ثقافة وفن

الأنثى دائماً جزءٌ أساسي من لوحاتي … أسامة جحجاح لـ«الوطن»: رغم معاناة المرأة السورية بقيت شامخة… وأقول لها كوني بخير

| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

من الضرورات اللازمة أن يكون الفن بأنواعه ملتزما، وله شأنه الجاد في دعم قضايا الإنسانية المتنوعة. ولكوننا مازلنا نعاني آثار الحرب التي استمرت أكثر من ثمانية أعوام، فمن الواجب الوقوف لدعم كل من بذل التضحيات في سبيل سوريتنا. لهذا كان ومازال الفنان التشكيلي أسامة جحجاح من الفنانين الملتزمين بسوريتهم، ومن سلسلة معارضه التي قدّم ريعها للجيش العربي السوري، تم افتتاح معرض «لها» وريعه بالكامل يعود لعلاج ودعم الحملة الوطنية للكشف المبكر عن سرطان الثدي، الذي تعاون به- وليس للمرة الأولى- مع مؤسسة الوعد الصادق الهادفة لتقديم المساعدات الطبية والدوائية والتأهيلية لجرحى عسكريين أو مدنيين، والتعاون مع الدول الصديقة لاستقبال وعلاج الحالات التي لا يمكن علاجها داخل سورية.
افتتح معرض«لها» بقاعة إشبيلية في شيراتون دمشق، بحضور وزيرة الشؤون الاجتماعية ريمة القادري، ووزير السياحة رامي مارتيني، والإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي والإنساني، كما تمّ على هامش المعرض – الذي يضم نحو ثلاثين لوحة متنوعة الأحجام- تكريم عدد من جرحى الجيش العربي السوري.

الفن في خدمة الإنسان
بداية أشار الفنان التشكيلي أسامة جحجاح لأهمية دور الفن في تسليط الضوء على القضايا الإنسانية وفي دعمها، لكون هذا الدور هو الطبيعي للفن بأنواعه، وبالتزامه بقضايا المجتمع يكون حقق أسمى غاياته في بناء الإنسان، مضيفاً «بالعموم هذا هو الدور الطبيعي للفن، ولكن هو ضرورة في أوقات الحروب، والأزمات التي تولدّه، ولنتكلم هنا عن الأزمة التي مرّت على بلدنا الحبيب سورية، وهذا من واجبي كفنان تشكيلي لكوني لا أستطيع أن أقدم مبالغ مالية كبيرة، ولكن من إمكانياتي أن أكون داعماً ومعطاء عبر ريشتي وأعمالي، وأساعد من خلال فني ولوحاتي. ومن جهة أخرى لقد تركت الحرب كعادتها كل المآسي والأوجاع، ومنها خلّفت أيضاً جراح أبطال جيشنا العربي السوري، الذي دافع عنا طوال السنوات الثماني السابقة، لهذا هم وأسرهم أمانة في أعناقنا، ومن خلال التعاون مع مؤسسة الوعد الصادق، سيكون ريع المعرض بالكامل لدعم الحملة الوطنية للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وهذه مبادرة بسيطة مني وأقدمها لبلدي الحبيب الذي منحني كل العطاء، وما أنا عليه الآن بفضله حقاً».
وعن الدور المؤسساتي في هذه الفترة يشدد الفنان على ضرورته قائلاً «من الطبيعي ألا يكون للفنان علم بأعداد أُسر بواسلنا في الجيش العربي السوري، أو بالإحصائيات، على حين المؤسسات لكونها تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، هي المتخصصة في هذا المجال، وهي سترعى الحملات وتقوم بكل الإجراءات اللازمة والضرورية لتقديم المساعدات. وأحب أن أشير إلى أن تعاوني مع مؤسسة الوعد الصادق ليس الأول، فلدي تجارب سابقة معهم، وكان آخرها في عام2016، من خلال معرض «أنا الشام» الذي أقيم في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، وأيضاً ريعه كان لدعم جرحى الجيش العربي السوري، وتمكنّا عبر عائدات مبيع اللوحات من مساعدة الجرحى، سواء بجلب أطراف اصطناعية، أم عبر تقديم كراسي متحركة، أو من خلال إجراء عمليات جراحية تجميلية أو عصبية. وهنا أحب أن أؤكد أنني أرغب دائما بالمساعدة وبالوقوف مع بواسلنا الأبطال في الجيش العربي السوري، سواء عبر إقامتي لمعارض فردية خاصة بي، أم بمشاركتي بمعارض جماعية، فهذا واجبي وأقدمه تقديرا لفضلهم علينا، فأنا من بيئة ريفية-من دريكيش-عانت الكثير، ولم تبخل ببذل أبنائها فداء للوطن، وأحب أن أوضح نقطة هنا، أن أزمة الحرب السورية كانت قاسية علينا وعلى بلدنا، وكانت بشعة جدا بأهوالها وشرورها المتنوعة، ولكن على قدر هذا الحجم المرعب منها، إلا أنه كان بالمقابل هناك وبشكل دائم تواصل بين أطياف مجتمعنا السوري كاملة، وهذا الالتفات أثبت قوة ترابط شعبنا السوري وتكاتفه ومساندته لبعضه، وبالتالي هذه هي سوريتنا التي تربينا فيها وعشناها».
ومن خلال اسم المعرض «لها» وجّه الفنان جحجاح رسالته للمرأة السورية قائلاً «لقد عانت المرأة السورية الكثير، ولكنها مميزة بشموخها وعزتها وقدرتها على الصمود مهما بلغت الظروف من شدّة، وأقول لها: كوني بخير.. فقط من أجلك».
أما عن دور الأنثى في حياة الفنان التشكيلية يضيف «الأنثى هي الحياة، والخصب، هي الأم والأخت، وهي الحبيبة والزوجة. فالأنثى هي كل مفاصل الحياة، ولا يمكننا أن نتخيل الكون من دون وجود الأنثى، الأخيرة التي هي دائما جزء أساسي من لوحاتي، وأضيف إنه في معرضي «لها» هناك لوحات تضم الحروفيات وآيات للقرآن الكريم، وكنيسة وجامعاً، لأننا في هذه الحالات المرضِية يبقى المرء قريبا من ربه ويتضرع إليه لأن هذا الرابط بيننا وبين رب العالمين موجود، وعلى المرء مهما بلغت المحن أن يبقى إيمانه كبيرا بربه وبقسمته وبنصيبه. هذا من جهة ومن جهة أخرى أضفت تلك العناصر التي ذكرتها أعلاه في اللوحات، كنوع من الترابط بين كل أطياف الشعب السوري، بغض النظر عن انتمائه الديني».
وختم الفنان التشكيلي أسامة جحجاح حديثه معنا لافتا إلى أن أسلوبه التقني المتبع، أصبح بصمة الخاصة والذي تميّزه عن غيره من الفنانين، عبر تسخيره برامج الغرافيك في خدمة الفن التشكيلي، مازجا في اللوحات بين الديجيتال والزيت والإكريليك.
عملنا المؤسساتي واجب

على حين أكدت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة الوعد الصادق ريم سليمان تكامل وترابط العمل الإنساني والثقافي من أجل خدمة قضايا الإنسانية «نحن في المؤسسة لا يمكننا أن نفصل أبدا العمل الإنساني عن العمل الفني أو الثقافي، فهذه الأعمال يجب أن تترابط وخصوصا في أوقات الحروب والأزمات، بل هي واجب علينا، ونحن كمؤسسة الوعد الصادق الراعية لمعرض «لها» الذي هو تقدمة الفنان أسامة جحجاح، اخترنا اسم المعرض تكريما للمرأة السورية، بداية من الأم التي بذلت التضحيات في تربية أبنائها، ولولاهم لم نحقق نصراً ووحدة سوريتنا، فـ«لها» المعرض هو لأم الشهيد وأم الجريح، وكمؤسسة على الرغم من اهتمامنا بجرحى الجيش العربي السوري، فإننا من خلال هذا المعرض رغبنا بأن نهتم بالأم السورية».
خاتمة سليمان بأن تعاملهم مع الفنان التشكيلي أسامة جحجاح ليس الأول، حيث يقدم عائدات أعماله في كل تعاون لمساعدة جرحى الجيش العربي السوري، الأخير الذي شكره على تضحياته التي قدمها خلال الأزمة.

من جانب الحضور
ضمن حفاوة واهتمام كبيرين تمّ افتتاح المعرض ومن الحضور كان لنا الحديث السريع مع الموسيقار طاهر مامللي الذي أكد الدور السامي للفن في دعمه لقضايا الإنسانية، في كل الأوقات وفي كل البلدان، مضيفاً «إن أهم وظائف الفن بأنواعه هو الارتقاء بالإنسانية، ومن خلال التعاون ما بين المؤسسات والفنانين، وخاصة إذا نجحت المؤسسة بتحقيق هدفها من هذا التعاون، سواء من حيث الإنتاج أم من حيث تحقيق المساعدة، فسيكون بالنتيجة الأمر رائعاً ومشجّعاً لكل الفنانين بالمبادرة من أجل تقديم المساعدة مهما كان نوع الفن. وبالتالي هذا الأمر هو واجب علينا بأن نقدم الدعم لكل من ضحى من أجل وطننا، وخصوصا أنهم حتى اليوم منهم من لم يأخذوا مقابل تضحيتهم ولو جزءا بسيطا».
على حين بيّنت عضو مجلس الشعب جانسيت قازان بأنه من الضرورة أن يكون الفن ملتزما وراعياً لخدمة الإنسانية، كما أشادت باللوحات التي قدمها الفنان جحجاح، شاكرة عطاءه الكبير-عبر ريشته وألوانه ولوحاته-في تقديم الدعم اللازم لجرحى الجيش العربي السوري، ومشددة على التمثّل به والاقتداء بوطنيته وإنسانيته مضيفة «كان بإمكان الفنان جحجاح أن يبيع أعماله بأسعار خيالية، ولكنه قدّمها لمصلحة جرحى الجيش العربي السوري كعربون بسيط لما بذلوه من تضحيات من أجل حمايتنا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن