قضايا وآراء

السياسة الإيرانية وزيف مقولة تصدير الثورة

| مصطفى محمود النعسان

التوجه الإيراني لإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار ليس جديداً بل يعود إلى الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في الحادي عشر من شباط 1979 ولكن الحديث فيه هو ما أكده من جديد الرئيس الإيراني حسن روحاني حيث وصف العلاقات بين بلاده والعراق بأنها أنموذج في المنطقة وقال: إيران على استعداد لأن تكون لها علاقات مع جميع الجيران مثلما علاقاتها مع العراق والحق أن هذا التوجه والكلام يمثل منتهى العقل والتعقل والحكمة وبعد النظر وسداد الرأي وصوابية التفكير ذلك أن مأمن الجوار وأمنه هو ما يشكل بديهياً أساساً لأمن أي بلد بدرجة كبيرة وإن ازدهار أي بلد لابد وأن يأتي من خلال علاقاته الاقتصادية القوية وتبادلاته التجارية مع دول الجوار بالدرجة الأولى وذلك لخفض قيمة تكاليف وأجور نقل السلع والبضائع
هذا أمنياً واقتصادياً أما سياسياً فتصريح روحاني هو محاولة لاستمالة بعض الحكام العرب وطمأنة نفوسهم لإشاعة مناخ السلم والمحبة في المنطقة رغم صعوبة الأمر وربما استحالته.
لقد خلق الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية عداء بين بعض العرب وإيران وعلى هذا قامت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات أكلت خلالها الأخضر واليابس واستنزفت طاقات وإمكانيات البلدين وذلك تحت لافتة أميركية غربية صهيونية، أن إيران تنوي تصدير الثورة، لذلك تم تحريض العراق على المطالبة بعربستان وكان الأمر منسيا في زمن الشاه رجل أميركا الأول في المنطقة.
في هذا السياق أيضاً تمت مطالبة الإمارات العربية المتحدة بالجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى علما أن هذا الأمر كسابقه كان مسكوتاً عنه قبل الثورة وذلك لتمكين واستحكام واستفحال العداء بين إيران ودول الجوار.
والحق أن كل الدول تفكر بمصالحها بالدرجة الأولى وإيران ليست نشازاً عن ذلك ولكن مقولة محاولة إيران تصدير الثورة فيه الكثير من المغالطات، ولعل الوجه الصحيح لهذه المقولة هو توجه السياسة الإيرانية نحو الدول التي تتلاقى مع إستراتيجيها وتكتيكها اللذين رفعتهما الثورة الإسلامية منذ انتصارها وهو ما يتمثل بمواجهة النفوذ الأميركي ومواجهة الغطرسة والعدوان الإسرائيلي.
أليس النداء الأول الذي وجهه آية اللـه الخميني قائد الثورة كان تحرير فلسطين والقدس من رجز الصهاينة؟
ألم يكن أول إجراء يتخذه على هذا الصعيد هو استبدال سفارة الكيان الإسرائيلي في طهران بسفارة دولة فلسطين المرتقبة؟ وعلى هذا الأساس تم التلاقي مع سورية وتم دعم حزب اللـه الذي بفضل نضاله وتضحياته وبطولاته تم تحرير الجنوب اللبناني من نير الاحتلال الإسرائيلي وقد حظي هذا الإنجاز العظيم بتقدير جميع السوريين بل الشعوب العربية جميعها.
رب قائل يقول: إن إيران دعمت وتدعم الحوثيين في اليمن، وهذا في الواقع أمر طبيعي وسياسة مبدئية وذلك لتطويق الخيانة التي تمثلها سياسة المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وارتضاء حكام هذه الدول بأن يكونوا مطية للسياسات الأميركية التي تناصب إيران العداء.
نعم الهدف الإيراني هو إقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار ولكن الشرط اللازم لتحقيق هذا الهدف هو أن يتشاطر ويتلاقى مع التوجه ذاته من دول الجوار وأي خلل في طرفي المعادلة يعني أن تحل القطيعة بدل الوصال إن لم نقل العداوة مكان الصلح والتصالح.
إن اللوم لا يجب أن ينصب على إيران ولكن اللوم والعتب يجب أن ينصب على من يناصب إيران العداء لأن التوجه القومي العروبي والإسلامي الصحيح هو في مواجهة السياسة الأميركية في المنطقة ومجابهة التمدد والاعتداءات الإسرائيلية على الدول العربية، وعلى كل حال تجارب التاريخ القريبة والبعيدة تؤكد أن الصلح خير من العداوة وأن التلاقي والتقارب خير من التباغض والتنافر والتباعد وأن السلم خير من الحرب لمن يمكن أن يفعل ذلك من دول الجوار وطبعاً إسرائيل مستثناة من هذا الكلام لأنها قامت وتقوم على الاغتصاب والاحتلال والعدوان ومازال شعار الكنيست حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ومازال النشيد الوطني الإسرائيلي يحرض على قتل العرب.
ويبقى السؤال: أيهما أفضل وأكثر أصالة وعروبية أن نتحالف مع من يوشك أن يستقبل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو على أرضه وفي دياره ويفرش له السجاد الأحمر ويصدح في عاصمته النشيد الوطني الإسرائيلي؟، أم أن تضع دمشق يدها بأيدي من يعد فلسطين قضيته المحورية والأساسية ويقدم كل الدعم لها ويحمل نفسه أكثر من وسعها وطاقتها في سبيل نصرة هذا الهدف النبيل؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن