ثقافة وفن

أدب الأطفال في سورية منذ بداية الأزمة… حتى الآن … أطفال لم يعرفوا مجلة الطفل أو محتواها أو شكلها بسبب الحرب

| هناء أبو أسعد

أدب الأطفال ضرورة ثقافية، تربوية… ودعامة رئيسية في تكون شخصيات الأطفال عن طريق إسهامه في نموهم العقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي واللغوي، وتطوير مداركهم وإغناء حياتهم بالثقافة، وتوسيع خيالهم ونظرتهم إلى الحياة، فهو أداة تنمية معرفية للفكر والخيال معاً، وشرط لازم من شروط التنمية الثقافية، وضرورة وطنية وقومية لمواجهة الغزو الثقافي والإعلامي الاستعماري.
وقد أجمع أدباء الأطفال في العالم على خطورة وضع الأطفال في عالمنا الراهن والمخاطر التي تقف في وجه أدب الأطفال في ظل التحديات التي تواجه الثقافة والتربية، بشكل عام وليس الأطفال فقط، مع انتشار التكنولوجيا ووسائط الاتصال الحديث والتقنيات المتطورة الهائلة التي جعلت الطفل يبتعد بشكل كبير عن الأسرة والكتاب.

واقع أدب الأطفال في سورية
يلعب أدب الأطفال بما فيه من قصص وأشعار وحكايات كما قلنا دوراً بارزاً في عمليات التنمية الثقافية والاجتماعية وتنمية قدرات الطفل على الإبداع والابتكار… وفي سورية نلحظ اهتماماً كبيراً بهذا النوع من الأدب.
يقول سراج جراد (أديب وكاتب أطفال): تراجع أدب الأطفال تراجعاً ملحوظاً منذ بداية الأزمة السورية حتى اللحظة الرّاهنة لعدّة أسباب: أوّلها: عدم وصول مجلات الأطفال التي كانت ترفد المشهد الثقافي الطفلي في سوريّة والتي كان لها حضور فاعل مثل مجلة أسامة والعربي الصغير وماجد وبراعم الإيمان وتوتة توتة وأحمد وغيرها، ما أثر سلباً في الأطفال باعتبارهم الشريحة الأكثر قراءة في الوطن العربي، فنتج عن ذلك وجود شريحة طفلية لا تعرف ما مجلة الأطفال وما دورها وما محتواها، وبذلك نرى رداءة أساليب الأطفال التعبيريّة واللغوية وحتى الخطابيّة، يبقى أن نتكلم أن لارتفاع أسعار مجلات الأطفال كان له دور سلبي على الطفل، مجلة ماجد مثلاً كان سعرها ٢٥ ليرة سورية، الآن سعرها ٣٥٠ ليرة سورية، أي تضاعف سعرها إلى ١٢ ضعفاً، ما يجعل تأمين الرغيف أولى وأهم من مجلة الطفل.
قضية أخرى هي الإعلام الطفلي المشوّه الذي يرمي إلى زرع قيم ومفاهيم مغايرة للقيم والمفاهيم العربية ناهيك عن البرامج التي تدعو الطفل للعدوانية والتقليد الأعمى ولهذا أثر سلبي كبير في تكوين الطفل وتنشئته.
وثانياً: وعلى صعيد أديب الأطفال فقد قلَّ إنتاجه لعدم وجود مؤسسات داعمة له لينشر فيها نتاجه، وهناك مَن توقّف عن الكتابة نهائياً لعدم وجود حقل معرفي صحّي ينشر فيها أدبه.
اقتصر النشر على المؤسسات الحكومية كاتحاد الكتاب العرب والهيئة العامة السورية للكتاب لكونهما الداعمين الحقيقيين للأديب، ولكنهما في الوقت نفسه تقف بوجه الأديب بشكل أو بآخر بتحديد نشر كتاب واحد للأديب سنوياً، وهذا بحد ذاته يقلّص من عملية الإبداع والتميّز.
بقي دور مجلة أسامة وشامة العاجزتين عن رفد الطفولة بالمطلوب كرافد أدبي حقيقي لكونهما تصدران شهرياً وهذا لا يُلبّي حاجة الطفل النفسية والمعرفيّة.

قحطان بيرقدار«أديب وشاعر،
رئيس تحرير مجلة أسامة»
إذا نظرنا في حال أدب الأطفال خلال فترة الأزمة في سورية فإننا لا نلاحظ اختلافاً كبيراً طرأ عليه، بل لعله في الغالب الأعمّ راوحَ في مكانه ولا يزال. ولن نستسلمَ لمقولةِ أنه شهدَ تَراجُعاً كالذي شهدته مجالات أدبيّة وفنية أُخرى، وإن كانتْ ليست ببعيدة عن الصواب، ولكنْ في السنوات الثلاث الأخيرة بدأنا نلاحظ نشاطاً ملحوظاً فيما يخص المطبوعات الموجهة إلى الطفل، وقد تجلّى ذلك بوضوح في معرض كتاب الطفل الأول الذي أقامته وزارة الثقافة السورية في مكتبة الأسد الوطنية في أواخر تشرين الأول 2018، خصوصاً جناح الهيئة العامة السورية للكتاب الذي شَهِدَ إقبالاً كبيراً من تلاميذ المدارس، إذ كانت كُتبُ الأطفال فيه تُوزَّع على نحو شبهِ مجانيّ تقريباً، وأستطيع أن أقول بثقة إن أدب الأطفال المحتوى في المنشورات التي تصدرها الهيئة العامة السورية للكتاب/مديرية ثقافة الطفل/ يتسم بالجدية والجدّة والتنوّع ومواكبته لواقع طفل اليوم.
من خلال عملي رئيساً لتحرير مجلة أسامة، لاحظتُ في أثناء سنوات الأزمة أن هناك أقلاماً شابّةً جديدةً مندفعةً بقوة في اتجاه الكتابة في أدب الأطفال، ولاسيما الكاتبات، وأستطيع أن أقول من خلال اطّلاعي على نصوصِ كثيرٍ منها إن هناك حركةً أدبيةً جديدةً في عالم الكتابة للطفل قادمة وبقوة ومُبشِّرة، ومن سمات هذه الحركة مواكبةُ طفلِ اليوم الذي وُلد في ظل الأزمة في جوانب كثيرة من حياته بأساليب جديدة وطريفة بعيدة عن الأنماط الكلاسيكية المعهودة، ولعلّ القصة الموجهة إلى الطفل هي الجنس الأدبي الأكثر تداولاً في هذا الصدد.
من ناحية أُخرى، أرى أن الأدب الذي يكتبه الطفلُ نفسُهُ يشهدُ تطوّراً ملحوظاً، وقد لاحظتُ من خلال اطلاعي على كثير من النصوص الأدبية التي كتبها الأطفال أن الطفل السوري هو طفلٌ واعٍ، يُدرك تماماً ما يحدثُ حوله، ويُعبِّرُ عنه بقوةٍ وبصدق وعفوية.

قحطان الطلاع (فنان تشكيلي، رئيس تحرير مجلة شامة للأطفال سابقا)
يبقى لأدب الأطفال متعته الجميلة، فهو أحد الآداب المحببة إلى قلبي، وقد تعاملتُ معه كفنان ولي رسومات عديدة في مجال أدب الطفل.
في العموم، وعلى الرغم مما تعانيه الساحة الطفلية من صعوبات، حيث يؤثر ارتفاع سعر كتاب الأطفال في القدرة الشرائية سواء للطفل أم للأهل على التعامل الأمثل للكتاب الموجه للطفل، فالطفل بطبيعته يحب الألوان والرسومات وغيرها، ولكن الطباعة التجارية أثّرت كثيراً في أدب الطفل، فصرنا نلتقي مع أطفال لا يعرفون القصة ولا يتعاملون معها، بل جل اهتمامهم منصب إلى الألعاب الإلكترونية، والكل يعلم أثرها السيئ في عقلية ونفسية الطفل…. أتمنى أن يتعافى أدب الطفل ويصبح له شأن كبير في المستقبل القريب.

أسعد الديري «كاتب شعر
وقصص للأطفال»
من المؤسف أن أقول «إن الأزمة التي مر بها وطننا الحبيب» شوهت ذاكرة الأطفال، لأنها حولت
الزهرة إلى رصاصة..
والحدائق إلى مقابر..
والمدارس إلى ملاجئ..
ودفعت الشمس والقمر والنجوم إلى البكاء..
لأنها اغتالت الفراشات والعصافير والبلابل في وضح النهار
وذبحت أحلام الأطفال وأمنياتهم قبل أن يستيقظوا من سباتهم
وأدباء الأطفال مازالوا يقفون أمام هذا المشهد بذهول.. فقد عقدت لسانهم المفاجأة.. وتساءلوا، وما زالوا يتساءلون ـ كيف سيخلصون ذاكرة الأطفال من هذه الأوشاب التي علقت بها، وهذه الجرائم القذرة التي تراكمت فيها..؟
لذا لابد من تضافر جهود وسائل الإعلام «المرئية والمسموعة والمقروءة» لإعادة الأطفال إلى أحضان البراءة والنقاء والصفاء والجمال، ودوما كنت أقول «إن الأمة – أي أمة – تريد أن ترتقي سلم الحضارة ولا تولي الأطفال أهمية بالغة، فإنها تبحث عن حضارة عرجاء»، ولا أشك أن أدباء الأطفال في الأيام القادمة يخبئون في جعبتهم المزيد من العطاء للارتقاء بأدب الطفل.. وإن غداً لناظره قريب.
في الختام، يتلقى الطفل المنتوجات الأدبية والفنية كافة ويتأثر فيها تأثيرا مباشرا، وتنغرس في ذاكرته للأبد، لذا لابد من الاهتمام بأدب الطفل ودعمه لأنه الدعامة الأساسية لبناء جيل واع ومثقف وخاصة أننا نشاهد ما يقدمه العدو من غزو ثقافيٍ وإعلامي من برامج تشوه عقل وفكر الطفل بأشياء لا تمت لبيئتنا ولا لمجتمعنا بأي صلة، محاولة بذلك توجيهه إلى اتجاهات لا تحمد عقباها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن