ثقافة وفن

«كلمات ثقافية» يتحدث عن مناسبات أدبية وثقافية قامت بها وزارة الثقافة … نحس بالفخار عندما نتذكر أن أجدادنا القدماء في أوغاريت هم الذين اخترعوا أول أبجدية عرفتها البشرية

سارة سلامة

يشتمل كتاب «كلمات ثقافية» الصادر حديثاً عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب، على مقالات عدة ألقيت في مناسبات تكريمية قامت بها وزارة الثقافة في النصف الثاني من عام 2005 ومطلع عام 2006، في ندوات فكرية ومهرجانات فنية عقدتها الوزارة وأقامتها في تلك الفترة، وتعد هذه الكلمات توثيقاً من جهة، وتعريفاً لأجيالنا الفتية بما كان يجري من مناسبات وأحداث ثقافية، وما كان يبحث في الندوات من موضوعات ثقافية، وما كان ينجز من فعاليات ومناشط في المهرجانات من جهة أخرى، هي ذاكرة أبدعها الوزير السابق محمود السيد لتبقى مخلدة في صفحات روزنامة لا تنسى وتبقى منارة للأجيال القادمة، والكتاب يقع في 136 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على عناوين عدة منها: «الأيام الثقافية في إيران، الرمزية والتأويل في فكر ابن عربي، مهرجان جبلة الثقافي الثاني، جائزة بايستوم للآثار، افتتاح أعمال المهرجان السينمائي الدولي»..

يوم الطفل العالمي
تحتوي الفعالية على نشاطات متعددة مثل معرض لكتب الأطفال، وغناء وفنون استعراضية وأفلام سينمائية ومسرحيات وألعاب خفة وعروض وخيال الظل ورسومات ومسابقات. وقال في تلك المناسبة السيد: (لم يكن اهتمام وزارة الثقافة بثقافة الطفل وليد عامنا هذا، وإنما يرجع هذا الاهتمام إلى ما أولاه باني سورية الحديثة القائد الخالد حافظ الأسد للطفولة من عناية ورعاية إذ يقول: نريد لأطفالنا أن يعيشوا طفولة سعيدة ملؤها العافية والعلم والمعرفة).
وكانت سورية من الدول السباقة إلى الانضمام إلى اتفاقية حقوق الطفل إذ صدر القانون رقم 8 لعام 1993، وعزز هذا النهج الرائد في الاهتمام بالطفولة ورعايتها السيد بشار الأسد وعقيلته الفاضلة السيدة أسماء الأسد احتضاناً لأطفال سورية وتشجيعاً لإبداعهم، وتأميناً لمستلزمات نموهم، وارتقاء بواقعهم عبر مشروعات رائدة كمشروع (فردوس) وغيره.
وفي ضوء هذه الرعاية الكريمة من قيادتنا الحكيمة قامت مديرية ثقافة الطفل بوزارة الثقافة بإصدار كتب متعددة للأطفال، وافتتحت دورات صيفية لهم، وهذه الدورات نوعية تشتمل على الرسم والنحت والخط العربي والموسيقا والباليه، وقد تم ترشيح 14 كتاباً للأطفال صادرة عن الوزارة إلى جائزة الأسيسكو، وأقامت ندوات مخصصة حول واقع أدب الأطفال في سورية وسبل تطويره، وأعدت مطوية خاصة بالثقافة المتحفية توزع على الأطفال في أثناء زياراتهم للمتاحف.
كما أعلنت عن مسابقات أدبية وفنية للأطفال ومسابقة لأدباء الأطفال قصة وشعراً، وها هي ذي ستعمل على توزيع الجوائز والمكافآت للفائزين في هذه المسابقات الأدبية قصة ومقالة وشعراً ورسماً في هذه المناسبة، مناسبة الاحتفاء بيوم الطفل العالمي.

ندوة الشاعر بدوي الجبل
وعقدت ندوة تكريمية بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين على رحيل الشاعر الكبير محمد سليمان الأحمد «بدوي الجبل» شاعر العربية والعروبة. وقال السيد: هو قامة إبداعية شامخة، لا يمكنني في هذه الكلمة العجلى أن أحيط بأبعاد شخصيته المتعددة الأطياف، المتنوعة المرامي، الغنية بالرؤى والتطلعات، والمتمرسة بالملمات، والصافية كالغدير في منأى عن أي صيغة أو كراهية، وهو القائل:
يشهد اللـه ما بقلبي حقد.. شف قلبي كما يشف الغدير
هذه الشخصية التي تحمل بين جوانحها نفسية أبية، ترفض المذلة والهوان، وقد عبر الشاعر عن هذه النفسية في قوله:
ونفسي لو أن الجمر مسّ إباءها.. على بشرها الريّان لاحترق الجمر
ولما كان ثمة استحالة في الوقوف على جميع وجوه شخصية مكرمنا رحمه الله، كانت لنا وقفة على إيمانه بالمحبة ديناً له وشعاراً وسلوكاً وممارسة، وعلى إيمانه بالحرية حرية الفكر والتعبير مبدأ ومنطلقاً إلى الحياة العزيزة الكريمة، وعلى انتمائه القومي، وتعلقه بالشام قبلة له ومحجاً، وأخيراً على بعض من حكمه وتفاؤله بانتصار الشعب وبقاء الأمة.
فتحت عيني على حبّ صفا وزكا.. فصنته لضياء العين إنسانا
اليوم العالمي لمحو الأمية

وفي يوم كهذا تحدث السيد قائلاً: إننا لنحس بالفخار عندما نتذكر أن أجدادنا القدماء في أوغاريت هم الذين اخترعوا أول أبجدية عرفتها البشرية، فكانوا رسل المعرفة والحضارة إلى العالم.
وإننا لنحس بالفخار أيضاً عندما يسطر التاريخ أن أجدادنا أسهموا إبان العصور الذهبية لأمتنا العربية الإسلامية في مسيرة الحضارة البشرية أيما إسهام، وذلك عندما استجابوا للنداء الإلهي (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).
فإذا هم بناة مدينة ورواد حضارة، سطع نجمها في الآفاق فكانت منارة مضيئة ومتميزة بألقها في مسيرة الحضارة البشرية.
ولقد أولى السيد الرئيس بشار الأسد تنمية الموارد البشرية تأهيلاً وتدريباً عنايته، ورعى المتفوقين والمبدعين على أنهم ثروة الأمة الحقيقية، ورسخ عقلية الانفتاح الحضاري وأساليب التفكير العلمي في معالجة القضايا وتجاوز المشكلات، مؤكداً أن الاستثمار في مناجم العقول لا يعدله أي استثمار آخر.
وغني عن البيان أن محو الأمية جزء من عملية إيقاظ وعي الشعب، الوعي العقلي والروحي له، وأن التحرر من الأمية يعني استعادة الروح الإنسانية، وهو واجب ديني إذ إن العلم فريضة على كل فرد ذكراً كان أم أنثى، وهو واجب وطني، إذ إن الوطن لا ينهض ولا يرتقي إلا على أكتاف المتعلمين من أبنائه، المواكبين لروح العصر، وهو واجب إنساني إذ إن الإنسان لا يعد إنساناً يمارس إنسانيته الحقة إلا إذا كان متعلماً، ولا يمارس حريته إلا إذا كان قارئاً حقاً، ذلك لأن الكلمة المكتوبة هي كلمة السر التي تفتح أبواب كل الحريات.
مصطفى العقاد

وهنا نقل وزير الثقافة تعازي السيد الرئيس بشار الأسد إلى أهل الفقيد وذويه، ومنحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تقديراً لإبداعه وخدمة وطنه وأمته، وفي هذا المقام قال السيد: ما أصعب فقدان الرجال العظام! وما أقسى رحيل المبدعين مرسخي قيم الحق والخير والجمال في عالمنا! وما أمر غيابهم على أيدي الغدر والخيانة والإجرام!.
ما أصعب أن نفتقد قامة ثقافية شامخة كقامة الشهيد المرحوم مصطفى العقاد في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى رجال مخلصين ومنتمين يكونون سفراء لأمتهم على الصعيد الثقافي العالمي على النحو الذي كان عليه فقيدنا الغالي.
إن فقدانه ليس خسارة عربية سورية فقط وإنما هي خسارة على الصعيدين القومي والعالمي.
إن غياب العقاد أحد رواد الثقافة العربية والعالمية وأحد مبدعيها في الميدان السينمائي يعد مصاباً كبيراً في فترة تعاني فيها المنظومة الثقافية العربية تحديات كبيرة تستهدف ذاتيتها وهويتها العربية، وهو المدافع عنها، والأمين على إبلاغ رسالتها الحضارية إلى العالم.
لقد وهب نفسه وفنه لقضايا أمته، وحمل الهم القومي في حله وترحاله، وكان مؤمناً أعمق الإيمان برسالة أمته العربية الإنسانية والحضارية، ولقد جسد إيمانه في فيلمه السينمائي المشهور(الرسالة) حيث عمل على إبلاغ رسالة أمته العربية والقيم الإنسانية الرائعة محبة وخيراً وسلاماً للناس كافة. وتشاء الأقدار أن يكون استشهاده على أيدي نفر يدعون الإسلام والإسلام منهم براء.
فشوهوا تلك الرسالة السمحة، ونفذوا مخططات أعداء الأمة من دون أي وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني بعد أن تجردوا من أي نزعة إنسانية، فكان عملهم الإجرامي حصاد الأرواح البريئة ومنها روح فقيدنا الغالي مصطفى العقاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن