوالها بشوارع المدينة النظيفة والهادئة، لفت انتباهها بناء ضخم بطوابق ثلاثة، وله شرفات صغيرة، وثمة إعلان صغير ملصق على عمود آجر في المدخل:
(نبحث عن عاملة مكتب، تساعد في تحضير العينات).
وكان أول لقاء لها مع السيد ديشيمارو، الذي أصبح رب عملها، وبدأ يعلمها طريقة توثيق العينات!
ومخبر السيد ديشيمارو كان فريداً من نوعه، مهمته حفظ الأشياء التي تتعلق بمشاكل المرء الشخصية، أشياء تشكل ذكرى إما جميلة أو بائسة يسعى للتخلص منها. وهذا العمل لا علاقة له بالسياسة أو الاقتصاد أو الفن. كل ما في الأمر أنه يمكن للسيد ديشيمارو أن يقدم إجابات ونصائح حول مشاكل الزبائن، ويتلقى من خلال ذلك مبلغاً مالياً يتناسب مع العمل المنجز. وأهم شرط لهذا العمل هو الإخلاص والتمتع بالسرية وعدم إهمال شيء حتى أصغر العينات وأكثرها تفاهة.
أما بالنسبة إلى السكن، فكان قديماً منزلاً لفتيات جامعيات شابات منذ عشرات السنين، وانخفض به عدد المقيمات بالتدريج، وأحياناً بطرق غامضة. وشاخ كل شيء، وأصبح المبنى خالياً إلا من سيدتين مسنتين، إحداهما عازفة بيانو، استمرتا بالعيش فيه من دون أن يكون لهما أي علاقة بعمل المخبر وطريقة حفظ العينات.
وتبدأ الحبكة في الرواية عندما يطلب السيد ديشيمارو من بطلة القصة أن تتبعه إلى صالة الحمامات في آخر الطابق الأرضي، حيث المكان في حالة جيدة، فالمرايا والصنابير والبلاط الأزرق نظيفة. كان قاع المغطس جافاً فبدا مغطى بطبقة من المسحوق الأبيض، وكانت رائحته موحشة يعبق فيها المكان برمته.
في هذا المكان الهادئ النظيف حصل لقاء عاطفي وجسدي استثنائي وفريد من نوعه بين المدير ومستخدمته. مهد له ديشيمارو بإهداء غريمته حذاء من الجلد الأسود، بسيطاً، لكنه متقن الصنع، يزينه شريط أنيق أسود مثبت على مشط القدم، والكعبان بارتفاع خمسة سنتيمترات، رفيعان وثابتان.
أخبرها في تلك الليلة أن تفانيها في العمل وإخلاصها، كانا سبباً في دفعه لأن يهديها هذا الحذاء، عربون شكر لها. وانتزع من قدميها حذاءها القديم بطريقة رومانسية، وألبسها الحذاء الجديد وكأنه يقوم بطقس محدد سلفاً. وطابق الحذاء قدميها تماماً، حيث استطاع (كعالم طبيعة) أن يعرف مقاس قدميها من نظرة واحدة. وطلب منها طلباً غريباً، أن تتمشى فيه جيئة وذهاباً داخل مغطس الحمام محدثاً قرقعة متقطعة، ضخمها حجم قاعة الحمامات الصغير، على حين كان يراقبها ويتأملها بشغف وحب. وتعاهدا بأن ترتدي هذا الحذاء كل يوم، وطوال الوقت، سواء في القطار أم العمل، حتى في أثناء الاستراحات.
كان الحذاء خفيفاً، وثمة متعة في انتعاله، غير أنها بدأت تشعر لبرهة من الزمن بأن قدميها امتصتا تماماً، وكان يعتريها إحساس وكأن السيد ديشيمارو يحتضن ساقيها بين ذراعيه بقوة.
وتوالت لقاءاتهما في قاعة الحمامات، حيث كانا يثرثران جالسين على حرف المغطس. وبدأت الراوية تتعلق به، وتتعلق بالحذاء الأسود الذي أصبح جزءاً منها.
وبعد أن قابلت رجلاً عجوزاً ينظف الأحذية، نظر طويلاً إلى حذائها بعد أن نظفه، ونصحها بالتحرر منه، وأن تخلعه فوراً، وأن تجعل منه عينة في المخبر الذي تعمل به.
غير أنها رفضت رفضاً قاطعاً أن تخلعه، فهي لا تريد أن تكون حرة، تريد أن تبقى قدميها محبوستين بهذا الحذاء السحري، كما تريد أن تبقى معلقة بالسيد ديشيمارو وبرفقته إلى الأبد.
وكانت العينة الأخيرة في الرواية هي (بنصرها) الذي فقدت جزءاً منه في عملها السابق في مصنع المرطبات. فأخذت تسجل كل المعلومات التي تخصه، كما تفعل مع باقي العينات، ووضعته بحرص في أنبوب اختبار، لتعطيه للسيد ديشيمارو.
الرواية فيها الكثير من التشويق والغرابة، أرادت فيه الكاتبة أن تعبر عن أفكارها بطريقة مغايرة للواقع، فيها الكثير من الرمزية، حيث ربطت تعلق البطلة بالحذاء إلى مدى تعلقها برب عملها، واستحواذه على تفكيرها، حيث أعطته (البنصر) في آخر المطاف ليحتفظ به مدى الحياة، ويتذكرها من خلاله كل يوم، وهو يعوم في سائل الحفظ.
أما الزبونة ذات الستة عشر عاما، والتي أحضرت في البداية عينة للفطر الذي نبت أثناء حريق عائلتها، ثم أرادت أن تحفظ عينة من الندبة التي خلفها الحريق. فأخذها السيد ديشيمارو برفق إلى القبو، من أجل حفظ العينة، غير أنها اختفت بعد ذلك. وظل مصيرها غامضاً مشوشاً ومثيراً للشكوك.
وانتهت الرواية نهاية تحسبها البداية، لتترك مخيلتنا تكملها بما يحلو لنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن