ثقافة وفن

أغانينا الشعبية من المهد والأمومة إلى عشق الوطن غنية بالوجدان

| منير كيال

الأغنية الشعبية قصيدة ملحنة، وهي مجهولة الأصل. وقد شاعت بالمجتمع الشعبي، ولا تزال حيّة بوجدانه.
وتتكون هذه الأغنية من عنصرين أساسيين حيث يندمج كل منها بالآخر، وهذان العنصران هما: نصّ الأغنية ولحنها.
وترتبط هذه الأغنية بدورة حياة الإنسان ومعتقده، كما ترتبط بأوقات سمره وأوقات ضيقه وملله. لكونها تنطلق من عواطف الناس ومشاعرهم. وهي على ما هي عليه من القدرة على ربط الماضي بالحاضر ومقدرة من التعبير عن نفسيّة المجتمع وأفكاره وتطلعاته، ربما تحمله من عفوية وصدق وعاطفة. فهي أهم عناصر التراث الشعبي المحكيّ شيوعاً، بعد الأمثال الشعبية. ولعل هذا ما يفسر ترديدها في المناسبات.
وقد عرفت أغانينا الشعبية أنماطاً عديدة، منها ما كان بالحب والغزل، وما كان بالتزلّف للمحبوب، أو التشبيب به، وما كان في المديح القائم على ذكر ما عليه الممدوح بالأغنية من شمائل ومكارم. بل إن منها ما كان في الرثاء والتفجّع.

وإذا كانت أغانينا الشعبية تعبّر عن بنية الثقافة الشعبية، فإنها تتسم بالبساطة والفطرة والتنوع في الإيقاع والرويّ. وكذلك الجرس الموسيقي.. ما يجعلها خفيفة الظلّ سهلة الحفظ سريعة الانتشار والتداول. بما تصوره لواقع الحياة بكل ما في ذلك من معنى.
وإذا توقفنا عند المضمون الوجداني لهذه الأغنية، نجد أن من الأغاني الشعبية ما كان من أغاني المهد والطفولة التي تعبّر عن عواطف الأمومة بما يثير المشاعر ويحرّك الأحاسيس.
ومن ذلك ما كان يعبّر عن مشاعر الكنّة تجاه حماتها (والدة زوجها) يوم كانت الحماة ترى أن زوجة ابنها ليست أكثر من حذاء لقدميه، يرميه متى يشاء، فالكنة عند الحماة لدى الأجيال السابقة ليست أكثر من متاع. وعليها أن تقوم بخدمتها وخدمة البيت على مبدأ لقمتك بخدمتك.
أما ما كان من ارتباط الأغنية بالوجدان الجمعي فإن الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. ومن ذلك ما كان من شعور الأطفال بعداوة زوجة أبيهم من غير أمهم، ونذكر من ذلك الأغنية التالية التي كان يرددها الأطفال بحق ضرّة أمهم أو زوجة أبيهم:
أنا الطير الأخضر
بمشي وبتبختر
خالتي دبحتني
أبي أكل لحمي
أختي الحنونة
تلمّ عظامي وتبكي.
فضلاً عن ذلك، يمكن أن تنسحب الأغنية الشعبية على العمل، لما لها من دور بتسيير العمل، وبذل العامل لجهد من خلال توقيع حركة عمله مع أغنية شعبية بتوافق إيقاع العمل مع أصداء أغنية شعبية أو التغني بها. خلال عمله. ومن ذلك أن عامل النسيج وراء نوله التقليدي من حيث أن حركة مكّوك النول يمنة ويسرة تتوافق مع أغنية مناسبة لذلك العمل.
إذا توقفنا عند تماشي الأغنية الشعبية مع تطور المجتمع، نجد أن هذه الأغنية قد تعايشت مع تطور معطيات الحياة وذلك من خلال الرواية الشفاهية لهذه الأغنية ذلك أن مضامين الأغنية الشعبية تتلاءم مع الظروف الجديدة التي يعيشها المجتمع مهما تعدّدت هذه الظروف، وإن تطلب ذلك حذف فكرة أو جملة من هذه الأغنية أو زيادة بها، إذا لم يكن داع يتطلب صياغة أغنية جديدة ولّدها الحدث الذي يعيشه المجتمع.
أما أبرز مطالع هذه الأغنية فإنها تندرج بمجموعات منها العتابا والروزنا والميجانا وأبو الزلف والدلعونا والمواليا… وبالطبع فإن لكل منها خصائص وسمات فنيّة وإيقاعية.
فالعتابا كان نظمها على الأحاسيس والظروف الاجتماعية التي عاشها الناس، ومنها ما كان يقوم على الشكوى وعتاب الدهر على ما ينزل بالناس واللوعة على فراق الأحبة.
والميجانا تعبّر عما يعانيه المحب من المحبوب بطابع من المزاح والمداعبة.
أما الدلعونا وهي من الدلع والدلال والغنج.
والروزنا لا تعدو عن كوّة أو فتحة بالجدار كان من خلالها يغازل حبيب معشوقته فقامت والدة الفتاة المحبوبة بسدّ هذه الفتحة، فقالت الفتاة مغنّية رداّ على أمها:
عالروزنة عالروزنا كل الهنا فيها
شو عملت الروزنا حتى تسدّيها.
فانتشرت هذه الأغنية على كل لسان، وكان على وزنها العديد من الأغاني، كما أن أغاني أبي الزلف لون آخر من الغناء الشعبي، يعبر عن لوعة المحب، وهو يدل على من استبدّ به الحب بصيغة المذكر.
ولا بد من الإشارة إلى أن المواليا من الموالاة، وهي ضرب من فنون القول الشعبي الوثيق الصلة بالناس وأسلوب حياتهم، وهي من الأغاني الشعبية التي تميزت ببساطة الكلمة وعمق المعنى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن