ثقافة وفن

يُتْم أغنية الطفولة شعراً ولحناً وصوتاً … بين الثقافة والتربية والإعلام تضيع موسيقا الأطفال ضمن إهمال واضح

| سوسن صيداوي

ليس مستغربا أبداً.. فكلّ من يحمل طفلاً من حديثي الولادة إلى عمر أكبر، سواء من الأمهات أم الجدات… إلخ، الكل ومن دون استثناء يضم الطفل إلى قلبه بحنو كبير، ويتأمل طلّته الملائكية ويبدأ على الفور بالهدهدة له، هذه الهدهدة تعرفها كل البشرية، بكل اللغات، من دون التمييز بين عرق أو دين، ولا حتى جنسية بلد، فالموحّد الأكبر بالطبع للبشرية قاطبة، هو الموسيقا وروح النغم.
لكل منا في العالم مجموعة من أغاني الأطفال التي لا يمكن لشيبٍ في الشعر أن يزّجها في قائمة النسيان، مَن مِن الأمهات لا تغني لطفلها «يلا تنام» للسيدة فيروز؟ مَن مِن الأمهات لا تسعى لترغيب ابنها في الاغتسال ومحبة النظافة من خلال أغنية «يا قمر» لريمي بندلي؟. مَن مِن الأمهات لم تعرّف طفلها بالكثير من المناسبات والصور والكائنات الحيوانية عبر ألبوم أغاني الأطفال المنوع «يا عصفورة» للسيدة ماجدة الرومي؟. وأخيراً وليس آخر مَن مِن الأمهات لا تحثّ ابنها على السلوك الحسن من خلال أغاني ألبوم «شاطر شاطر» لنانسي عجرم؟

ولكن الطامة الكبرى في الموضوع المطروح بأننا كلّنا نعرف أهمية أغنية الأطفال في التربية، وضرورتها في توسيع المدارك، إضافة للكثير من الميزات، والمعضلة تكون بسؤالنا اليوم: لماذا التقصير؟، وأين الجهود الحثيثة من الموسيقيين والمغنين من أجل الإبداع في صناعة كهذه، وتطويرها بشكل دائم ضمن أطر جادة وواعدة وعميقة في البحث من أجل الوصول إلى الهدف المنشود في التربية. فاليوم سورية تخرج من محنة حرب، وإن كان الإنسان السوري مكسوراً وبحاجة إلى الترميم.
كيف حال الطفل الذي اغتُصب سلامه، وتعكّر نقاء وصفاء طفولته بأبشع وأفظع ما تقدمه إليه الحرب من كل شيء مرّ الطعم وأسود اللون. في موضوعنا سنقدم لكم استعراضاً من أقدم الأغاني للأطفال التي ما زالت في البال، وأترك الإجابة لكم عن السؤال التالي: بالرغم من الحداثة وسهولة الاستطلاع والبحث، مع سرعة الاتصالات.. كلّها من العوامل التي لابدّ أن تكون مساعدة..
لماذا اليوم لا نجد أغنيات طفولة جديدة، ولماذا الإبداع في مجال أغنية الطفولة ما زال محدوداً والمساعي ليست جادة في تنفيذ المعادلة التي سبقنا بها الغرب ونجح من حيث تحقيق الربح المادي مع المضمون؟ وقبل بقية الحديث نذكّر بأنه من واجب وزارات الثقافة والتربية والإعلام، بأن تنهض وتقدم للطفل السوري الأفضل، من خلال دعم وتفعيل موسيقا وأغاني الأطفال عبر المهرجانات والمسابقات والحفلات المختصة، لأننا حقاً نحتاج إلى وقفة ثبات، من أجل الوطن، بمشروع هو ضرورة ملحة.
من الأهمية بمكان
أدب الطفل المعقد، هذا النوع سهل ممتنع، فيه البساطة، منه الوضوح، وبه علينا المثابرة من أجل هذا الكائن الصغير وهو الطفل، الأخير الذي لا يمكنك استغفاله ولا التقليل من ذكائه، فراداره يعمل بدقة عالية، وحتى الكذب الأبيض عليه لا يمكن أن يمر، ولكنك يا صديقي، كلّما كنت صادقاً وبسيطاً ومحباً وسعة صبرك لا محدودة، فستكون ملجأ لطفلك. وفي التربية وتوجيه الطفل وتعليمه، كانت وما زالت الموسيقا نوعاً من أنواع أدبه الخاص، وهي وسيلة تعتمد عليها شريحة كبيرة من الأهالي في العالم، لكون الموسيقا والأغاني فيها الترفيه والإمتاع وتحفيز الخيال وإطلاق الشخصية نحو المعارف. وبالطبع لابدّ أن تكون الأغنية التربوية محققة لأهدافها في بناء الطفل جسدياً وعقلياً ونفسياً، وللأسف هذا أمر مغيّب في الساحة المحلية والعربية، هذا عدا انتشار الفضائيات التي تنشر فكراً توجيهياً محدداً، بعيداً عن المفاهيم والقيم الإنسانية الاجتماعية التي تتفق عليها كل شعوب العالم.
وفي التربية والتعليم الكثير منا يتذكر هذا النشيد التعليمي عن الأعداد، الذي يتم تحفيظه لأطفال الروضة من هم دون سن الخامسة:
الواحد هو ربيّ
اثنان ماما وبابا
ثلاثة هم أخواتي
أربعة هم أصحابي
خمسة أصابع يدّي
ستة أقوم من نومي
سبعة أروح مدرستي
ثمانية أدخل فصلي
تسعة أبدأ درسي
عشرة أحب معلّمتي
طرافة الغرابة مع البساطة
أغنية الطفل كي تنجح وتلقى الرواج لابد أن تتضمن جوانب طريفة وغريبة إضافة إلى بساطة المعنى والكلام المؤلف فيها والمتماشي مع سن الطفل وإدراكه، ولقد نجح السيّد ملّاح في أغنيته «إبريق الشاي» التي جعل بطلها نفسه إبريق الشاي الذي يروي للأطفال حكايات غريبة ولطيفة في جو من المغامرة، هذه الأغنية حتى اليوم الأمهات تغنيها للأطفال وإليكم منها المقطع التالي:
أنا أنا أنا إبريق الشاي.. إيدي كده.. بوزي كده.. أصب الشاي وأرجع كده.. وأعرف بارضو يا كتاكيت أحكي حواديت.. كان في واحد اتنين تلاتة.. ويا أربعة خمسة تاتا تاتا.. راحوا لعم علي الحلواني.. عايزين بسكوت بالشيكولاتة.. الحلواني يا أطفال.. فكر حبة وبعدين قال.. بسكوت بالشيكولاتة مفيش.. يمكن فيه عند البقال.. البقال قال اشتروا سكر.. خدوا بفلوسكم كلها سكر.. أحلى شيء في الدنيا السكر. حتى اسألوا إبريق الشاي.. إبريق الشاي.. أنا أنا أنا إبريق الشاي.. إيدي كده.. بوزي كده.. أصب الشاي وأرجع كده.. وأعرف بارضو ياكتاكيت أحكي حواديت.. كان ياماكان قفطان لونه أحمر.. لابساه أمورة اسمها مرمر.. وقطط رومي وديك فيومي.. وأنا وأنتم قاعدين نتنقور.. حاجة ظريفة وعال العال.. لكن فجأة حصل زلزال.. أتاريه الفيل أبو زلومة.. عمال يرقص في الأدغال.. جوه الأدغال الهندية.. الفيل بيغني أغنية.. ويقول أنا وأنتي يازلومتي.. نشبه سوا إبريق الشاي.. إبريق الشاي.. أنا أنا أنا إبريق الشاي.. إيدي كده.. بوزي كده.. أصب الشاي وأرجع كده.
ضرورة الشقاوة والظرافة
الطفل مشاغب وطريقه في التعلّم والتنوّر هو الاستطلاع والاستكشاف في لعبه المستمر، عبر حواسه وحتى في القراءة أو الكتابة وفي كل شيء، لهذا يجب أن يستهويه كلّ ما يحيط به كي يعلق في باله، وحتى ولو كان باللغة الفصحى علينا إثارة ذكائه وخياله، فمن أقدم الأغاني العربية التي غُنيت للأطفال بالفصحى، هي أغنية «ذهب الليل»، وقد غناها الراحل أحمد فوزي، وهي من ألحانه، ومن تأليف حسن السيد:
ذهب الليل
طلع الفجر
والعصفور صوصو
شاف القطة
قالّها بسبس
قالتله نونو نونو
ماما قالتله
سيب القطة
خليها في حالها
فات مدرسته
ورمى كُرّاسته
وراح جري
شكلها راحت القطة مخربشة إيده
ودا جزاة اللي ما يسمعشي كلمة ماما
تقولها ذهب الليل طلع الفجر
والعصفور صوصو
شاف القطة
قالها بسبس
قالتله نونو نونو
من السينما والمسلسلات أيضاً
وأخيراً اشتهر الفنان عبد المنعم مدبولي بحبه واهتمامه الكبيرين للأطفال، ولم يبخل خلال مشواره الفني بتقديم الأغاني للأطفال عبر مسلسلاته وأفلامه السينمائية، التي بقيت حتى يومنا هذا محفورة في الذاكرة ومحبوبة لدرجة تعليمها لأطفالنا، ومن أغانيه «كان في واد اسمه الشاطر عمرو»، وأغنية «جدّو عبده زارع أرضه»، وأغنية «الشمس البرتقالي»، ومن أشهرها أغنية «توت توت قطر زغنطوط» من مسلسل «لا يا ابنتي العزيزة» حيث شاركته التمثيل الفنانة القديرة هدى سلطان:
توت توت قطر زغنطوط
توت توت في الليل بيفوت
توت توت.. ويهل علينا
توت توت في معاد مزبوط
توت توت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن