ثقافة وفن

اتسم أسلوبه بطرافة الفكرة ووضوحها … سعد صائب.. رفض العمل في هيئة الإذاعة البريطانية وأهدى كتابه إلى جمال عبد الناصر

| وائل العدس

ضمن سلسلة «إعلام ومبدعون»، أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب – مديرية منشورات الطفل العدد التاسع والثلاثين عن الأديب سعد صائب بقلم سراج أحمد الجراد.

المولد والنشأة
ولد الأديب صائب في حي العثمانية في محافظة دير الزور في السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 1917، وقد سماه أبوه «سعاد» محبة بصديق له يحمل الاسم نفسه، وحين كبر أقام له أخوه الأكبر «راغب» وكان أول محام متخرج في جامعة السوربون، دعوى غيّر فيها اسمه إلى «سعد».
أمضى طفولته الأولى في مدينة البوكمال، وكان من أقرانه الشاعران شفيق وعبد اللطيف الكمالي، واشتهرت عائلته بمكانتها الفكرية والعلمية، وكان والده واحداً من وجهاء المدينة ومثقفيها الأوائل، فقد نشأ على محبة العمل، ودرس عند العلامة حسين الأزهري، ثم تقلد وظائف الدولة، فكان قائم قام مدة طويلة في الحسكة والبوكمال، وهو مؤسس جريدة «البادية»، أول صحيفة أنشئت وطبعت في دير الزور عام 1916.
أنجز والده قبل وفاته كتباً عدة منها «معجم الصائب» و«المنهل»، وكان يتقن اللغتين التركية والفارسية، وكان مرجعاً لحل بعض القضايا الدينية والتاريخية التي قد تستعصي على الباحثين، وفي رعاية هذا الرجل كانت النشأة الأولى للأديب سعد صائب.
دخل سعد المدرسة الابتدائية ثم درس في تجهيز الفرات، وانتقل إلى دمشق ليدرس المرحلة الثانوية في معهد «اللاييك»، فلما تخرج فيه انتقل إلى بيروت ليدرس في جامعة القديس يوسف اليسوعية، وينال منها شهادة جامعية في الأدب العربي، أهلته فيما بعد أن يكون في عداد الأدباء المرموقين.
عشق اللغة العربية وأتقن علومها ومعارفها، وعمل مدرساً في الثانويات الريفية ثم موظفاً في وزارة الزراعة فمديراً لمكتب الوزير ثم أصبح مديراً للمتحف الزراعي في دمشق.
تزوج من السيدة براءت جود الله، وله منها ابنان هما هيثم ووائل وثلاث بنات هن سناء وسوسن وميثاء.
بدأ كتاباته في الدوريات على استحياء وهو في السابعة عشرة من عمره، وكان ينتحل اسم «فتى الفرات»، ونشر أول قصائده عام 1963 وهو ابن تسعة عشرة عاماً وذيلها باسم وهمي لشاعر أجنبي لأن هذا النوع من الشعر لم يكن مقبولاً في وقته، وادّعى أنها ترجمة مخافة النقد.
نشر أول مقال له عام 1936 في جريدة «الأيام»، وأول محاضرة له كانت عن الأديب الفراتي القديم لوقيانوس السمياطي عام 1042، وقد شهد «نادي الأخوة» بدير الزور أولى محاضراته وكان أمين سره.
كان من أوائل المؤسسين لاتحاد الكتّاب العرب، وأسس مع مجموعة من الأدباء في دمشق «جمعية الأدباء»، وكان دوره في الجمعية فاعلاً إذ كان أمين سرها آنذاك.
كتب العديد من المقالات والدراسات في النقد والتراجم لشعراء عرب وأجانب، نشرت في الصحف السورية والعربية، كما حاضر في الأندية الأدبية والمراكز الثقافية، وأذاع البرامج في إذاعة دمشق.
في عام 1987 أقيم له حفل تكريمي في المركز الثقافي في دير الزور، كما أحدث أول جائزة أدبية سنوية في دير الزور باسم «جائزة سعد صائب للشعر والقصة» ابتداءً من عام 1988 للأدباء الشباب على نفقته الخاصة، كما أحدث عام 1990 جائزة سنوية تشجيعية للمتفوقين في الشهادة الثانوية العلمي والأدبي في دير الزور من طلاب «ثانوية الفرات».
كان عضواً في اتحاد الكتّاب العرب، وفي جمعية البحوث والدراسات، وعضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية منذ عام 1958، وعضو شرف في الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية في باريس، وعضواً في مؤتمر الشعر العالمي الدائم في بلجيكا، ومُنح شهادة الدكتوراه الفخرية تكريماً لجهوده الأدبية.
أحيل على التقاعد عام 1978 وتفرغ للكتابة والترجمة والنشر.
أقامت الأستاذة حنان نجمة حفل تكريم له في صالونها الأدبي في 4/1/1996.

أدب الأطفال
كانت الطفولة بكل براءتها وجمالها وعنفوانها محط اهتمامه، فهو الذي خصص جهده ووقته من أجلهم، وتعد اهتماماته بأدب الأطفال صورة أخرى تجسد إنسانيته تأليفاً وترجمة وتوجيهاً، وقد رفد المكتبة العربية لتحقيق هذا الغرض بمجموعة كبيرة تستحق الوقوف عندها ودراستها.
اتسم أسلوبه في قصصه للأطفال بطرافة الفكرة ووضوحها وسهولة التعبير، فكان في كتاباته وترجماته يستبعد كل فكرة لا تلائم عقل الطفل واحتياجاته النفسية لمعرفته بأثر المفردة وقوتها في حياته.
ومن آثاره التي تركها لهم في الترجمة والتأليف: الشارع الأخضر، الصياد الصغير، مرجان وأصدقاؤه، طاب يومك أيها الطبيب، الموسيقيون واللصوص، الأرنب عفراء، مملكة الأزهار، مغامرات رشا الصغيرة، وعشرات القصص الأخرى.

الجانب القومي
في عام 1985 تلقى رسالة من هيئة الإذاعة البريطانية هذا نصها: «يسعد القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية أن تسهموا بقلمكم في أحاديثه الثقافية، وهي ثلاثة برامج أسبوعية، عالم الأدب، والحديث الثقافي، وثمرات المطابع، فإذا رغبتم في الإسهام بحديث أو أكثر في هذه البرامج فأرجوكم التكرم بموافاتنا ببعض أفكاركم واقتراحاتكم، حتى يتسنى لنا هنا تحقيق التوازن المطلوب بين مواد البث الإذاعي، وإعداد خطة عامة نستفيد منها من مختلف المشاركات الثقافية».
فكان جواب سعد الآتي: «لقد قضيت من عمري الأدبي خمسين عاماً لم أذع في محطة أو أنشر في مجلة أجنبية تنطق بالعربية، فهل أتيح لهذه الإذاعة – التي كان أصحابها الإنكليز سبب محنتنا في فلسطين – إغرائي بالحديث فيها ولو ملكتني الملايين؟ كلا، وحق عروبتي.. أنا الذي ما خطر بقلبي ساعة أن أرتاح إلى الازدواجية عند سواي طوال حياتي، فكيف يرتاح إليها أدبي وقد جعلته مثالاً يحتذى به لقيمي ومبادئي لا يحيد عنها، ختاماً أرجو قبول عذري مع صادق تحيتي».
ولطالما ردد سعد قوله: «أبكي لأمتي المشرذمة، أبكي للحال التي بلغناها، فلو اتحدنا واجتمعنا لتجاوزنا باقي الأمم، نحن أمة لديها التاريخ واللغة، ويجمعنا دين واحد، وأرض واحدة، فلماذا لا نكون أمة واحدة؟».
فقد آلمه ما آلت الأمة إليه من انهزام وتأخر على مختلف الصعد وفي هذا يقول: «لكم أضيق بعيشي ذرعاً، ويشتد جزعي كلما رددت بصري في مواطننا العربي فأرى علامات من القهر، وآثاراً من الخذلان واليأس أنسته حتى البكاء على مصيره!».
وحين أصدر كتابه «مع الفجر العربي» أهدى منه نسخة إلى الرئيس جمال عبد الناصر فبعث إليه الرئيس رسالة جوابية يشكره فيها ويقول: «أشكر لك إهداءك إليّ مؤلفك القيم الذي تجاوبت فيه مع الأحداث الضخمة التي هزت شرقنا العربي، ودفعت إلى الأمام، وعالجت فيه الأهداف الأساسية للأمة العربية في عمق ودقة، وفقك اللـه وإيانا لما فيه خير العروبة، والله أكبر، والنصر للعرب».
ومن كتبه في القضايا القومية: صراع مع الغرب في حضارته وتياراته الفكرية، هذا العام العربي، مآثر العرب، البلابل العائدة.

وفاته
تراجعت صحة سعد صائب في السنتين الأخيرتين من حياته، وعانى المرض ما عانى، وأضحى عاجزاً عن الحركة والخروج من منزله، ولم يعد بالإمكان أن يعوده أحد من أصدقائه أو يتحدث إليه، وظل على هذه الحال إلى أن وافته المنية في الثاني من شباط عام 2000.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن