ثقافة وفن

القدموس مدينة الأساطير.. أسطورة السحر والجمال

| المهندس علي المبيض

تعتبر القلاع والحصون من أهم منشآت المنظومة العسكرية في سورية وحلقةً مهمة في شبكتها الدفاعية وقد حقق السوريون تقدماً واضحاً في بنائها وتفننوا في إشادتها، وكانت القرى والتجمعات السكنية تبنى حول القلاع بغية الاستفادة من الحماية التي تحققها القلاع والحصون، وكانت القلاع تمثل رمزاً لصمود أبناء المنطقة وتشبثهم بأرضهم واستبسالهم في الدفاع عنها، ونستكمل في مقالنا اليوم ما بدأنا به الحديث عن القلاع والحصون في سورية حيث استعرضنا في المقالات السابقة القلاع في محافظة طرطوس وأعطينا لمحةً موجزةً عن قلعة أرواد ومدينة عمريت وقلعة الخوابي وقلعة الشيخ ديب وحصن سليمان وقلعة الكهف وبرج ميعار وقلعة العريمة وقلعة يحمور وقلعة العليقة وبرج صافيتا وقلعة القوز وقلعة أم حوش، ونستكمل في مقالنا اليوم الحديث عن بقية القلاع والحصون والأبراج في طرطوس.

قلعة القدموس تتبع بلدة القدموس إدارياً لمحافظة طرطوس وتبعد 27 كم عن مدينة بانياس باتجاه الجنوب الشرقي كما تبعد 70 كم عن مدينة طرطوس باتجاه الشمال الشرقي، وترتفع عن سطح البحر أكثر من 1000 متر وهي من المدن السياحية الجميلة، والقدموس اسم ملك فينيقي يعني باللغة الفينيقية القادم من الشرق وهو ابن آجينور ملك صور وتحكي الأسطورة أن آجينور أرسله إلى بلاد الغرب كي يبحث عن أخته أوروبا التي اختطفها زيوس حيث أقام في اليونان ونشر بين أهلها الأبجدية والعلم وبنى لهم مدينة ثيبه في القرن 15 قبل الميلاد، وتعتبر كامل منطقة القدموس منطقة أثرية مهمة، قام فيها العديد من الحضارات على مر العصور ولا تزال آثارها باقية حتى الآن تحتوي على عدد من الكهوف الأثرية والمدافن وتعتبر قلعة القدموس من أهم آثارها ورمزاً للمدينة التاريخية، يعود تاريخ بنائها للقرن الحادي عشر الميلادي، وتتوسط قلعة القدموس منطقة تضم عدة قمم في جهات متفرقة، وما يميزها عن القلاع الأثرية أنها مكونة من صخرة طبيعية، وتشكل مرتفعاً صخرياً معزولاً بشكل طبيعي عما يحيط به، وتتربع على القمة لتشرف على مناظر رائعة من كل الجهات حيث تتميز المنطقة بطبيعتها الجبلية الساحرة وجبالها التي تكسوها غابات السنديان والصنوبر والبلوط وتنتشر على سفوحها الأشجار المثمرة مثل التفاح واللوز والزيتون، وقد ذاع صيت قلعة القدموس كثيراً خلال الفترة الأيوبية.
يتم الوصول إلى القلعة من البلدة بواسطة أدراج حجرية قديمة ولم يبق من القلعة حالياً سوى البوابة التي تؤدي عبر درج إلى سطح القلعة حيث يوجد بئران مائيان قديمان منحوتان بالصخر الطبيعي يستخدمان لجمع الماء، كما تضم القلعة بقايا سور متهدم، أما على سفوحها فيوجد بناءان قديمان هما الجامع والحمام، تعرضت القلعة منذ عدة سنوات لانهيارات صخرية بسبب طبيعة صخورها المكونة من عدة طبقات مختلفة، في منتصف القلعة تقريباً بناء حجري أثري قديم مدخله عقدي بُني بحجارة منحوتة بإتقان، ذو باب صغير يؤدي إلى قناة داخلية يقوم على ركائز حجرية سداسية من كل جهة سجّلت «قلعة القدموس» على قائمة التراث الوطني عام 1976م، وتتوزع الأبنية السكنية الحديثة، بعضها من الإسمنت المسلح وبعضها من الحجر المقطوع، على حافة الضلع الجنوبي للقلعة.
برج تخلة أحد أهم الأبراج الدفاعية، بني في القرن الثاني عشر الميلادي في فترة الحروب الصليبية يقع على أعلى قمم منطقة الدريكيش في قرية تسمى جبل تخلة، وهو عبارة عن برج مربع الشكل وتشبه طريقة بنائه بناء برج صافيتا، حيث يتكون من حجارة كلسية متوسطة الحجم سقفه متهدم بجزئه الأكبر، يحيط به مجموعة من المباني الحديثة، إضافة إلى قبو ذي نظام بناء عقدي أزيل في أغلبيته، وهذا القبو على الأغلب كان يشكل جزءاً من الأبنية القائمة على سور القلعة، تم العثور في المنطقة المحيطة بالبرج على الكثير من الكسر الفخارية التي تعود إلى المرحلة البيزنطية والرومانية، كان يستخدم موقعاً استطلاعياً ومركزاً من مراكز الارتباط بين القلاع أو الأبراج الموجودة في هذا السهل، كـبرج ميعار وبرج طبرجا وبرج العرب، إن أهم ما يميز برج تخلة تموضعه على قمة جبل تخلة المرتفع الذي كان يعطيه ميزة المراقبة المباشرة على المناطق المحيطة به حيث كان يرصد تحركات الأعداء وينقل أخبارهم بواسطة إشعال النيران على السطح عند اكتشاف تحركاتها لتنقل القلاع المجاورة بدورها هذه الإشارات إلى القادة العسكريين.
يتبين من خلال دراسة الأسلوب الدفاعي المتبع في البرج ودقة بنائه ومخطط التحصينات عظمة شأنه والخبرة العسكرية الفائقة لأبناء المنطقة، حيث كان يوفر سلسلة من الخطوط الدفاعيّة المتعاقبة إضافة إلى العناية بالمداخل والتحصين الطبيعي للبرج من خلال الموقع الجغرافي الطبيعي، فقد تميز بناؤه بشكله المربع الذي يتكون من طابقين محمولين على قناطر، ويشكل الطابق العلوي قبة للطابق السفلي وهو مقسوم إلى سقائف، كما أن باب البرج ليس على الأرض وإنما يجب الصعود إليه على سقالة بواسطة سلم للوصول إلى مستوى الباب للدخول إلى البرج، وهذا يوفر حماية إضافية للمدافعين عن البرج وكان يوضع أمام الباب منجنيق لرمي الحجارة والسوائل الحارقة على المهاجمين إضافة إلى وجود سقالة ثانية تقسم الطابق الثاني إلى قسمين ليحفظ تحت السقف مخزن للتموين، كما أن الطابق الأرضي يمكن استخدامه عند الحاجة لمبيت الخيول، كما ميزت دفاعات القلعة بوجود ساتر ترابي أو حاجز خشبي أو سور حجري يحجزه خندق مائي من الأمام، وإنّ مثل هذه المنشآت تمثل أكثر من مجرّد عائق سلبي للمحاصرين، إذ تستطيع الحامية من ملجئها هذا خوض دفاع إيجابي، فواجهات السور الحجري كانت منصّة قتال جيدة التجهيز إذ توجد على واجهتها الداخلية شرفات جدارية على شكل متراس، عند ذروتها يستطيع المدافعون إطلاق مقذوفاتهم منها على العدو من خلال فتحات يتمترس خلفها رماة السهام، وتم تقوية الأسوار على امتدادها بمجموعة من الأبراج، وأصبح لهذه المنشآت الجديدة عدد من الوظائف المفيدة، فهي تزيد في متانة السور وتدعمه وتؤمن أماكن للراحة والإقامة وتمكن المدافعين من القتال على ارتفاع أعلى من ذلك الذي يؤمنه الممشى فوق السور.
حصن مرقية يقع حصن مرقية أو القلعة البرية على بعد 20كم شمالي طرطوس في منطقة تسمى الشرفة على رأس تلة معروفة اليوم باسم ضهر مرقية التي ترتفع عن سطح البحر 140م ويقع هذا الحصن مباشرة على الضفة الشمالية لنهر مرقية قبل مصبه في البحر بنحو 2.5 كم ويرجح أن الحصن يقع على تلة أثرية هي موقع مدينة ماراكاس المدينة الفينيقية التي تسمى خراب مرقية حالياً نسبة للخراب الذي حل بها، وقد مر هذا الحصن بعصور مختلفة متعاقبة منذ العصر الفينيقي واليوناني والروماني والبيزنطي والصليبي ثم العربي وتمتد من عصر البرونز حتى الفترة الصليبية، وتوجد فيها أساسات لأبنية وكهوف وقبور محفورة بالصخر، وهنالك بعض معالم معمارية أثرية، وكانت تابعة لجزيرة أرواد في القرن الثامن قبل الميلاد حيث كانت هذه المدينة البحرية الصغيرة مركزاً لتصدير الحبوب والخضر والفواكه من مقاطعة أرواد الفينيقية إلى مصر وغيرها من ممالك القسم الغربي من البحر المتوسط.
ولم يتبق من حصن مرقية في الوقت الحالي سوى بقايا لمعالم أثرية ومنها بهو كبير تنتشر ركامه على شكل قوس أبعاده 30 ×40 م، مبني من الحجارة النحتية وتقع حجارته دون مستوى البحر، وتوجد أربعة أعمدة تعلو ركام هذه الحجارة المندثرة في الشمال الشرقي منه، أرضيته غير مرصوفة وإلى جواره حوض عمقه نحو متر ما يدل على أنه أطلال البرج البحري المربع الشكل أبعاده 16 × 16م، ويوجد بالقرب من حصن مرقية دير قديم يطلق عليه اسم دير مرقيات.
قلعة بانياس قبل الحديث عن قلعة بانياس أجد أنه من المفيد أن نعطي لمحة بسيطة عن بانياس التي تتبع إدارياً لمحافظة طرطوس وتبعد عنها نحو40 كم من الجهة الشمالية، عرفت في العصر اليوناني والروماني باسم بالانيا وليوكاس ثم بلنياس وتعني الحمامات ومنه اشتق اسمها الحالي كما أطلق عليها الصليبيون اسم فاليني ويعتقد أن بانياس كنعانية الأصل عثر فيها على أعمدة من الغرانيت وطواحين مائية وقطع نقدية يعود تاريخها إلى عصور زمنية مختلفة رومانية وعربية وصليبية.
وتقع قلعة بانياس إلى الشمال من بانياس على هضبة مرتفعة شديدة الانحدار من جهاتها الثلاث وترتفع 816 م عن سطح البحر بنيت القلعة من الحجر الكلسي الأبيض بسماكة أربعة أمتار ومزودة بأربعة عشر برجاً للمراقبة والدفاع عن القلعة، والمنطقة المجاورة تحتوي على خزان كبير للمياه.

معاون وزير الثقافة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن