قضايا وآراء

تجريب المجرّب

| مصطفى محمود النعسان

يقول المثل الشائع «من يجرّب المجرب عقله مخرّب» والحق أن هذا المثل بما ينطوي عليه من حكمة راكمتها سنوات طويلة وتجارب كثيرة أنضجته وجعلته في متداول الناس، ينطبق أكثر ما ينطبق على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ذلك أن العقوبات الاقتصادية التي يفرضانها حالياً على سورية قد فرضاها في بداية الثمانينيات أيام أحداث الإخوان المسلمين الدموية.
الحقّ أيضاً أن تلك العقوبات رغم تأثيرها البالغ آنذاك في حياة الناس ومعيشتهم، ما زادت السوريين إلا ثباتاً وصبراً وصموداً وتماسكاً وإصراراً على النصر.
وما كان منذ سنوات وما تمثل من شد السوريين أحزمتهم وثباتهم على مبادئهم رغم مفاعيله الكبيرة آنذاك حيث كانت الدول التي تتآمر على سورية حالياً تتآمر عليها وقتئذ، مضافاً إليها الطوق الذي ضُرب عليها من دول الجوار جميعها وهو ما لا يتوفر الآن حيث يمتد محور المقاومة من طهران مروراً ببغداد إلى دمشق فبيروت ناهيك عن موسكو وبكين ما يكفل بجعل مفاعيل العقوبات المفروضة في حدودها الدنيا، إن لم نقل ما يحقق فشلها وذهابها أدراج الرياح.
إن الشعب السوري المتأثر الأول والوحيد بالعقوبات الاقتصادية المفروضة والمزمع فرضها، هو من يشرعن أصحاب هذه العقوبات فرضها من أجله ما يفضح شعاراتهم البراقة المخادعة بالحرص على حقوق الإنسان.
ولا يخفى على أحد أن القصد الذي يرمونه ويرجونه من هذه العقوبات هو ظنهم وأملهم بإحداث شرخ بينه وبين قيادته لتمرير البقية الباقية من مخططاتهم التي أثبت الميدان فشلها ولا يخالجنا أدنى شك أن الميدان المعيشي الصامد سيفشل تصوراتهم وآمالهم ومخططاتهم ومراميهم لأن تركيع سورية أثبتت سنوات الحرب الثماني العجاف أنه من «رابع المستحيلات».
الأمر الذي لا جدال فيه، أن فارضي العقوبات غير مدركين لحقيقتين اثنتين: الأولى، ما يمثله قول الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
ذلك أنه في وقت كان يفترض فيه ملاطفة سورية من قبل من ذكرنا لعلها تغفر لهم بعض خطاياهم وتعفو عن بعض ما اقترفت أيديهم بعد أن باءت خططهم ومشاريعهم ضدها بالفشل الذريع، تخرج علينا واشنطن ومن سار في ركبها من عواصم الغرب، بعقوبات اقتصادية هي الوجه الآخر للحرب الشرسة التي دبروها لهذا البلد تحت لافتة «حقوق الإنسان»، وهي اللافتة التي يرفعونها الآن معللين عقوباتهم الحالية متجاهلين أو غير مدركين أن السوريين لن تثنيهم العقوبات المذكورة عن متابعة المشوار حتى تحقيق النصر الكامل والناجز.
الحقيقة الثانية التي يستشفها المستقبل أن الحليب الذي يمنعونه عن أطفالنا، وهو قوتهم، سيجعل من هؤلاء الأطفال في المستقبل أعداء لدودين لمن حرمهم طعامهم وغذاءهم أو حاول حرمانهم، وبذلك ينثرون البغضاء والحق ويزرعون الكراهية بين الأجيال والشعوب، في حين كان الأحرى بمن يدعي الحرص على حقوق الإنسان وينصب نفسه مدافعاً عنها، أن يزرع المحبة والألفة والتسامح بين البشر وهذا في الحقيقة ما لا تعرفه قواميسهم ولا أبجدياتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن