ثقافة وفن

واكب التلفزيون العربي السوري منذ تأسيسه في الستينيات … الماكيير المثقف عبد الرحمن كرزون أحد مؤسسي فن الماكياج في سورية

| أحمد محمد السح

لم يعد بالإمكان اعتبار فن الماكياج بدعة تزيينية يقصد منها الغواية فحسب، كما كان في العصور القديمة، ولم يعد هذا الفن مرتبطاً بالأنثى فقط، فمع تطور الفنون البصرية المباشرة والمصورة بات من الضروري أن تدخل أدوات الزينة والتجميل في صلب العمل الفني من أجل ضبط العملية الفنية والمساهمة في الانطباع الذي يقدمه محتوى الشخصية. فكثيراً ما ارتبط في أذهاننا صورةٌ لشخصيات حقيقية أو متخيلة وفقاً لتنميط فني ورسم مدروس يصبغ الشخصية الفنية المقدمة، ويطبعها في ذاكرتنا الجمعية. يبدو واضح أنه مع تطور المسرح وظهور السينما وبعدها نشأة التلفزيون وحتى في زمن الأبيض والأسود؛ انتبه المؤسسون إلى أنهم لابد أن يقدموا إضافاتهم إلى الشخصية، وكان العمل في البداية غير احترافي يبتكره الممثل أو مخرج العمل أو أي شخص يتكفل بهذه المهمة، وبعدها استقل هذا الفن وبات من الضروري أن يكون العمل أكاديمياً، يظهر الجمال أو القبح الداخلي للشخصية يقربها للواقع أو يبعدها عنه.

نشأ فن الماكياج في الغرب، على اعتبار أن الفنون البصرية تطورت بقفزات واسعة عندهم، ومع دخول السينما ومن ثم التلفزيون إلى سورية ظهرت وجوه أسست لهذا الفن ومنهم الفنان الراحل عبد الرحمن كرزون الذي كثيراً ما قرأنا اسمه على شارات الأعمال التلفزيونية حتى غادرنا عام 2010م. عيِّن عبد الرحمن كرزون في التلفزيون العربي السوري بصفة فني ماكياج عام 1962م أي من الممكن القول إنه واكب انطلاقة التلفزيون السوري الذي تأسس عام 1960م. وكان قبلها قد عمل مدرساً لمادة الفنون في مدينة حلب مسقط رأسه. ومع الاهتمام الذي لاقاه فن الماكياج عموماً واشتغال كرزون بشكل خاص، في المسرح والتلفزيون، أُوفد في بعثةٍ اطلاعية عام 1968 إلى التلفزيون الألماني وقد شارك هناك في مسلسلين «توركارين» و«الأم فارشفا» وفيلم سينمائي بعنوان «السيد شبنكر» وفيلم استعراضي راقص، ليعود بعدها إلى سورية حاملاً شهادة اختصاص برتبة جيد جداً من التلفزيون الألماني لتستمر مسيرته مع عدد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية والمنوعات في القطاعين العام والخاص.
لم يتوقف كرزون عن كونه من المؤسسين -حيث يعتبر الراحل صبحي المصري شيخ المؤسسين- بل تابع التقدم مع التجارب الفنية الجديدة، وتغيرات الأداء الفني وتقنياتها من تغيّرٍ للإضاءة وفنون العمليات الإخراجية، ولم يكن ليكتفي بالنظرة الفنية السريعة، بل كان يعمل على صقل ثقافته بالاطلاع على النص المكتوب ورؤية المخرج والكاتب، باحثاً في تفاصيل المرحلة، خاصة إن كانت تاريخية، هذا المجال الذي أبدع فيه ولاحقه، فقد امتلك موهبةً خاصة في صناعة الأقنعة والتفصيل من لحى وشعر مستعار وإضافات تفصيلية للوجه، كان يشتغلها يدوياً مبتعداً عن الأدوات الصناعية ومقللاً قدر الإمكان من الأدوات البلاستيكية التي تعطي انطباعاً غير صادق لعين المشاهد. واشتغل بشكل واضح على الخدع البصرية في الماكياج وبرز هذا واضحاً في العمل التلفزيوني «رحلة البصير إلى البصيرة».
عرف تقنيات الماكياج المسرحي، وكان يميز أنه على المسرح يجب أن تكون الألوان صارخة، قادرةً على الوصول إلى عين المتفرج على امتداد مساحة الصالة، ثم بدأ الاشتغال على التقنيات السينمائية، وقد مدّ يد العون لكل من لحقه في درب هذا العمل الفني من الجيل اللاحق له، ومع السينما كان لا بد من العناية بتفاصيل الوجه وإبراز أدق التفاصيل أمام الكاميرا التي تلتقط المشاعر الإنسانية في إيماءات وإيحاءات الممثل. ومع التلفزيون عايش مرحلة الأبيض والأسود ولربما يخطر في بالنا هل كان مفيداً الماكياج في مرحلة الأبيض والأسود، الحقيقة أن هذه تقنية خاصة لها شروطها استُبدلت وتطورت مع بدء الإرسال التلفزيوني الملون وانتشاره.
عايش الراحل كرزون مراحل الدراما التلفزيونية وتطوراتها منذ نشأتها حتى أوجها، فشارك في أعمال تلفزيونية عدة من أسمائها سنعرف التصاقها بثقافتنا وذاكرتنا منها: (كان يا ماكان الجزأين الأول والثاني والخوالي وعز الدين القسام وأيام شامية وأبو كامل في جزأيه وحمام القيشاني الجزء الأول ووادي المسك والطبيبة ونهاية اللعبة وهجرة القلوب إلى القلوب ودنيا الجزء الأول وغيرها الكثير) أما في المسرح نذكر: (التابعين- البخيل ودخان الأقبية وتلميذ الشيطان والعنب الحامض والتنين والزير سالم وأوديب ملكاً والملك لير وعرس الدم والحب الحرام وزيارة الاتجاه المعاكس وغيرها) وفي السينما نذكر (اليازرلي وخضرة بنت المختار وعملية شناو والقناص وسواها).
تنتشر اليوم الرغبة لدى الكثير من الشبان والشابات في إتقان فن الماكياج ولكنها كسواها من المهن تتعرض لعلميات استسهال واعتبارها تلويناً تجميلاً من دون دراية، أو ثقافة لفهم متطلبات الوجه وصحة البشرة والاختلاف بين المسرح وكاميرا التلفزيون أو السينما أو حتى الكاميرا الفوتوغرافية، وفي الوقت نفسه تلمع أسماء ما زالت بيننا بإبداع سوري خالص قادرة على متابعة مسيرة جيل كروزن في هذه العملية التي لا يمكن أن ننزع عنها صفة الإبداع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن