ثقافة وفن

رسائل لـ«المرأة والألم والنسيان» في مركز الفنون البصرية … الفنانون المصابون لـ«الوطن»: خسرنا جميعاً بعد الحرب ولكن لم نخسر الإصرار والقوة التي نملكها

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

عناوين ثلاثة حملتها أعمالهم جمعت بين المرأة التي تمثل نموذجاً صامداً في بلد الحروب حيث كانت هي القدوة والشريكة التي ضحت وتضحي من أجل عائلتها وبلدها، وبين الألم الذي ذاقوه ومرارة الوجع والكثير مما فقدوه وانهمار دمعات فيها صرخات وآهات، ليكون النسيان هو شريكهم ليقدروا على متابعة طريقهم بانتظار شروق شمس صاخبة تاركين وراءهم إصابات أنهكت أجسادهم.
(المرأة- الألم- النسيان) هي رسالة المعرض التي قدمها كل من الشباب أبطال الجيش العربي السوري: (يونس السيد- فادي كيوان- قتيبة معمو). بالتعاون مع صالة (أدونيا) للفنون الجميلة واحتضان المركز الوطني للفنون البصرية. وحمل المعرض ما يقارب 21 عملاً خطها الشباب كل بأسلوبه وتقنياته.

لوحاتهم مدهشة
وأكد رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية الدكتور غياث الأخرس أن «برنامج العام الحالي للمركز يركز على المواهب في المجتمع من أطفال ويافعين وشباب لأهمية الطاقات التي تضمها سورية. وهم من يحملون الشعلة المشرقة للوطن في المستقبل. وهناك الكثير من الأدوار كانت بانتظار كل من الحكومة والمثقفين لكن لم يقوموا بها لذلك فإن المركز تقع على عاتقه كل تلك الأدوار وحاول أن يقدم شيئاً لهؤلاء الشباب. الذين يعكسون بلوحاتهم نتاج إبداع الشهداء الأحياء فأتت لوحاتهم مدهشة وترجمة لأفكارهم ومكنوناتهم. ودعوتهم أن يحاوروا لوحاتهم ويعبروا عن ذاتهم لأن تكنيك الفنان يتطور بالممارسة».

بناء أمل جديد
ومن جهته أكد صاحب صالة «أدونيا» بلال تركماني أن: «الحرب أثرت في كل شخص فينا ومن ضمنهم الشباب الثلاثة لذلك حاولوا العودة وبناء أمل جديد في حياتهم من خلال الفن. من هنا يأتي دور صالة (أدونيا) التي تهتم بالمواهب الشابة والشباب من ضمنها العناوين الثلاثة بشكل أساسي من خلال مشاعرهم وماذا يحبون، ونحن نقوم بعكس إحساسهم من خلال أعمالهم في المعرض. والمواضيع التي اختارها الشباب عبروا من خلالها عن حالة وطنية كل بطريقته. واليوم هم مثال الإرادة التي تبني مساراً جديداً بالحياة والحرب».

رسالة واحدة
وفي الضفة الأخرى شرح لنا الفنان التشكيلي أيمن الدقر تجربة الشباب الأبطال كل على حدة ويقول: «يونس يعمل بالأسلوب الواقعي ويبتكر شيئاً خاصاً به في الواقعية وهنا تكمن أهمية أعماله من خلال تجربته التي أصبحت ناضجة. وتراوحت موضوعاته بين الحزن والألم والطيبة التي تسيطر على الإنسان. على حين قتيبة معمو اتخذ الفن المعاصر وحاول من خلال اللون والخط الابتعاد عن كلاسيكية الرسم وعبر عما في داخله من أشياء يعيشها، لأن اللوحة ليست وسيلة إيضاح وهي تخاطب الإنسان المتلقي الذي بدوره يراها كما هو يحب. واتخذ الفنان فادي كيوان الواقعية التسجيلية من دون تأليف وهو فنان له باع برسوم الأطفال وصدر له كتاب لرسوم الأطفال العام الفائت، فالواقعية التسجيلية هي الأسلوب الذي يعمل به فادي. وجميل أن يعمل بعضهم مع بعضهم الآخر ويحملوا رسالة واحدة وكل منهم يعبر بطريقة تختلف عن الآخر».
وعن الهدف والرسالة التي تقدمها صالة (أدونيا) من خلال هؤلاء الشباب يبين الدقر أن: «الهدف من إنشاء أدونيا ليس تجارياً، إنما رعاية الشباب كانت هدفنا منذ البداية وبناء عليه عملنا ورشات عمل للأطفال والشباب والكبار للاطلاع على طرق الرسم وتقنياته وطريقة التعبير عن الفكر في اللوحة».
الأمل أمامهم

ومن القائمين على صالة (أدونيا) المهندسة أمان حاج موسى التي بينت أن: «من علمنا السير على هذا الطريق وزرع فينا هذه الأفكار في التشاركية ودمج الشباب في المجتمع هو سيادة الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد، منذ العام 2003. لذلك عملنا على تقدم هؤلاء الشباب لأن الإصابة أصبحت وراءهم والأمل أمامهم». وعن العنوان الذي انطلق منه المعرض قالت حاج موسى: «المرأة كان لها دور كبير والمرأة هي الوطن وعماد كل شيء وهي أساس المنزل والعمل والأسرة وتربية الطفل فالتركيز عليها شيء أساسي».

لا تفقدوا الأمل
ومن جانبه أوضح الفنان قتيبة معمو أن «أعمالي تعبر عن النسيان لأن النسيان هو نعمة وهبة من اللـه حتى نكمل حياتنا. لأننا إذا وقفنا عند الأمور السيئة نعيش حياة مأساوية. والفن المعاصر له ذواقه والإنسان الطبيعي يقرأ اللوحات بأحاسيسه. وعندما نرى رسوماً جدارية على كهوف من آلاف السنين نشعر أن الإنسان كان يعبر عما بداخله ولو كانت عبارة عن خطوط طباشير. وربما جنحت نحو الخيال قليلاً من خلال النجمة والقمر لأنني لا أعتمد مدرسة واحدة من مدارس الفن بل أقدم شيئاً سوريالياً تعبيرياً والسوريالية جميلة تعطينا الكثير من الأمل».
أما عن اللوحة الأقرب إلى قلب معمو فهي: «تلك الفتاة التي نسيت أرقام تلفونها وفي بعض الأحيان ننسى أشياء سواء بقصد أم من غير قصد. وللحقيقة أحببت المشاركة مع أصدقائي فادي ويونس حتى تتشكل عندي رؤية أشمل وتعددية أكبر».
ووجه معمو رسالة من خلال المعرض إلى كل مصاب قائلاً: «لا تفقدوا الأمل فالحياة أحلى بكثير ممكن أن تكون بعض الإصابة ولا شيء يوقف الإنسان إذا كان يحمل الأمل».
لم نخسر الإصرار

بينما بين الفنان يونس السيد أن «أعمالي تتحدث عن مرحلة ما بعد العمل الجراحي وهي متعلقة أكثر بالسرير والشتاء البارد التي أعني بها مرحلة الألم. وأرى أن عنوان المعرض مناسب جداً لأن اللوحات تعبر عن ذلك فبعد العمل الجراحي جلست قرابة العام ونصف العام بالسرير فأصبح بالنسبة لي هو السجن المنفرد».
وعن مشاركته السابقة يقول السيد إن «المعرض الفائت اعتبره بمنزلة مرحلة تدريبية والآن أشعر أنني تخصصت بشكل أكبر. وأقول لكل السوريين بعد مرحلة الحرب التي اجتزناها إننا خسرنا جميعاً، ولكن في جانب معين لم نخسر الإصرار والقوة التي نملكها. ونستطيع أن نبدأ مجدداً من مكان ما وصلنا لأن مرحلة الإصابة قطعناها وسنرى الحياة ماذا تخبئ لنا».
وتتحدث لوحات السيد أغلبها عن الانتظار وربما الألم ويشرح أكثر عنها قائلاً: «إحدى اللوحات تتحدث عن الانتظار لأنني بانتظار الخلاص من العمل الجراحي بعد عام و6 أشهر على إجرائه. ولوحة السرير هي أشبه بسجن وهي تمتلئ بالتشاؤم ومكسوة باللون الأخضر. ربما فرصة حياة أخرى انتظرتنا بعد الإصابة لأن الحياة لم تكتب حتى نضيعها وأجزم أن هناك سرّاً وراء بقائنا». ويطمح السيد إلى «فك الجهاز ودراسة الفنون الجميلة أكاديمياً».

والدتي هي ملهمتي
وبدوره بين الفنان فادي كيوان أن: «هذه المشاركة الأولى لي في معرض لوحات زيتية وأشكر (أدونيا) التي دعمتني وأوصلتني إلى هذه المرحلة المتقدمة. وحاولت الرسم من بيئتي ونحن بيئة ريفية. والمرأة تعني لي كل شيء الجمال والوطن، وصادف موعد المعرض بعد أيام قليلة من يوم المرأة العالمي. وبما أنني ابن الجنوب السوري عبرت باللوحة عن تلك المرأة وبساطتها. ورسمت المرأة المسنة لأن والدتي امرأة مسنة وترتدي هذا الزيّ. وحاولت في أكثر من لوحة أن أقلد هذا الزيّ لأن والدتي أكثر شخص يشجعني ويدعمني في الحياة».
أما الصعوبات التي يمكن أن يتعرض لها كيوان فقال: «أواجه صعوبات تتعلق بالوضع الصحي فهو يمنعني من رسم لوحات بقياسات كبيرة وأقوم بالتركيز على القياسات الصغيرة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن