ثقافة وفن

وسائل التواصل الاجتماعي بين الحقيقة والوهم … الصداقة تمثل حالة عليا من الإنسجام العاطفي والروحي البعيد عن أي مصلحة مادية

| ثناء خضر السالم

تحضرني أغنية الجميل الراحل محمّد عبد الوهّاب (يا وابور قوللي)، وتحديداً المقطع الذي يقول فيه (إن طال الوقت مع الركّاب يجري كلامهم بسؤال وجواب بعد شوية يبقوا أحباب وده يعرف ده رايح على فين).
تصف هذه الأغنية حالة من التعارف ونوعاً من التواصل الاجتماعي الحقيقي القائم على التقاء شخصين التقاء مباشراً يتبادلان الحديث العين بالعين قادرين على استنباط ملامح الوجه في أثناء الكلام إلى أن يصبحا حبيبين وتنشأ بينهما حالة من المحبة.
إذاً هي حالة من التواصل الإنساني الحقيقي التي قد تستمر وقد لا تستمر. لكنّها ليست افتراضية.
بعد أن انتشر الإنترنت سادت حالة من التواصل الاجتماعي مع أشخاص افتراضيين حيناً وواقعيين حيناً آخر.

إذا أردنا الخوض في الجانب الافتراضي للعلاقة أتساءل من يضمن لنا صدق الشخص الذي نتعامل معه، سواء كانت هويّته ذكراً أم أنثى؟ فأحياناً يتواصل الرجل مع فتاة على أنه فتاة أو مع الرجل على أنه فتاة ووو. وسمعت بقصص كثيرة، زواج افتراضي ناجح، زواج افتراضي فاشل. لكن أكثر قصّة سمعتها وآلمتني قصة امرأة تركت زوجها وأولادها الثلاثة ولحقت حبّها الافتراضي الذي لم يأت من أميركا لخطبتها فقد كان يتسلّى.
السؤال الذي أطرحه: ما مدى تقبلنا للعلاقة الافتراضية عموماً والصداقة الافتراضية خصوصاً. فما مدى نجاحها في مجتمع يغرق بالعقد ويجدها فرصة للتفريغ. وكيف أثق بشخص لا أعرفه، فأحياناً بل غالباً ما يخوننا الأصدقاء الحقيقيون الذين شاركونا الطعام والحياة والحزن والفرح، فكيف أمنح ثقتي لشخص كتب اسمه، مؤهله العلمي، عمله، مدينته؟ وكيف لي أن أتأكّد من صدق بياناته الشخصية أو صدق أفكاره؟ إن هذا ضرب من المغامرة والمجازفة كما أرى. لكم أن تسمعوا الآراء ومن بعدها تقرّروا أن تكونوا مع الصداقة الافتراضية أو ضدها:
علاء زريفة شاعر وكاتب: لست مع ولست ضد بالمطلق، أعتقد أن الصداقة تمثّل حالة عليا من الانسجام العاطفي والروحي البعيد تماماً عن أي مصلحة ماديّة، اللهمّ الرغبة في الشعور بالأمان والراحة وتعزيز الثقة بالنّفس، والإحساس بالحياة من خلال إنسان آخر يشاركنا لحظاتنا بكل أطوارها. وهنا أستطيع أن أقول: لم يعد يوجد عالم افتراضي أو واقعي، فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وشيئاً يعيش معنا ونعيش فيه، ومستوى ثقافة مستخدميها يحدد شكل العلاقة المبنية عبرها وتفرضها حاجاتهم.
في واقعنا العربي أراها انعكاساً لحالات الكبت الجنسي والتفريغ العاطفي لا أكثر. رغم أن هناك حالات كثيرة ناجحة من الصداقات الافتراضية مجازاً. وقد تبلغ من الحميمية والصدق درجة كبيرة. هذا يعتمد على مدى وعي الأفراد وتقديرهم لقيم إنسانية نبيلة كالاحترام والخصوصية المقدّسة للأفراد.
رلا محمد مدرّسة لغة إنكليزية: ضرب من الخيال، يمكن أن ألتقي زميلاً، جاراً، صديقاً في الشارع ونتبادل الأحاديث على المسنجر، ولكن في الواقع التحية تكون غالية الثمن. هناك فروق بهدفنا من التعاطي على وسائل التواصل الاجتماعي، الرجل يمكن أن يكون بحثه نتيجة حاجته إلى الأنثى التي في خياله ليملأ وقت فراغه. أما الفتاة فمن الممكن أن تُفهم أن غايتها هي العريس. لذا نحن بحاجة لتفعيل التفكير الراقي لدراسة إستراتيجيات هادفة لنرتقي بهذا التطور.
آ. وداد أحمد مديرة مدرسة الأنشطة التطبيقية: الصداقة الافتراضية إن كانت قائمة على أساس واقعي جيد فهي تقرّب المسافات والقلوب، فأنا أعادت لي صداقاتي القديمة وخاصة أن كل واحدة في بلد. استخدام الشخص لوسائل التواصل هناك السلبي وهناك الإيجابي فالسم يمكن أن يقتل ويمكن أن يداوي.
أ. أكرم يونس مدرّس معلوماتية: عندي كثير من الأصدقاء الافتراضيين أؤمن بها بالمطلق، فلديّ أصدقاء لا أعرفهم واقعياً وأتّفق معهم على ألا أعرفهم في الواقع، أتناقش معهم بموضوعات شتّى حيثُ لا سقف للحديث معهم. الشخص الافتراضي هو الورقة والقلم الذي أكتب به بحياد، فعندما نتناقش بمشكلة يقول لي وأقول له الرأي الصحيح بعيداً عن الغايات السيئة. عندي أصدقاء بشرط أن تكون الغاية الترويح عن النفس ومشاركة ضغط الحياة وألا أُفهم أنّي أطبّقه. لها مخاطر لكوني أتكلّم مع شخص لا أعرف هويته، وبناء الثقة بين الطرفين يحتاج شيئاً مميّزاً. كيف سأكتشف صدق الآخر؟
أ. حرفوش مدرّبة فنون شعبية: نسبة الصحة فيها قليلة جداً قد نتبادل الأفكار والآراء ووجهات النظر فقط ولكن لا تندرج تحت مسمّى صداقة. الصداقة الافتراضية قد يظهر فيها الشخص بأبهى حلّته ولا يظهر الجانب المظلم من شخصيّته. يجب علينا الفصل بين العلاقات في الحياة الواقعية والعلاقات الافتراضية، ولو كان فيها شيء من الصحة لاندرجت تحت اسم العلاقات الحقيقية والواقعية.
يارا خضر طالبة إعلام سنة ثانية: هي أمر مزيّف تفتقر للغة الحواس والتي هي الأهم، لأن الصداقة الحقيقية تعتمد على المواقف والأحداث التي تدور بين الصديقين، أما الصداقة الافتراضية هي فقط مهمة كنوع من تبادل الثقافات والآراء والتعارف وملء وقت الفراغ ومن المستحيل أن تتحوّل إلى صداقة حقيقيّة.
يوسف المحسن مهندس كهربائي: هي مرفوضة وأظن أن أغلبيّة المتزوّجين والمستقرّين من رأيي.
د. شفق حرفوش دكتوراه في الهندسة الزراعية: لا أشجّع عليها لأن الأساس هو الصّدق ومن الممكن للشخص أن يكتب أي معلومات من دون التأكّد من مصداقيّتها ومن حقيقة اسم الشخص وطباعه.
آ. سحر قزق موجّهة: إنها ببساطة كذبة، تتخيلين أن الشخص جيد وليس بالضرورة أن يكون كذلك فتُصدمين.
فداء الماغوط مستخدمة: هي خيال ووهم.
آ. رؤى خليل معلمة رسم: أرفضها رفضاً مطلقاً، فهي لا تقوم على ثقة، الصديق بعد المعرفة والتجربة.
مواهب عباس معلمة صف: تفتقد المشاعر الصادقة، لكنها أداة تواصل ووصول إلى معلومات واكتساب خبرات.
أمل عبود منشّطة إعلامية: صداقة بعيدة عن الحقيقة، لا تعبّر عن مشاعر صادقة، هي أشبه بتبادل آراء، قد تكون نافعة وقد تكون ضارة حسب وعي الأشخاص وثقافتهم.
شادية شيباني مدرّسة موسيقا: معها بشرط أن يكون صادقاً وبياناته صحيحة، ومن يضمن ذلك؟
هناء عجي موظفة في معمل زين فارما للصناعات الدوائية: يا صديقتي هي افتراضية من اسمها. وهي نسبية مثل أي شيء في الحياة، ممكن أن تلتقي أصدقاء حقيقيين وتتعمّق صداقتهم مع الأيام وممكن أن تكون فشّة خلق مع أشخاص لا نعرفهم، نحن شعوب تحتاج إلى شخص غريب لتحكي معه وتختبئ وراء قناع.
عزيزي القارئ مادتي بين يديك ولك الخيار أن تجرّب بحذر من دون الخوض في العمق، أو أن تستفيد من آراء الآخرين وتجارب بعضهم من دون أن تدخل في المعمعة. فأنا شخصياً أنصح بحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون الثامنة عشرة فلا يغيب عن ذهني مشهد الطالبة التي خضعت لمغريات حبيبها عبر هذه الوسائل في إحدى المسلسلات السورية. وحتى بعد الثامنة عشرة الولد ذكراً كان أو أنثى يحتاج إلى توعية ورقابة دائمتين. إن استخدامها يحتاج وعياً حتى من قبلنا نحن الناضجين فقد نخطئ مَنْ يدري؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن