ثقافة وفن

التاريخ السري للنساء الأديبات.. في كل زمان كتبت النساء أعمالاً باهرة وبقيت أسماؤهن وأعمارهن في المجهول

| مها محفوض محمد

أديبات عالميات كثيرات قدمن أعمالهن إلى القراء تحت أسماء ذكورية مستعارة خوفاً من ردود الفعل على كتاباتهن نتيجة ظروف اجتماعية وسياسية كانت تحكم مجتمعاتهن وتنظر للمرأة بأنها غير قادرة على إنتاج عمل أدبي صالح للنشر. هذه الظاهرة التي سادت في أوروبا في القرن التاسع عشر وما قبل اعتبرتها الكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف أنها جاءت نتيجة معاناة المرأة الناجحة وسط مجتمع ذكوري لا يقيم وزناً لإبداع المرأة، فآثرت إخفاء هويتها الحقيقية لتظهر باسم ذكوري كما فعلت جورج صاند في فرنسا واسمها الحقيقي أمانتين أورو لوسيل وجورج اليوت في بريطانيا واسمها الحقيقي ماري أن ايفانز وكيوربل، وكذلك الروائية والشاعرة الإنكليزية شارلوت برونتي من أكثر الروائيات شهرة في التاريخ والأميركية نيلي هاربرلي التي نشرت باسم هاربرلي فقط وغيرهن ممن فعلن ذلك خوفاً من الاستعلاء الذكوري ورفض المجتمع لأعمالهن.
عن هذا الموضوع وتحت عنوان «التاريخ السري للنساء الأديبات» كتبت صحيفة لومانيتيه الفرنسية مقالاً جاء فيه: في كل زمان كتبت النساء بطريقة باهرة لكن بقيت أسماؤهن وأعمالهن مجهولة فهل يمكن أن نرضى ونقتنع بتاريخ الأدب كما تلقيناه؟ بالطبع لا، ذلك لأنه أضعف مكانة المرأة الأدبية حتى جعلها تخشى المجاهرة باسمها على الرغم من أن أول نص أدبي في التاريخ كتبته امرأة منذ 4300 عام هي إنخيدوانا أميرة بلاد الرافدين ابنة الإمبراطور سرجون الأكادي التي كتبت الكثير من القصائد والتراتيل للآلهة عشتار وقد تكون الأولى مما وقّعوا على أعمالهم الأدبية. ثم من الذي وقع على أول رواية معروفة؟ هي أيضاً امرأة صاحبة مقام البلاط الإمبراطوري في اليابان موراساكي شيكيبو التي كتبت رواية «جينجي» نحو العام 1000 التي تعد تحفة الأدب الكلاسيكي الياباني، وفيها تروي قصة هيكارو جينجي ابن الإمبراطور الذي جرد من مرتبته وأعيد إلى طبقة عامة الناس ليعمل موظفاً في البلاط الإمبراطوري، وتكتب الرواية إحدى الوصيفات لكن بالاسم المستعار موراساكي، والعمل يروي تفاصيل حياة جينجي إضافة إلى عدد كبير من الأشخاص المحيطين به ولم ينتج هذا العمل المدعم بالرسوم والزخرفات إلا في القرن السابع عشر حيث تم إصداره في خمسة مجلدات، ونقول لو أن هؤلاء النسوة الرائدات خلقن رجالاً لكانت أسماؤهن لامعة أكثر بكثير مما رأيناه، ففي المجتمعات البطريركية حيث كان الرجال يفرضون سلطتهم على النساء ويخصصون لهن أماكن محددة كان كل شيء ينظم للزجر وتثبيط العزيمة والتمييز أيضاً والوصم بالعار وفي النهاية الاستئثار بمزاولة مهنة الأدب، ورغم كل ذلك استطاعت بعض النساء إخراج نصوص أدبية والتوقيع عليها أي رغماً عن أولئك الرجال كانت الكفاءات في موعدها، أعمال وأسماء كانت حاضرة لكن أهملت وتم إغفالها من إرثنا الثقافي، فالمؤسسات تنسى استخفافاً بالمرأة وعداءً لها.
هكذا يعبر ايريت دوسيرت مؤلف كتاب «مخبوءات الغابة» الذي ينصف فيه 138 أديبة يستحضر أعمالهن وحياة البعض منهن مثل كريستين دوبيزان (1364 – 1430) أول امرأة كان لديها ورشة خاصة لنسخ المخطوطات، فهي كاتبة ولدت في إيطاليا وجاءت إلى فرنسا تزوجت عام 1381 ثم توفي زوجها بعد عشر سنوات فأخذت تكتب لتكسب من عملها لتربي أطفالها، وتعد أول امرأة في أوروبا تتقاضى من عملها كمؤلفة مثيرة بذلك فكرة مساواة المرأة مع الرجل فقد استطاعت إنتاج واحد وأربعين عملاً على مدى ثلاثين عاماً، ويعد كتابها «مدينة السيدات» أحد أول وأفضل النصوص النسوية الذي يعبر عن فكر كريستين الإنساني، وقد تم وصفها من أحد معاصريها بأنها «الإنسان الأكثر كمالاً» كما لو أنه يجب المرور قسراً عبر صيغة المذكر لوصف امرأة مثقفة.
من النساء اللواتي تم الاستخفاف بهن أيضاً مدام دوبان جدة جورج صاند وكانت سيدة عظيمة من سيدات القرن الثامن عشر تميزت بعلمها وحرية فكرها، كتبت 2000 صفحة في كتابيها «الدفاع عن النساء» و«المساواة بين الجنسين» ما دفعها إلى عدم النشر خوفاً من أن تصبح محط هجوم شرير فبقيت الكتب طي النسيان، ولم تطبع أبداً إلى أن جاءت الحفيدة جورج صاند لتتسلم الراية بحماس وبراعة حتى أصبحت مشهورة تنافس كتاب عصرها، ولم تكن الوحيدة في اختيار اسم رجل لتوقيع أعمالها «فهناك الكثيرات من جورج وأنا أكتشف منهن دائماً» هكذا تقول لورانس فارون مديرة منشورات «مواهب عليا» حيث نشرت مؤخراً مجموعة بعنوان «الريش المنتوفة» أهدته إلى الروائيات المنسيات.
عدد هائل من النصوص التي لاقت نجاحاً شعبياً كبيراً وانتقاداً في آن معاً بسبب اختفائها وإهمالها وكأن تلك النسوة خضعن لعملية تطهير لسلالتهن الأدبية حتى بعد وصولنا إلى القرن العشرين سنحفظ أسماء عشر نساء لكن عشرة أضعافهن من الرجال، فهناك طرق غير معقولة لتفضيل الذكر على الأنثى تتضح باستمرار والشواهد واضحة فما علينا سوى متابعة قائمة جوائز نوبل والنصوص المختارة في البرامج المدرسية حيث تم بخس النساء حقهن في إدراج نصوصهن، وفي المجمل كان هناك أربع عشرة امرأة نالت جائزة نوبل للآداب، ست منهن مابين أعوام 1901 – 1990 ثم ثمان بعد العام 1991 أي هناك تقدم في الثلاثين سنة الأخيرة.
اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين أصبحت الروائيات مقروءات أكثر ولم يعدن منبوذات، لنقل إننا على الطريق السوي وهي الفرصة لإعادة اكتشاف التراث الفرنسي فكثير من نساء الأدب والموهبة تم إغفالهن ونريد في الوقت ذاته أن يقام الدليل السياسي على ذلك إضافة إلى رد الاعتبار للأدب بوضع حد لأشياء كانت محرمة تورطوا بها، هناك أديبات مغمورات يعاد نشر أعمالهن الآن مثل مارغريت أدو يتبعها أعمال أخرى منها «الجميلة والوحش» القصة الشهيرة عالمياً والتي أنتجت كفيلم رسوم متحركة، وهو الفيلم الوحيد للرسوم الذي رشح لجائزة أوسكار ويعتبر أنجح فيلم في التاريخ كاتبته امرأة وقعت باسم مجهول أيضاً.
تقول غابرييل سوزان صاحبة دار نشر: إنه من أروع القصص التي كتبت بطريقة رائعة وأنا أعمل حالياً على إصدار طباعات جديدة منها كل عام لنؤكد قيمة العمل وبعدد النسخ، ويقول إيريك دوسيرت متحمساً: يجب على الناشرين أن يصحوا وينتبهوا وهذا هو موضوع كتابي الذي يزدحم بالكنوز المخبأة وآمل أن يحرك دور النشر الكبرى فلديهم كنوز مدرجة أسماؤها في قوائم موجودة عندهم، ويضيف من يعلم بأن دلفين جيراردن هي من ابتكر كتابة العمود الصحفي؟ من قرأ أعمالها؟ ثم يعدد الكاتب أسماء أديبات فرنسيات غير معروفات مثل ميريام هاري، كلير دو دوراس، روز سيلي أو ماري لويس هومون وأعمالهن الكثيرة المفقودة، باحثون وناشرون يسعون اليوم لتدارك الأمر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن