قضايا وآراء

موسكو وبكين في قمة عالم متعدد الأقطاب

| تحسين الحلبي

اعتادت الإدارات الأميركية في الحرب الباردة في القرن الماضي وفي أوقاتنا هذه على اللجوء إلى سياسة التهديد بالحرب وبانتهاج سياسة تتفق معها عندما تزيد تهديدها إلى مستوى حافة الهاوية النووية وخصوصاً مع دول كبرى مثل روسيا الاتحادية والصين الشعبية، ويرى الكثيرون من المختصين بالشؤون الإستراتيجية في أوروبا وروسيا أن هذه السياسة هدفها زيادة الردع للمناهضين للهيمنة الأميركية، لكن من يتابع السياسة الروسية يجد أن موسكو تفرض سياساتها الدولية والإقليمية بنجاح رغم كل محاولات واشنطن تصعيد سياسة حافة الهاوية وهذا ما يؤكده الكاتب السياسي الأميركي الشهير بيل غيرتس الذي أصدر سبعة كتب ذات عناوين من صلب جدول العمل الإستراتيجي الدولي مثل كتاب «الحرب والسلام في عصر المعلومات»، واتهمه وزير الدفاع السابق في عهد إدارة جورج بوش دونالد رامسفيلد بأنه «يحفر فجوات في البنتاغون ويمتص المعلومات»، فتحت عنوان «غيراسيموف يتعهد بالمزيد من الحرب غير العسكرية ضد أميركا» يرى غيرتس أن الجنرال الروسي فاليري غيراسيموف رئيس أركان القوات المسلحة الروسية هو الذي ابتكر استخدام ما يسمى «هايبريد وورفير» أي الحرب التي تنطوي على استخدام مجموعة من وسائل القوة الحديثة مثل «السايبير والفضاء وأسلحة المعلومات وأدوات حرب العصابات» وهذا ما قاله بشكل واضح حين حدد أنه «في ظل الظروف الجديدة للحروب يتوجب على القوات المسلحة الروسية الاستعداد لشن الحروب والنزاعات المسلحة بطابع جديد باستخدام الطرق التقليدية وغير المتماثلة».
ويرى الكاتب الأميركي أن هذه الحرب جرى تطبيقها باستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 ونجحت بأسهل الطرق وبعدد قليل من الوحدات الخاصة، ويبدو أن الإدارات الأميركية ما تزال تستخدم إستراتيجية «حصان طروادة» حين تتدخل وتحاول احتلال بلاد ما عن طريق «الطابور الخامس» المتحالف معها في داخل تلك البلاد بشكل سري ثم تستكمل أثناء قيامه بدوره عملية الاحتلال بالقصف الجوي بقذائف موجهة دقيقة الإصابة، ويتضح مما يراه غيرتس أن الزمن يعمل لمصلحة مثل هذه الحروب التي تعد روسيا جيوشها وقدراتها بما يتفق معها سواء من ناحية السرعة في الإنجاز أو من ناحية استخدام كل ما تعنيه هذه الحروب من هذا النمط الجديد والعصري جداً.
وفي الجانب السياسي على المستوى العالمي بدأت إسرائيل تعد نفسها للتعامل مع نظام عالمي متجدد لم تعد فيه الولايات المتحدة هي القوة الأكبر بل أصبحت جزءاً من عالم متعدد الأقطاب لا تستطيع أن تفرض فيه إلا الحد الأدنى من قواعده الارتكازية.
وفي هذا الاتجاه يرى البروفيسور الإسرائيلي روعي يالينك من جامعة بارايلان أن مؤتمرين عقدا في الأسابيع الماضية أحدهما «سوتشي» جمع بوتين وروحاني وأردوغان وآخر في «وارسو» جمع وزير الخارجية الأميركية مايكل بومبيو بعدد من نظرائه الأوروبيين ومعهم إسرائيل وعدد من الممثلين عن دول عربية وبالطبع كانت لكل مؤتمر أهداف مناقضة لأهداف المؤتمر الآخر وظهر على المستوى الدولي انقسام زاد بعد أزمة فنزويلا ودعم موسكو لرئيسها مادورو وكذلك إيران والصين التي قدمت لمادورو مساعدات مالية ويضيف يالينك بأن الصين بدأت تعزز علناً علاقاتها مع سورية وبشكل من المتوقع أن يتسارع في تقديم الدعم الصيني لها في مجالات كثيرة اقتصادية وعمرانية.
وهكذا أصبح العالم منقسماً إلى كتلتين هما موسكو وبكين وحلفاؤهما، وواشنطن ومن يتحالف معها لأن أوروبا ودولها لم تحسم بعد طبيعة علاقاتها مع الكتلتين الكبريين رغم أن بريطانيا ستنضم فوراً إلى واشنطن وهو ما تتوقعه دول الاتحاد الأوروبي، والجديد والبارز في هذا العالم الجديد أن الاتحاد الأوروبي لن يكون بمقدوره الانحياز إلى واشنطن بعد الاختلاف مع ترامب.
فأوروبا تتعامل مع إيران اقتصادياً بشكل ما ولا تقبل بمحاصرتها رغم أنها متحالفة مع موسكو وهذا ما يجعل طريق بعض الدول الأوروبية وخصوصاً ألمانيا أقرب إلى موسكو منه إلى واشنطن فألمانيا تمسكت بصفقاتها مع موسكو في مجال الغاز رغم غضب أميركا منها. وكان أحد مراكز الأبحاث الأوروبية قد أشار إلى أن عدداً من القواسم المشتركة في المصالح الاقتصادية ومصلحة المحافظة على البيئة تجمع أوروبا مع موسكو أكثر مما يجمعها في هذه المواضيع مع الولايات المتحدة التي أسقطت البيئة من سياستها.
وفي النهاية من المقدر أن تتمتع الدول الإقليمية مثل إيران وسورية والعراق بالمكاسب التي تحققها روسيا والصين في الساحة الدولية وفي رسم قواعد النظام العالمي متعدد الأقطاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن