شؤون محلية

من حكايا المهجرين… «أم وحيد» تحوك الألبسة بعدما حاكت الهجرة حياتها!

عبير سمير محمود

«لا شيء يهمني سوى أن يبقى أولادي بخير، فلم يعد لدي ما أملكه لأخسره بعد الآن، والله يفرّج أحسن من الكل» بهذه الكلمات تبدأ أم وحيد حديثها لـ«الوطن» بعد أن تهدم منزلها في دوما وخسرت كل ما نقلته معها إلى عدرا العمالية بعد هجوم العصابات المسلحة على الأخيرة وتهجيرها منها إلى ضاحية الأسد بحرستا حيث التقتها «الوطن» لتحكي تفاصيل قصتها التي لم تستطع ذاكرتها أن تهجرها منها إلى مكان لا تجد به أحداثاً عاشتها قبل سنوات ثلاث ونصف السنة في منزلها «الفخم» في دوما بريف دمشق لتعيش اليوم مع أولادها الثلاثة في محل استأجرته في ضاحية الأسد لا تتجاوز مساحته 16 متراً… فلا طاقة لها باستئجار منزل وخاصة مع ارتفاع أسعار الإيجار وبهذا المحل وضعت آلة للخياطة تحيك بها الألبسة لتسترزق بها. قائلة: تهدّم منزلي بفعل الإرهاب وانتشار المسلحين بمنطقتنا، ونحمد اللـه «بأننا نفدنا بالأولاد والباقي بيتعوّض» فقد كان بيتي في شارع القوتلي بدوما لا ينقصه شيء… وكانت كل جاراتي يتمنين لو أن بيوتهن كبيتي «كامل مكمّل» لتضيف «بغصة» لست هنا لأعدد الأثاث الذي كنت أنتقيه بعناية وكذلك الأدوات الكهربائية وكل ما فيه لم يعد لدي منه سوى ذكرى هروبي مع عائلتي حين بدأ المسلحون يدخلون مدينتنا– دوما- ويتوزعون في الشوارع وأمام المدارس ليمنعوا الطلبة من دخولها ومن يحاول يقومون بقتله لأنه «يدرس» على حد قولهم، فاضطررت وعائلتي إلى الفرار من المدينة وتوجهنا- مع بعض الأغراض الشخصية التي استطعنا نقلها معنا دون ملاحظة أحد بأننا لن نعود وإلا لمنعونا لأنهم يستغلوننا كرهائن لديهم – توجهنا إلى عدرا العمالية حيث كان «اليوم الأسود» بانتظارنا وكأن القدر حكم علينا بالتهجير أين ما لجأنا، فلم يمض على لجوئنا إلى عدرا أكثر من عام حين هجم المسلحون بشهر كانون الأول من عام 2013 عليها ليقتلوا كل من واجههم والكل يذكر تلك الأحداث الأليمة، فما كان منا إلا أن قررنا وبعض الجيران أن نهرب فجراً باتجاه معمل الإسمنت سيراً على الأقدام ومنها إلى ضاحية الأسد حيث أعيش هنا في محل صغير أدفع أجرته 9 آلاف ليرة ولا دخل لي سوى ما أجنيه من الخياطة التي كنت أمارسها كهواية فتحولت إلى مهنة أعيل أولادي منها حيث يساعدني السكان هنا بتعاونهم معي بأن أحيك لهم ملابس جديدة أو من يريد إصلاح ألبسته كتركيب سحاب أو تقصير السراويل وأشياء مشابهة كلها تساعدني في كسب عيشي بعرق جبيني، عسى أن تحيك لي الحياة ذاكرة جديدة أحيا بها بأمل جديد، أما بالنسبة لأولادي فأكبرهم متطوع في الجيش وأصيب مرتين أثناء عمله والاثنان الآخران تركا المدرسة بعد انقطاع أكثر من ثلاث سنوات بين المناطق التي تهجرنا منها حيث أثرت مناظر القتل والذبح أمام المدارس في نفسيتهما فلم يكملا تعليمهما وهما يبحثان حالياً عن عمل يساعدنا في تأمين لقمة العيش فغلاء المعيشة يحملني هماً إضافياً لا أستطيع إخفاءه وخاصة مع قيامي مؤخراً بتربية طفلين «توءم» تركهما لي أخي بعد أن طلق زوجه التي لم تتحمل سوء معيشتنا فتوليت أمرهما ريثما تتحسن أحواله ونعيش على أمل أن الغد أفضل من اليوم إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن