ثقافة وفن

الحديث عن الصورة الإيجابية للمرأة العاملة

| هبة اللـه الغلاييني

في زمن الصورة ومؤثراتها، تبدو المرأة العربية العاملة حبيسة فضائيات موطنها في كادر (النمطية) و(التقليدية) البعيدة كل البعد من واقعها الحقيقي والمتميز صورة كشفت عنها مؤخراً دراسة، أعدتها أستاذة الإعلام العربي والرئيسة التنفيذية لـ(المنظمة العربية للحوار والتعاون الدولي) الدكتورة حنان يوسف تحت عنوان العوامل المؤثرة في بناء أجندة الفضائيات العربية، بالتطبيق على ثلاثية أطراف الإنتاج (الحكومات، أصحاب الأعمال، نقابات العمال). الدراسة شملت 16 دولة عربية، وكشفت أن (الفضائيات العربية تعطي صورة مغلوطة عن المرأة العاملة، وتظهرها على أنها مقصرة في حق أسرتها. وأنانية وتستغل أنوثتها وجمالها للتقدم في العمل. النتائج التي وصلت إليها أثارت ردود فعل كثيرة دعت إلى تبرئة المرأة العاملة مما ألصق بها، محملة الذهنية المجتمعية والجسم الإعلامي جزءا كبيراً من المسؤولية، لعدم تبنيه قضايا المرأة المحقة والإضاءة على الإيجابي في أعمالها.
دراسة الدكتورة حنان كشفت أن وسائل الإعلام تسهم في تقديم صورة مجتزأة وناقصة وسطحية لقضايا المرأة العاملة، حيث أظهرت أنها تستغل أنوثتها في تحقيق التقدم بنسبة 76%. كما سجلت أن المرأة العاملة أنانية وتسعى إلى إثبات الذات على حساب الأسرة بنسبة 67%، ثم كونها مغلوبة ومستسلمة للظلم بنسبة 62%. وأنها قليلة الإنتاج ولا تستطيع التوفيق بين عملين بواقع 59.٣%).
وإزاء هذه المعطيات انتفضت معدة الدراسة الدكتورة حنان يوسف، مطالبة بضرورة إبراز النماذج الإيجابية وتدريب الإعلاميين في قضايا المرأة العربية العاملة). ودعت هؤلاء إلى (تبنيها في خطابهم، على اعتبار أنها للمجتمع العربي كله وليست لجزء منه، من خلال إبراز القيم الايجابية التي ترفع من شأن المرأة العاملة في المجتمع العربي بصفة عامة، وتعظيم دورها والقضاء على الممارسات السلبية التي تقلل من مكانتها).
أما عن آراء النساء والرجال الآخرين بهذه المعطيات، وماذا يقولون عما تروج له الفضائيات في هذا الموضوع لنا هذه المداخلات:
تتساءل بشرى، وهي صاحبة شركة علاقات، كتاب الدراما عما (إذا لم يلاحظوا التقدم الذي أحرزته المرأة العربية في المجالات كافة. ألم تصلكم أخبار عن وزيرات وسفيرات؟ ألم تصلكم أنباء عن عالمات وطبيبات ومهندسات وناشطات في مختلف المجالات؟؟ لماذا لا تحاولون إبراز هذه الصور المشرقة والواقعية للمرأة العاملة؟ تتفق بشرى مع الحراك الذي أثارته نتائج تلك الدراسة، والتي كشفت صورة المرأة العربية العاملة في الفضائيات وتقول يستفزني كثيراً ما يقال: إن المرأة العربية تستغل جمالها في الحصول على ميزات أكثر مما تستحق) لافتة إلى أنه (قد تكون هناك نماذج من هذه النوعية، لكنها تظل قليلة مقارنة بواقع المرأة وكفاحها).
تبدو المدرسة نجاح غاضبة من الصورة التي تظهر عليها المرأة في المسلسلات والأفلام بشكل عام، ومبعث غضبها هو (أن تلك الأعمال بعيدة كل البعد عن الواقع الذي تعيشه المرأة وتحديدا العاملة. تلك الأعمال لا تقدم، إلا فيما ندر، نماذج سوية ومنصفة عن المرأة المكافحة التي تملك شهادات وقدرات ومؤهلات أكثر من الرجل في بعض الأحيان!!!).
وتتابع السيدة نجاح (ما تبثه الفضائيات، كما أظهرت الدراسة، يصور المرأة العاملة بصورة غير لائقة لا تمثلها من قريب ولا من بعيد، ربما تكون هناك نماذج سلبية هنا وهناك، لكنها تبقى استثناءات وحالات شاذة لا تمثل واقع المرأة العاملة).
وتصف السيدة هلا (وهي ربة منزل سبق أن خاضت تجربة العمل لفترة) صورة المرأة العاملة كما تبدو في الأعمال الدرامية بأنها (الظالمة للمرأة.. هناك نساء عاملات كثيرات يمتلكن قدرات علمية وعملية تفوق ما عند الرجال أحياناً، لكن المشكلة تكمن في الأعمال التي تركز على مواطن الضعف وتغفل عن عمد الجوانب الإيجابية المضيئة لدى المرأة وهي كثيرة).
وتلقي السيدة هلا بالمسؤولية على (صناع الدراما الذين يحرصون على استخدام المرأة أداة جذب للمشاهد، من خلال تقديمها بصورة غير واقعية وغير لائقة).
وتوضح أن (النماذج المضيئة للمرأة العاملة كثيرة على أرض الواقع، لكن وجودها في وسائل الإعلام محدود جداً، وهذا ناتج عن التناول التقليدي لقضاياها). وتضيف: (لم تستطع البرامج ولا حتى المسلسلات والأفلام، ترسيخ الصورة الايجابية للمرأة العاملة التي تناضل لتحقيق التوازن الصعب بين البيت والعمل، وكثيرا ما تنجح).
الآنسة سالي (إعلامية وسيدة أعمال) ترى (أن كتاب الأعمال الفنية يتعمدون تقديم صورة مشوهة عن المرأة العاملة، بهدف جذب الجمهور للمشاهدة. فالأعمال التي نراها على الشاشة لا تعكس الصورة الحقيقية للمرأة العاملة). وتحصر السبب بأن هؤلاء الكتاب أنفسهم، (سواء كانوا رجالا أم نساء، يبحثون عن الإثارة حتى ولو كانت على حساب المرأة نفسها بغرض جذب أكبر شريحة ممكنة من جمهور المشاهدين).
من المؤيدين لهذا الرأي عثمان الفاعوري (موظف) الذي يصف تلك الصورة بالمبالغ فيها. (أعرف نساء عاملات كثيرات وعملت معهن، وأشهد بأنهن يملكن الكثير من القدرات والمواهب والخبرة التي قد تفوق خبرة الرجل) وكزوج لامرأة عاملة، يتحدى عثمان من يتهمون المرأة العاملة بالأنانية، لافتا إلى أن (المرأة العاملة تكون ممزقة بين بيتها وعملها، وزوجتي هي مثال على ذلك، فهي تعمل معلمة وفي الوقت ذاته مسؤولة عن أبناء وزوج وتبذل قصارى جهدها لتحقيق التوازن في القيام بمسؤولياتها تلك، قد تعجز عن ذلك أحياناً، فيؤثر عملها في بيتها، لكن السبب ليس في أنانيتها ولا طموحها الزائد، بل في ضغوط العمل نفسه).
من وجهة نظر مقاربة يرى مصعب رمضان (مدير في شركة سياحية) أن المرأة العاملة تحاول أن توازن بين بيتها وعملها، إلا أنها تفشل غالبا في تحقيق التوازن المنشود.
ويتابع( المرأة العاملة كالرجل، ترغب في التميز في عملها والقيام به على أكمل وجه، إلا أن تعدد مسؤولياتها يجعلها غير قادرة على تحقيق التوازن، فنجدها تعاني ويعاني منها جميع أفراد أسرتها) مصعب بقدر ما يظهر تعاطفه مع المرأة العاملة التي ترغب في تحقيق طموحاتها، إلا أنه يرى أن (عجزها عن تحقيق التوازن بين بيتها وعملها، هو الذي تقوم الدراما بنقله من الواقع إلى شاشات التلفزيون).
في سياق متصل يعلق تامر الأصيل (رجل أعمال)، على النتائج التي توصلت إليها الدراسة قائلا: (لاشك في أن هناك شريحة من النساء العاملات، يعمدن بالفعل إلى استغلال أنوثتهن في الحصول على امتيازات أكثر من الآخرين. وفي المقابل توجد نساء عاملات متميزات يملكن الجمال والعلم الرفيع والكفاءة في العمل).
عقب التعرف إلى آراء شريحة من أفراد المجتمع ضمت سيدات عاملات ورجالا، حان الآن دور أهل الاختصاص والمعنيين بصناعة الدراما، للوقوف على تقييمهم للصورة التي تظهر بها المرأة العاملة، من خلال المواد التي تبثها المحطات الفضائية.
سعيد حامد (مخرج تلفزيوني) يلقي باللوم على كتاب المسلسلات والأفلام، إذ يقول: (إن الكاتب يتعمد إظهار المرأة على أنها مجرد شكل جميل بالتالي، فهي إذا وصلت إلى مركز قيادي فإن جمالها هو الذي أوصلها، وهذه في الحقيقة نظرة شديدة السلبية إلى المرأة ) ويعتبر حامد (أن ما يفعله الكتاب مع المرأة تحديدا، وإظهارها بهذه الصورة التي كشفتها الدراسة، ينطوي على إجحاف كبير في حق النساء العاملات المتميزات، ولعل هذا الأمر يظهر بشكل واضح في دور السكرتيرة التي تظهر في عدد غير قليل من الأعمال الدرامية، وكأن علاقتها بمديرها تتجاوز حدود العمل، وكل ذلك من أجل الحبكة الدرامية التي يرغب فيها الكاتب).

هل تختلف نظرة علم النفس
عن تلك الآراء السابقة؟؟
يؤكد الدكتور نادر ياغي (الاختصاصي النفسي) أن (الصورة الذهنية عن المرأة العربية العاملة في مجتمعنا تتمحور حول عناوين مقفلة تتعلق بجسد المرأة وسلطانها. هذه الصورة لدى المرأة والرجل على حد سواء، من هذا المنطلق نرى الفضائيات ترسخها في المسلسلات والأفلام). ويعيب ياغي على الفضائيات العربية تصويرها المرأة العاملة على هذا النحو السلبي، (فإذا ما جلسنا وتابعنا ما تقدمه، فمن الصعب أن نجد مشهدا للمرأة العاملة التي تحسن الاهتمام ببيتها وأولادها وعملها، وهذه الصورة الإيجابية يقتصر الحديث عنها على يوم المرأة العالمي وعيد الأم).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن