من دفتر الوطن

رحلة في اتجاه واحد!

| عصام داري

يعيش في كوكب الأرض اليوم أكثر من سبعة مليارات ونصف مليار من البشر، وسيرتفع العدد سنوياً إلى ما شاء الله، وقبل ذلك عاش في الأرض منذ وجدت الحياة مليارات أخرى يستحيل عدها.
بغض النظر عن أجناس وأعراق وأديان ومذاهب وطوائف وملل، فإن كل البشر الذين عاشوا ويعيشون وسيعيشون في المستقبل، جاؤوا إلى هذه الحياة لفترة محددة، هي سنوات قليلة جداً إذا ما قيست بالزمن الكوني، وحياة الإنسان على الأرض تمثل أقل من ومضة عابرة لا تلحظها العين.
وبغض النظر أيضاً عن الديانات والمعتقدات والفلسفات لشعوب العالم، وعمّا إذا آمن هؤلاء باليوم الآخر، واعتقد أولئك بالتقمص، أو تبنى آخرون فكرة الفناء وانتهاء الإنسان بالموت المحتم، يبقى السؤال الأهم: ماذا فعل هذا الإنسان بالسنوات المعدودة التي منحت له في «بنك الأعمار»؟
تحضرني هنا أبيات من الشعر منسوبة للإمام علي كرم اللـه وجهه تقول:
إذا عاش الفتى سبعـين عـامـاً فنصف الـعمر تمحقــه الليالي
ونصف النصف من سهو ولهـو ولا يـدري يمينا عن شمالي
ونصف الربـــع آمــال وحـرص وشــغـل بالمكاسب والعيـال
وباقي العمـر آمـال وشــــــيــب تـــــدل علـى زوال وانتقــال
فحـب المـرء طـول الـدهـر جهـــل وقسـمتــه على هــذا المثـــال
أول ما يتبادر للذهن في هذه الأبيات أن الشخص في ذلك الزمن عندما يبلغ السبعين من العمر يكون عجوزاً، وبالتالي فإن متوسط الأعمار حينها قد لا يتجاوز الأربعين، أو الخمسين كحد أقصى، وطبعاً اليوم تغير الرقم، فيتجاوز متوسط عمر الإنسان السبعين عاماً، ففي عام 2015 بلغ متوسّط عمر الإنسان المُتوقَّع العالميّ (71.4) عاماً، على حين بلغ متوسّط عمر الذّكور (69.1) وبلغ متوسّط عمر الإناث (73.8).
ليس هذا هو المهم، بل المهم ماذا يفعل الإنسان في هذه السنوات المرصودة له في بنك الأعمار؟ كيف يصرف (رصيده) في الحياة؟
من بين مليارات البشر ظهرت أسماء قليلة سجلت اسمها في سفر التاريخ وتركت بصمة مهمة جداً في المجالات كافة: في السياسة والقيادة والطب والفلسفة والشعر والنثر والقصة والرواية والمسرحية، في الغناء والتأليف الموسيقي، وفي الاختراعات العلمية التي غيرت وجه البشرية جمعاء.
كل العلوم والفنون التي عرفها البشر على مر آلاف الأعوام ساهمت في بناء حضارات راقية مازالت آثارها موجودة في بلاد الشام وما بين النهرين ومصر والصين والهند وبلاد الإغريق وإيطاليا وصولاً للقارة الأميركية التي شهدت أرقى الحضارات التي تشبه كثيراً الحضارة الفرعونية.
لكن بالمقابل لم يقدم القادة العسكريون والساسة المحنكون شيئاً ذا بال، بل هذه الشريحة من الناس هي التي دمرت الحضارات وكانت سبب كل عرقلة عرفتها مسيرة البشرية التي تعثرت في كل الحروب، وكان الدمار والقتل والجماجم هي نتاج هذه الفئة.
نصف أعمارنا هباء منثور، ولم نلاحظ أننا نسير في درب ذي اتجاه واحد، ومعظمنا لم يفكر كيف يترك بصمته كي لا ينسى الناس اسمه فور موته، بل قبل موته عندما يخرج من دائرة الضوء إلى ظلمة وظلم المجتمع، فهل نجرب؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن