ثقافة وفن

كارانجيا.. وخنجر «إسرائيل»

| المستشار رشيد موعد

ما يحدث الآن في الوطن العربي.. من مآسٍ وأزمات وحروب، توقعه الكاتب الهندي ر. ك. كارانجيا صاحب مجلة (بليتز) الهندية.. والمؤيد بقوة لجميع القضايا العربية.. فبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أصدر كتاباً بعنوان (خنجر إسرائيل). كان الفضل في اختيار هذا العنوان -كما قال-، لصديق عربي، حيث شبَّه له (إسرائيل) بخنجر أجنبي مسموم ومسدد إلى رقبة العالم العربي.. وبناء عليه، فقد اختار لكتابه هذا العنوان.
أضاء كارانجيا في الكتاب على المطامع الصهيونية.. ومشاريع التوسع الاستيطاني الاستعماري للكيان الصهيوني. وقد جاء بكتابه محللاً لما حدث.. ما سيحدث بالنسبة للعرب و(إسرائيل): «لقد كان هدف (إسرائيل) الدائم الانفراد البشري بمنطقة الشرق العربي.. أي إفناء العرب، وإجلاؤهم، والحلول محلهم».

وفي أوائل عام 1957 بدا واضحاً أن العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته إسرائيل وفرنسا وبريطانيا لم يحقق أهدافه المخطط لها.. إذ اضطر العدو للانسحاب من هذه الحرب.. وكان هذا العدوان وليد ظروف دولية وأطماع استعمارية نلخصها بما يلي:
أولاً- الرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور.. وعد (دافيد بن غوريون) رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك بحل مشاكل (إسرائيل خلال عشرة أعوام).
ثانياً- فرنسا وهي التي كانت تلعب دوراً استعمارياً في الوطن العربي.
ثالثاً- أما بريطانيا.. فإن مصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية كانت متشابكة كالنسيج، مع مصالح الصهيونية.
إن (إسرائيل) تدين بوجودها إلى اللصوصيّة الدولية، وقد أستخدمت باستمرار كطليعة للاستعمار الغربي.
فالصهيونية السياسية-كما قال كارانجيا- وحش يجب أن تستأصل شأفته.. وقد عبر عن ذلك بصدق وسداد قوة، البروفسور و.ن.ستيس، وهو أحد قادة الفكر والفلسفة في أميركا برسالة بعث بها بتاريخ 15/كانون الثاني/1954 إلى صحيفة (برنستونيان) التي تصدر عن جامعة (برنسون).. حيث جاء في هذه الرسالة:
(إن مجرد وجود (إسرائيل) كدولة في قلب الأمة العربية جريمة نكراء.. لأن تلك الدولة، إنما برزت إلى الوجود نتيجة للعدوان السافر اغتصب الصهاينة بموجبه -بمساعدة أميركا- من العرب (أرض فلسطين) والتي تعرف الآن بـ(إسرائيل).. هذه الحقيقة، هي كالصخر، يجب أن يلم بها كل من يريد أن يرى مشاكل آسيا الغربية.. لقد تقدم شعب-غير عربي- بطلب مؤذ، وغير قانوني للحصول على أرض فلسطين (وعد بلفور) على اعتبار أنها إرثه المزعوم.
بعد الحرب العالمية الأولى كان عدد يهود فلسطين أقل بكثير من ربع السكان المحليين، وعدد السكان المسيحيين بطوائفهم المختلفة خُمس السكان.. والباقون هم من المسلمين.. وأظهرت إحصائية آنذاك أن عدد اليهود كان 30 ألف نسمة، نسبة للسكان العرب البالغ تعدادهم ستمئة ألف. ثم أخذت الهجرة اليهودية تنمو نمواً كبيراً تحت سمع وبصر البريطانيين الذين كانوا أوصياء على أرض فلسطين بموجب صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم المتحدة آنذاك بتاريخ 24/تموز/1922. وحسبما ترويه الآنسة (غيرتروديل) فإن محادثة جرت بين اللورد (كرومر) وبين أحد كبار المعروفين الإنكليز اليهود.. حيث قال (كرومر): إذا أنُشئت مملكة يهودية في القدس.. فإنني لن أتأخر في طلب الحصول على منصب سفير فيها. فكيف دبرت الصهيونية الدولية إذاً سلب العرب وتجريدهم من أراضيهم التي كانت ملكاً لهم طوال ألفي سنة.. ثم تطورت بعد ذلك.. حتى أصبحت خطراً يهدد المنطقة العربية برمتها.
لقد نجم ذلك عن السلام الأرعن الذي جاء أعقاب الحرب العالمية الأولى.. ولا نستطيع في هذا المجال، إلا أن نذكر الخطوات المتتالية لعمل لم يروِ التاريخ مثيلاً له في اللصوصية الدولية بجلب شتات اليهود من أصقاع العالم إلى أرض عربية لها أهلها، وشعبها وسكانها.
فقد كانت معاهدة (الحسين-ماكماهون) هي التي جرّت العرب للوقوف إلى جانب بريطانيا في الحرب، ووعدت تلك المعاهدة بمنح العرب استقلالهم في نهاية القرن، ونظرة خاطفة على الخرائط القديمة، تظهر أن ذلك لا يمكن أن يشمل فلسطين.
وقد وقعَّت بعد ذلك اتفاقيات (سايكس-بيكو) عام 1916 للتملص من وعود (ماكماهون)، فالملك حسين كان يظن أن هذه الجهود المجزأة لا تتجاوز حدود الدعاية، وقد اعترف (حاييم وايزمن) رئيس الاتحاد الصهيوني العالمي في إحدى خطبه: (بأن الصهاينة الأميركيين كانوا يحثونه على المطالبة بـ(جمهورية يهودية)، لكنه كان قانعاً بالعمل فقط من أجل (وطن قومي يهودي) وهكذا نشأت (إسرائيل)- كما يقول كارانجيا- فكان التأييد الذي أمدتها به الولايات المتحدة الأميركية التي تدعي كذباً وبهتاناً بأنها زعيمة العالم الحر، ولنتبين النتائج لهذا العمل الفظيع من العدوان على أرض عربية بمباركة وتأييد أميركي وغربي.
فقد كان العرب يملكون 88 في المئة من الأراضي، ويشكلون 75 في المئة من السكان، ونتيجة التواطؤ الدولي والإرهاب الصهيوني أصبح اليهود يحتلون 77.4 في المئة من الأراضي.. كما عملوا على طرد مليون مواطن عربي فلسطيني من ديارهم.. وبالنتيجة أصبحت (إسرائيل) تملك 86 في المئة من الأراضي التي كان قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 قد أعطاها بموجبه فقط 56 في المئة منها.
إن الهدف السياسي وراء اغتصاب الأراضي العربية، هو تقوية (إسرائيل) باغتصاب السيطرة-أيضاً- على الطرق الإستراتيجية المهمة في الشرق الأوسط.. وبفتح ممر عبر الأقطار العربية، ومنع قيام الوحدة العربية، ونشر الدعاية المواتية لـ(إسرائيل) بين أقليات الشرق الأوسط.
وتسعى، بذلك، (إسرائيل)- كما يقول كارانجيا- لعزل مصر عن بقية العالم العربي.. لأن مصر ما زالت أقوى وأعظم عدوٍ لها تحلم بهزيمته.
كما أن شبه جزيرة سيناء وقناة السويس ستفتحان لها أيضاً الطريق إلى المحيط الهندي.. وعندما تعزل مصر عن بقية العالم العربي، فإن الوحدة العربية يصعب قيامها.. وكذلك فإن احتلال غربي الأردن، سيساعدها على اغتصاب الأماكن المقدسة.. وقد قدرت في خططها الإستراتيجية الباقية أن تخضع لسيطرتها القلاع الدفاعية الرئيسية في شبه الجزيرة العربية ليتسنى لها أن تصبح حلقة مهمة في شبكة الدفاع عن الشرق الأوسط.
والنتيجة، فإن الحد الأدنى لمطامعها الإقليمية، هو اغتصاب المنطقة المتاخمة لقناة السويس، ونهر الليطاني، والخليج العربي.
يخلص مؤلف الكتاب (كارانجيا) إلى القول: وتأمل (إسرائيل) بتحقيق اغتصاب بعض المناطق العربية ذات الأهمية الإستراتيجية، وإنشاء دول جديدة في الشرق الأوسط تتألف من الدروز.. والموارنة.. والأكراد، وغيرهم من الأقليات.. ومن الغرابة التي لا تفقهها (إسرائيل) أن هذه الأقليات تمتلك من الوطنية والانتماء عناصر شديدة المراس، تفضل الموت على السير في فلكها.. و(إسرائيل) تعتمد أكثر ما تعتمد على الخلافات الداخلية بين الدول العربية.. وتعمل على تغذية هذه الخلافات بمهارات وحنكة، بتأييد ودعم ومساعدة من الولايات المتحدة الأميركية لتبرز وكأنها الأقوى في المنطقة.. تتحكم بمقدراتها كما تشاء.
ها هي (إسرائيل) وأطماعها، كما وصفها (كارانجيا) في كتابه.. وقد صدق حدسه بما قال منذ ما يقارب الخمسين عاماً، حيث نرى توقعاته-الآن- على أرض الواقع.. علَّنا نتَّعظ!

قاضي محكمة الجنايات سابقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن