نوايا حكومية في «الجمعية البريطانية السورية» … خميس: الحكومة ستطرح البرنامج الوطني لنقاش موسع يشارك فيه الجميع … الأخرس: تفاقم الأزمة مرده للاحتكار والحصار الخارجي وغياب خطة للتعامل مع الأزمات والفساد
| المحرر الاقتصادي - محمد راكان مصطفى
الأضرار والخسائر الجسيمة التي لحقت برأس المال المادي والبشري والاجتماعي ومكونات التنمية في سورية من جراء الحرب التي فرضت عليها أوجب على الحكومة وضع خطة إستراتيجية متكاملة لمرحلة ما بعد الحرب، تستند إلى مقدرات المجتمع والاقتصاد السوري على التعافي والنمو وتظهر بالوقت نفسه توجه الحكومة وخططها في رسم المشهد السوري في المرحلة المقبلة.
لذلك قامت الحكومة السورية بإطلاق «البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الأزمة» للتأكيد على الملكية الوطنية لمستقبل سورية وضرورة التخطيط له والنهوض بجميع مكونات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يقوم هذا البرنامج على خمسة محاور رئيسة هي المحور المؤسسي والخدمي واقتصادي والاجتماعي والسياسي.
في هذا السياق، افتتح المؤتمر الثالث للجمعية السورية البريطانية يوم أمس الأول، واستمر ليومين، حيث تم تخصيصه لمناقشة الرؤية الوطنية المتكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في إطار البرنامج الوطنيّ التنمويّ لسورية في ما بعد الحرب، والذي تضعه الحكومة ليكون الخطة التوجيهية لسورية خلال السنوات القادمة، وحتى أفق عام 2030.
وخلال كلمة له بافتتاح المؤتمر، أكد رئيس مجلس الوزراء عماد خميس أن الحرب المفروضة على سورية خلال السنوات الماضية، أوجبت على الحكومة وضع خطة إستراتيجية لمرحلة ما بعد الحرب، تهدف إلى معالجة آثار الأزمة، واستعادة مسارات التنمية، وتستند إلى قدرة المجتمع والاقتصاد السوريّ على الصمود والتعافي والنموّ، باتجاه إعادة الاقتصاد والمجتمع السوريّين إلى المسار التنمويّ الصحيح، ويعدّ هذا العمل من أولى أولويات الحكومة السورية، إذ إنه يفضي إلى إظهار وجهة نظر الحكومة السورية، وبيان خططها الهادفة إلى رسم المشهد السوري في المرحلة المقبلة.
وأضاف خميس: بغية أن يكون التخطيط مستمداً من الواقع، ويتماشى مع خروجنا التدريجيّ من الأزمة، واستثمار التطوّرات الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة بفضل انتصارات قواتنا المسلحة المتلاحقة، فقد جرى تقسيم البرنامج زمنياً إلى أربع مراحل الأولى مرحلة الإغاثة والاستجابة للاحتياجات، تليها مرحلة التعافي، التي يجري فيها التركيز على نشاطات إعادة الإعمار، ثم مرحلة الانتعاش، التي تهدف إلى البدء بإعادة رسم ملامح الاقتصاد السوري المتكامل وأخيراً مرحلة الاستدامة التنموية، التي تشهد وضع السياسات والآليات التي تضمن استدامة التنمية بأبعادها المختلفة، وتشكّل هوية الاقتصاد السوري الحديث.
وتابع: بعد تحديد الرؤى والأهداف الإستراتيجية، جرى وضع إطار برامجي يتضمن مجموعة من البرامج التنفيذية والمشاريع التي تسمح عند تنفيذها بالوصول إلى الأهداف الموضوعة، وسيجري التركيز على العلاقة بين تنفيذ المشاريع والأولويات المحددة وفق مراحل البرنامج والإمكانات المتاحة والأوضاع الداخليّة والدولية وستطرح خلال المرحلة القادمة مكوّنات البرنامج إلى نقاش موسّع، تشارك فيه جهات القطاع العام والخاص والمجتمع الأهليّ، وصولاً إلى تبن مجتمعي له.
وختم خميس حديثه بالقول «إن تحقيق الإطار البرامجي التنفيذي لسورية ما بعد الحرب يرتبط بمواجهة مجموعة من التحديات، منها ما يتعلّق بالحصار الاقتصادي والإجراءات القسرية الجائرة المفروضة على سورية، والدمار الواسع في البنى التحتية الذي خلفته الحرب، وبمحدودية الموارد المالية والبشرية، إضافة إلى التهديدات الخارجية والإرهاب».
من جانبه، قال رئيس الجمعية البريطانية السورية فواز الأخرس في كلمته الافتتاحية: نأمل أن تكون النقاشات والحوارات في مؤتمر الجمعية فرصة للحوار بين الحكومة والمواطن وأن يكون هذا الحوار شفافاً بكل معاني الكلمة ويطرح المشاكل، والحلول لهذه المشكلات بما ينعكس على حياة الناس.
ورأى الأخرس أن تفاقم الأزمة ليس فقط بسبب سياسة الاحتكار التي يمارسها تجار الحرب وما أكثرهم في هذه الأيام، بل وبسبب الحصار الخارجي الخانق التي فرضته دول الغرب والعدوان، وغياب خطة شاملة للتعامل مع تلك الأزمات، مما نتج عنه عجز واضح عن توفير الطاقة الكهربائية والمواد البترولية والسلع الضرورية، إضافة لغياب سياسة فعالة لضبط الأسواق والحد من انتشار الفساد وتفشي الرشاوى التي اخترقت العديد من شرائح المجتمع.
وأشار الأخرس إلى أنه انطلاقاً مما سبق ولوعي الحكومة لهذه المرحلة وضعت البرنامج الوطني التنموي للنهوض بالاقتصاد في المرحلة القادمة والخروج من حالة الحرب.
أما رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي عماد صابوني فقد بين في محاضرة له بعنوان «برنامج إصلاح القطاع الاقتصادي العام والتكامل مع القطاعات الإدارية والخدمية الأخرى» أن مشكلات القطاع العام الاقتصادي هي مشكلات إدارية واقتصادية على حد سواء، وهذا ما يجعل أي برنامج يهدف إلى معالجة هذا المشكلات؛ برنامجاً اقتصادياً مؤسساتياً إدارياً، في وقت واحد.
وأشار إلى أن القطاع العام الاقتصادي في سورية يضم 230 جهة عاملة اقتصادية، نحو 100 مؤسسة مستقلة يتبع لها 130 شركة تتوزع إلى قطاعات مختلفة زراعة صناعة تجارة قطاع مصرفي، موضحاً أن هذا الحجم الكبير للقطاع العام الاقتصادي هو إحدى القضايا التي يجب التعامل معها بصورة واضحة حين التصدي لعملية الإصلاح.
وأكد صابوني أن إصلاح القطاع العام الاقتصادي في إطار البرنامج الزمني لسورية فيما بعد الحرب يقوم على معالجة المشكلات على مستويين، المستوى الاقتصادي المرتبط بالتحول البنيوي للاقتصاد السوري والمستوى الإداري المرتبط بالاعتماد على البناء المؤسسي والبناء والإصلاح الإداري وتطوير مفهوم الخدمة العامة والمرفق العام وما يسمى اللامركزية.
ولفت إلى أن عملية الإصلاح تستند إلى 6 مكونات، الأول هو بناء الإطار القانوني المرتبط بنماذج الحوكمة وآليات إحداث وتنظيم المؤسسات العامة وتطوير البنية التشريعية ذات الصلة، والمكون الثاني هو تصنيف الجهات العامة وفق مجموعة من المعاير التي تم البدء بالعمل عليها تتعلق بنطاق عملها وأهميتها الإستراتيجية وعلاقتها بالجهات الأخرى بسلسلة الإنتاج وعلاقتها بسياسات الدعم وأداء وفي حجم وفائض العمالة فيها، أما المكون الثالث فهو التحليل الذي يستند إلى تحليل إداري وتنظمي وإلى تحليل اقتصادي ومالي، يدرس واقع العمالة الفائضة ويعالجها.
ويتضمن المكون الرابع مجموعة من أدلة العمل التي يجب أن تكون بين أيدي من يعملون على عملية الإصلاح على الأرض، في حين يركز المكون الخامس على العمل التنفيذي من خلال إعادة الهيكلة التنظيمية التي تستند إلى نتائج التصنيف لاتخاذ قرار يتعلق بكل مؤسسة أما الإبقاء على شكلها أو دمجها مع شركات أخرى أو تجزئتها أو حتى حلها وتصفيتها، ليركز المكون السادس على وضع البنى التنظيمية والأنظمة الداخلية وتشكيل مجالس الإدارة ومعالجة قضايا العمالة وتطوير الموارد البشرية.
عودة تدريجية للنمو الاقتصادي
بيّن معاون رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي فضل اللـه غرز الدين أن وسطي معدل النمو بين عامي 2001-2010 بلغ 5.2 بالمئة، على حين بلغ نحو -11.5% خلال الفترة ٢٠١١-2016، منوهاً في محاضرة له بعنوان «النمو الاقتصادي في سورية» أن معدل النمو الاقتصادي كان ضعف معدل النمو السكاني تقريباً.
ولفت إلى العودة التدريجية للنمو الاقتصادي من عام 2014 مع بدء عودة الأمان، مؤكداً أن الاستثمار والخدمات هي المساهم الأكبر في النمو، مشيراً إلى انخفاض مساهمته خلال الحرب، مع مساهمة ضعيفة للزراعة والصناعة، وهذا يعني حالة تخلخل في النمو، وهو ما تعمق خلال الأزمة، حيث أصبحت المساهمة سلبية لكل القطاعات وخاصة الزراعة، علماً بأن الجزء الأكبر من الناتج هو للاستهلاك الفردي.
وبلغة الأرقام، بين غرز الدين أن نسبة مساهمة حلب في الناتج الإجمالي المحلي تبلغ ١٦% ومساهمة دمشق 12٪، مؤكداً أن هذه النسب بقيت على حالها تقريباً خلال الحرب.
ولفت غرز الدين إلى أن انخفاض إنتاجية العمل في الزراعة والصناعة وانخفاض مستوى الكفاءة ورأس المال البشري والبحث والتطوير والعامل التقني، إضافة إلى الارتباط الكبير بين الإنتاج والعوامل المناخية والسياسة الخارجية.
وبيّن أن المخطط في مشروع سورية لما بعد الأزمة يتضمن معالجة الاختلالات في الاقتصاد السوري لتمكينه من إنجاز التحول البنيوي ومكافحة الركود التضخمي، وتوزيع عوائد النمو، وتنويع مصادر الدخل وتعزز الادخار والاستثمار وتطوير القطاع المالي والنهوض بالصناعة التحويلية والإنتاج الموجه للتصدير، وتنويع القاعدة الإنتاجية وتطوير المنتجات غير التقليدية، وهذا ما يتطلب إصلاح القطاع العام الاقتصادي، وإصلاح المالية العامة، وإدارة التضخم واستقرار الأسعار، ودعم التنمية المتوازنة.
قراءة في سياسات المركزي
أكد حاكم مصرف سورية المركزي حازم قرفول أن المصرف اعتمد سياسة التدخل في سوق الصرف أي تبني سياسة عرجاء، غيب فيها باقي الأدوات النقدية ولاسيما سعر الفائدة، إضافة إلى تحييد المصارف وذلك منذ بداية الأزمة وحتى منتصف 2016.
وفي محاضرة له بعنوان «السياسات المالية والنقدية»، أشار قرفول إلى ارتفاع معدل التضخم 112% في عام 2013، وإلى تجاوز سعر الدولار 650 ل.س في منتصف أيار 2016، منوهاً بالاستنزاف الكبير في الاحتياطات النقدية.
وأوضح أن المركزي تبنى سياسة جديدة بين تموز 2016 وأيلول 2018 من خلال القطيعة مع السياسة السابقة بموجب القرار 257 تاريخ 8/8/2016، وتفعيل دور المصارف في السوق ما ساهم بتخفيف التقلب في سعر الصرف.
وأشار إلى أنه يؤخذ على هذه السياسة تبني مقاربة تقنية للسياسة النقدية على حساب المقاربة التقليدية واعتبار أنظمة التسوية والتقاص الإلكترونية بمنزلة العصا السحرية لحل أوجاع الاقتصاد، لافتاً إلى أنه منذ 27/11/2017 تم تخفيض سعر الصرف رسمياً واستقراره عند 435.
وذكر قرفول وجود 143 فرعاً مصرفياً متوقفاً، مبيناً وجود 549 منها 297 عامة، و252 خاصة، منوهاً بارتفاع الودائع بين 2011-2017، على حين انخفض نمو الودائع بين 2017-2018 بسب التنمية في المصارف، لافتاً إلى أن نمو التسليف كان أقل من الودائع.
وأوضح أنه منذ أيلول 2018 وحتى الآن تم تبني سياسة تهدف إلى استعادة القدرة الشرائية لليرة السورية وتعزيز الثقة والشراكة والالتزام بين المركزي وبقية الجهات، وتقوم على االحوار المباشر والتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات، والتوجه إلى اعتماد إجراءات بناء الثقة من خلال إعادة النظر بالقرارات السابقة التي شكلت قيوداً على النشاط الاقتصادي مثل حبس النقد والعمل على إزالة الاختناقات، والعمل على امتصاص السيولة من خلال طرح أدوات نقدية مثل شهادات الإيداع وأذونات الخزينة، بالإضافة إلى تعزيز الشمول المالي وتطوير الخدمات المصرفية وإيصالها إلى أكبر شريحة من المواطنين وخلق الحافز داخل الاقتصاد الوطني من خلال اعتماد آلية شاملة متكاملة للدعم.
وبيّن قرفول أن أهم السمات العامة للسياسة النقدية سابقاً تمثلت بغياب الرؤية الاستراتيجية، إضافة لمنح سعر الصرف الوزن النسبي الأكبر على حساب بقية الأدوات النقدية بالإضافة إلى غياب التصور الواضح لمجلس النقد والتسليف وغياب التنسيق مع وزارة المالية.
بدوره، بين وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر خليل أن القطاع الخاص توجه نحو الاستثمارات التي كانت حكراً على الحكومة مع بداية العام 2000، إلا أن ذلك لم يحقق فروقات مكافئة لمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، حيث تركزت الاستثمارات في قطاعات العقارات والمصارف، على حين تركز الاستثمار الخارجي في قطاع الطاقة ما أبقى على حالة الخلل البنيوي في الاقتصاد وهذا ما عمق من هشاشة النمو الاقتصادي.
وفي محاضرة له بعنوان «الاستثمار ودور القطاع الخاص في تمويل التنمية» أوضح خليل أن القطاعات ذات الريعية العالية والسريعة كانت نقاط الجذب الرئيسة للاستثمارات الخاصة، لتأتي الحرب وتسهم بتعميق هذه المشكلة، إلى جانب خروج الرساميل، لذا يتم العمل حالياً على عملية البناء التشريعي والتنظيمي في الاستثمار لسد الفجوة التي سببتها غياب الاستثمارات في القطاعات الحيوية، وخلق بيئة تمكينية للاستثمارات والأعمال في سورية من خلال التشجيع على الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية الحقيقية، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتوجه لاستقدام ما أمكن من تقنيات لدعم الاستدامة في التنمية بعد إزالة العقوبات الاقتصادية، والاهتمام بالتشاركية، وإنهاء مشروع قانون الاستثمار الجديد بحيث يكون محفز وجاذب للاستثمار باعتباره نقطة ارتكاز أساسية في الخطة لما بعد الحرب، وهو يشكل مظلة قانونية واحدة لجميع القطاعات وتبسيط الإجراءات وجدولة الزمن.
وفي محاضرة لهة بعنوان «التشريعات الاقتصادية والمالية» بين عضو المجلس الاستشاري في رئاسة مجلس الوزراء موسى متري أن المشكلة لم تكن في قوانين الاستثمار، والتشاركية، والتأجير التمويلي، معتبراً أن المشكلة لم تكن بالتشريعات بل في التطبيق، فالتشريعات مقبولة، لكن هذا لا يعني عدم وجود بعض الملاحظات عليها وأن بعضها يحتاج تعديل، منوهاً بأن قانون الاستثمار يمتاز بصعوبة التطبيق، وقانون التشاركية أيضاً تطبيقه صعب، لأنه يخص المشاريع الكبيرة وليست الصغيرة بشكل أساسي مثل مشاريع البنى التحتية.
ورأى أن أهم ما يميز قانون التشاركية أنه الوحيد الذي يتكلم عن توطين وحيازة التقنية وتحديداً حيازة وطنية للتقنية عبر المؤسسات وليس الأفراد، أما بالنسبة لقانون التأجير التمويلي 2008 فقد منعت الحرب تنفيذه لأن تأسيس شركات التأجير التمويلي يتطلب شريكاً إستراتيجياً.
وأشار متري إلى اقتراح عدد من التشريعات منها قانون للتوريق بمعنى تحويل الديون إلى سندات مضمونة وتداولها في البورصة وهذا ما يزيد قدرة المصارف على الإقراض وتوفير السيولة وتحويل المخاطر إلى الغير، وتنشيط السوق المالية، إضافة إلى قانون لتأسيس محكمة تحكيم وطنية أسوة بمحكمة التحكيم الدولية ممكن بالتعاون مع غرف التجارة والصناعة لحل النزاعات التجارية، إضافة إلى قانون لتشجيع تحويل الشركات إلى مساهمة مغفلة عامة وخاصة.
ونوه بأنه يجب العمل على مسودة قانون تحويل الشركات الذي اقترحته سوق دمشق للأوراق المالية إضافة لعدم فرض أي ضريبة أو رسم وتشجيع تأسيس شركات الاستثمار على شكل شركات مساهمة مغفلة وإلغاء النصوص الضريبية التي تميز بين شركات الأشخاص وشركات الأموال.