ثقافة وفن

كتاب «مهماز يستحثّ السرد… سرد الوجع السياسي» … الشأن السياسي يشمل العالم والأعمال الفنية الشاغلة عليه حتى في إطار العمل السوري

| سوسن صيداوي

«لا توجد رواية تستطيع عزل نفسها عن التخويض في الشأن السياسي المباشر بهذه النسبة أو تلك، حتى ليمكن الزعم أن انصراف الرواية عن معالجة الشأن السياسي بحد ذاته موقف مندرج في الخانة السياسية. ويندر أن نجد رواية تسرد محاسن العمل السياسي، أو تسرده بعين راضية، لأن الرواية- أي رواية- مشغولة من عجينة الرفض والمعاناة الإنسانية العميقة. لقد سردت الرواية شؤوناً سياسية شتى ينتظمها الوجع الإنساني العميق النافذ بقسوة الرصاص والسواطير إلى مادة الوجدان، يضرب فيها فرماً وتمزيقاً. إنها روايات مركبة على مواد موجعة تقع خارج متنها النصي، بطبيعة حال الفن الروائي». هذا الكلام وارد في تعريف كتاب (مهماز يستحثّ السرد… سرد الوجع السياسي)، من تأليف: د. صلاح صالح، وهو في دراسته لا يُعنى أساساً بالشأن السياسي الذي يجري في الحياة الواقعية، بل يُعنى بالأعمال السردية التي تناولته واشتغلت عليه. وهو بطريقة ما شغل مركّب على مواد مركّبة قبله. كتاب (مهماز يستحثّ السرد… سرد الوجع السياسي)، يقع في 391 صفحة، من القطع الكبير، يتضمن مقدمة وتسعة فصول، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2019.

مقدمة
بداية أكد د. صلاح صالح في مقدمة بحثه أن الشأن السياسي وأوجاعه الطافرة من كل فجّ وصوب، لم يعد فقط بمنزلة المهماز الذي يستحثّ السرد الجامح باتجاه المزيد من الجموح «بل أصبح في رقعتنا العربية الرجراجة صانعاً للسرد، بأنماطه كافة: الإعلامية، والإخبارية، والصحفية، والتأريخية، والفنية…. متجاوزاً بذلك اقتصاره على تشكيل الأرضية اللازمة للإنشاء، ومتأبيّاً على الاكتفاء السالب بجعل نفسه بئراً للمتح، أو منجماً للتنقيب عن الفلز المناسب النفيس».

الشأن السياسي
كما أشار المؤلف إلى تعبير«الشأن السياسي» موضحاً بأنه تعبير فضفاض للغاية، التعبير يعني (كل شيء) ويمتدّ بـ(كل شيء) إلى (كل شيء) وهو بهذا الامتداد يتميّع، ويسيح إلى حد عجزه عن إجراء أي تعيين، وأي تصويب رؤية باتجاه أي دلالة. وتمثّلت الطبيعة الفضفاضة للتعبير في ثلاثة أقانيم أدّعي أنها تشتمل مشهد العالم، أو توشك على اشتماله:الأول هو معنى السياسة، وفكرتها النظرية، ومفهومها على المستويين الفلسفي والإجرائي، وسيرورة المفهوم عبر التاريخ. ويتمثل الثاني بمختلف التمظهرات التي يتخذها الإجراء السياسي على مستوى العالم المعاصر، حيث يصطدم المتنطّع لمغامرة التعامل والفهم باستحالة استلال أي مظهر من مظاهر حياتنا المعاصرة من تحت عباءة السياسة التي تؤطر حياتنا الأرضية، مثلما تفعل عباءة السماء. ويتمثل الثالث الذي تنطوي هذه المساهمة داخل إهابه (الفضفاض أيضاً) في كيفية الشغل الفني/السردي على الشأن السياسي، إلى حدّ استصعاب خروج أي عمل سردي عربي، أو غير عربي، من تحت عباءة السياسة».

حول المؤَلف
لفت د. صلاح صالح إلى مدة إنجاز بحثه مشيراً إلى أنه تجاوز الشغل أعواماً عشرة «كان في تصوري دفعه إلى الطباعة قبل أن تقاطعنا في الصميم مجريات الحرب على سورية ومعركتها المصيرية. فكان لحجم الأوجاع ذات المصدر السياسي، ومدى عمق الجراج المستحدثة بقوة الإجراء الحربي، وانعكاسها في السرود السورية والعربية عامل حاسم في تأجيل الإنجاز المنشود. ولم يكن القصد ماثلاً فقط في السعي المشروع إلى متابعة المستجدات السياسية المتركّزة في المستجدات السردية، بل انتاب القصد والفعل صميم الخريطة التي كانت مصممة بمنزلة المنهج المقترح لتلمس مفاصل التناول الفني للشأن السياسي في السرود العربية التي أرى أن المحدد الأول طبيعتها الفنية، ومستواها الجمالي هو اللغة التي جرى بها إنتاج العمل السردي، بما في ذلك الأعمال المترجمة التي تجعل ترجمتها بمنزلة النسغ الساري في عروق العربية، لتصير رافداً لا يجوز فصله عن كلية الثقافة المتشكّلة بوساطة العربية.
كان بعض مسوغات التأجيل ماثلاً في المساحة التي يحسن تخصيصها للتأسيس النظري لمفهوم السياسة، وتعريفها وتبين حدودها النظرية وما إلى ذلك، وهي مساحة مفتوحة زمنياً وجغرافياً إلى أقصى حدود الانفتاح. وقد ألزمني هذا الانفتاح أن أنحّي كل ذلك الاشتغال التأسيسي عن صدارة الشغل. يدعمني في هذه التنحية استحسان الشغل المباشر على النصوص، وتجنب إثقال البحث بمقدمات نظرية مبسوطة على نطاق واسع، إضافة إلى أن تلخيص بعض ما جرى إنجازه في هذا السياق ينتقص بعضاً من صميم المنجز النظري الذي أنشأه الفلاسفة والمفكرون عبر العصور، وهو منجز لا تزال البشرية تعيش على أفضاله إلى اليوم».

بقي لنا
لقد ختم د. صلاح صالح كلامه حول كتابه بأن الشأن السياسي يشمل العالم، ويشغله في كل لحظة من لحظات انصرام هذه الحياة. وبأن الأعمال الفنية التي تشتغل على هذا الشأن هي أعمال مفتوحة بانفتاح الحياة. حتى في محاولة السعي إلى الشغل في إطار الحدث السوري الراهن، تكون المحاولة -بحسب المؤلف- محكومة بالقصور والفشل المسبق بالضرورة، والسبب ماثل في انفتاح هذا الحدث، وانفتاح الشغل في إطاره على جميع ما ينفتح عليه العالم بكل ما تعني كلمة العالم من دلالة، بما في ذلك جغرافيته المعقدة وتاريخه المديد، وعقائده، وإشعاعها إلى شتى العوالم الواقعة في مرامي اليقين، ومرامي الظن، والتخييل، والماورائيات، على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن