اقتصاد

فنّ شراء التعافي!

| علي محمود هاشم

لثلاثة أعوام إلا نيفاً.. يصعب انتخاب ولو يوماً واحداً لم يشهد إعلاناً ما عن إعجابنا بنجاحاتنا في تركيز البيئة اللازمة لنهوض الإنتاج الصناعي.
حس التكرار هذا يتم استنباطه كإحدى السمات التراكمية لما يجب تصديقه عنوة، ما استوجب استنفار آذاننا لتلقي كل جديد من سرديات التعافي خلال «خمس، ست، سبع..» سنوات من الحرب، وسرديات أخرى عن عزمنا على استثمار كل ورشة، «وفي خطابات الزراعة يقاس الأمر بـكل شبر»، لاستعادة الاقتصاد الوطني.
مؤخراً، أضيف إلى تقاليدنا هذه مزاد خاص لعدد المنشآت والورش التي تم «إنهاضها» من ركام الحرب، إحدى تجلياته تؤكد أن التعافي عصف بـ75 ألف منشأة «تمت إعادتها إلى العمل» من أصل 130 ألفاً، على حين رواية أخرى تحتفي بنحو 65 ألف منشأة «عادت للعمل» من أصل 135 ألفاً مسجلة لدى وزارة الصناعة!
ليس الأمر تسقطاً لتضارب الروايات الرسمية وفاجعية قدرتها على التباين ضمن قطاع يُفترض أن بياناته تحظى بإصغائنا المرهف لأدق تفاصيلها أطراف الليل وآناء النهار، ولا في «غموضها البناء» الذي يشيع التصور بأن الإنتاج الوطني كان هامداً تماماً تحفيزاً لذكائنا في توقع صاحب النجاح في «إعادته».. الأمر أن تباين بيانات «التعافي» يشير إلى استخفاف مغطس بنشاط مشكوك في مدة صلاحيته للقيام بهذه المهمة.
من حيث المبدأ، قد لا يكون استخدام «عادت إلى العمل» في توصيف مآلات قطاع إنتاجنا الصناعي دقيقاً، إذ إن الأغلبية الساحقة من عينة المنشآت التي قيل فيها «عادت للعمل»، بقيت على نشاطها طوال مراحل الحرب، على حين أخرى كيفت هيكليتها الإنتاجية وفقاً للظروف، وهذه أيضاً لا يصلح وصفها بالعودة لشيء لم تتوقف عن فعله أصلاً.
من جهة أخرى، ما دامت الجهات المرجعية لا تعرف، فقد لا يكون من السهل لأي كان الوقوف على الأرقام الحقيقية للمنشآت التي «عادت للعمل»، إلا أن ذلك لا ينفي القدرة على مقاربة الأمر وفق مسطرة المناطق الصناعية الثلاث «فضلون 1 و2 وبور سعيد» في ريف دمشق، التي قضت الحكومة سنواتها الأخيرة في ملاحقة تعافيها من ورشة إلى ورشة ومن حفرة لأخرى.. «عاد للعمل» نحو 700 منشأة من شاغليها السابقين.. فقط.
وبغض النظر عن الأثر المعنوي لضياع نحو 15% من منشآتنا الوطنية بين الجدولين الرسميين آنفي الذكر للمنشآت «المتعافية» و«غير المتعافية»، فلهذا الأمر أيضاً أثره المفترض في خطط اليوم التالي، فمثلاً، كيف سيمكن للحكومة ضمان نجاعة نياتها في إغداق الـ40 مليار ليرة التي تنوي إنفاقها على «شراء تعافي» منشآت إنتاجية جديدة يتم تسويقها تحت بند «الاعتماد على الذات»، فيما لديها تلك النسبة «التائهة» من المنشآت التي قد تستحق أو لا تستحق قسطاً من ذلك الدعم؟
لا بل كيف لها أصلاً أن تتمتع بالثقة الكافية حيال خططها بإحلال بدائل المستوردات، ما دامت بياناتها الرسمية حول قاعدتنا الصناعية عارية من دقتها إلى هذه الدرجة؟
في كل الأحوال ستفعل الحكومة –وستقول- ما تريده، لا ضير في الأمر ما دامت الأحرف الأبجدية معفاة من كامل الرسوم الجمركية باعتبارها سلعة أولية تدخل في صناعة الشعارات.
ما يهم فقط هو تلك الـ40 ملياراً من الأموال العامة التي يُنتظر إنفاقها على «معافاة» منشآت بعينها، فزيادة على تعارض الأمر مع أساطير «التعافي التلقائي» الذي قُرضت فيها الكثير من الأشعار، لن يكون من اللطيف أبداً وقوع هذا المبلغ في التبذير جراء غياب دراسة جدوى مسبقة لما سيجنيه الاقتصاد الوطني من هذا الكرم الحاتمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن