ثقافة وفن

«ملح الأرض» استمرارية واستكمال لمسيرة في اللون والحرف … رانيا كرباج لـ«الوطن»: أعمالي تحمل محاولة فردية لأكون متوازنة بعصر لا توازن فيه

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

«أنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إن فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ»، على هذه الآية التي يحملها كتاب الإنجيل المقدس، استندت الفنانة رانيا كرباج في معرضها الأخير عبر عنوان حمل اسم (ملح الأرض). جسدت فيه شخوصاً تحمل النور والتأمل وتحكي عن الإنسان والطفولة والمرأة ومعنى الخصوبة في داخلها كشجرة حياة. ونرى الطفولة المعذبة وطفولة ماتت بداخلنا منذ زمن أرهقتها متاعب حياة فاقت كل تصوراتها. كل ذلك بهالات نورانية تحمل الكثير من الأمل والتأمل والصفوة مع الذات.

المعرض ضم 25 لوحة بتقنيات وأحجام متعددة اعتمدت فيه الفنانة رانيا الأسلوب الواقعي بحالات تعبيرية استطاع اللون أن يكون حاضراً ليظهر ما بداخلها من سلام كما ساهم في تشكيل الصورة لديها تلك الحالة الشعرية التي تعتبرها ملعبها وتستطيع التعبير والتواصل من خلالها مع الآخرين. حيث اقترن المعرض مع إطلاقها المجموعة الشعرية الخامسة لها باسم (السماء هنا) لتعبر من خلاله عما يجول في داخلها:
«ليس حلماً ما في بطني
بل هو واقع جديد
ليس طفلاً مربوطاً بحبّ سرّي
بل أطفال
لا
ولا رؤية في عتمة بل سرب رؤى
ليس وهماً ما في بطني
بل هو كون يجمع لحمه الطري
وعظمة الطّري
ويحاول أن يتشكل»
حالة من السلام الداخلي
وخلال وجودها في غاليري فاتح المدرس تحدثت لنا كرباج أكثر عن عمق تجربتها وإحساسها من خلال شخوص مختارة ربما تكون هي ملح الأرض في فترة تشهد صراعات وتخبط وحروب نحن بحاجة إليها لنشكل بطاقة من المحبة والسلام. وعن معرضها تستفيض أكثر قائلة: « إن ما نراه اليوم هو استمرار لتجربتي التي تتوضح وتتبلور بشكل أكبر، وتطور التقنية والحالة الفكرية والروحية التي يعيشها الفنان وتتجلى عبر أجمل صورها، وتطور على الصعيد التقني والفكري، و(ملح الأرض) هو عنوان اخترته لمجموعة أعمالي المعروضة حيث عملت على تجسيد شخوص تحمل من النورانية والطاقة الإيجابية. ما يجعلها مختارة لتكون (ملح الأرض ونور العالم) تلك مقولة السيد المسيح لتلاميذه الذين اختارهم للتبشير برسالته».
المرأة دائماً حاضرة في أعمال كرباج لكونها تعبر عن نفسها وتعكس روحها من خلال اللوحة: «حضور المرأة هو حضور للإنسان والطفولة والإنسانية وأعبر عما بداخلي من خلال حالات إنسانية مختلفة. والطفل يجسد الطفولة الأصيلة بداخلنا المغيبة من خلال الروح التي أصابتها شيخوخة بسبب ضغوط الحياة لذلك نرى أهمية وجود الطفل كي يعطيها الانطلاق والمحبة والفرح مجدداً. أما المرأة الحامل فهي ترمز إلى الحياة والخصوبة. وتعيش شخوصي حالة من السلام الداخلي والانسجام مع ذاتها ومع الكون المحيط بها ما يجعلها تطول الطاقة المقدسة التي بداخلها فتتجسد تلك الطاقة على سطح اللوحة بوساطة ورق الذهب الذي يأخذ تكوينات مختلفة تخدم الحالة الفكرية والشعورية للعمل».
بينما رسالة كرباج واضحة ومستمرة وتعتبر: «استكمالاً لما بدأت به عبر مرحلة تحمل نوعاً من الإشراق والألوان المضيئة والوجوه المشرقة وحالة سلام. ونرى من خلالها أن الإنسان يستطيع الوقوف بثقة على الأرض على الرغم من كل التخبطات التي يعيشها. هي محاولة فردية لأكون متوازنة بعصر لا توازن فيه، هذه المحاولة أحب تعميمها ونشرها مثل الشعر الذي أكتبه وأتمنى بلوغه للناس والتواصل مع الآخر من خلال الشخوص والألوان والخطوط. وعلى اعتبار أن اللوحة مرآة تعكس روح الفنان فإن تطور التجربة مرتبط بنموه وتطوره على الصعيد الفكري والتقني على السواء. لذلك فإن أعمالي اليوم تشكل استمراراً لتجربتي على صعيد التشكيل، ما يعكس نضجاً معيناً على صعيد الفكر والتقنية ويبشر بمرحلة جديدة أتمنى أن تكون أكثر إشراقاً وإبهاراً».
وترى كرباج أن استخدامها: «الألوان الزيتية وورق الذهب يعطي أعمالها بريقاً إضافياً ويخدم الحالة الفكرية التي أعيشها ويحمل طاقة روحانية مقدسة وهي موجودة بكل إنسان وأعمل على إبرازها وتشكيلها في الخارج بتكوينات مختلفة في كل لوحة».
أما عن الرابط بين كتاب الشعر الذي تصدره تحت عنوان (السماء هنا) ومعرض يحمل اسم (ملح الأرض) توضح كرباج أن: «الرابط بينهم أنني أعيش الحالة أكتب وأرسم وتعطيني اللوحة الكثير من السلام وهذا ما يدفعني أيضاً إلى التوجه للقصيدة لأكتب وأحقق تناغماً بين الكتابة والرسم. حيث تفتح لي اللوحة عوالم الشعر وكذلك يأخذني الشعر إلى التشكيل هما لغتان مختلفتان ولكن الجوهر واحد قد يكون أسمى ما يمكننا تقديمه في هذين المجالين هو تجربتنا على هذه الأرض. وصدق تجربتنا تحمل وعينا الذي لا ينتمي فقط لنا كأفراد بل إلى التجربة البشرية كلها. نحمل هذا الوعي في مورثاتنا ونحمل كذلك مسؤولية إغنائه ونقله للأجيال القادمة».
والفنانة التشكيلية رانيا كرباج خريجة كلية الهندسة المدنية في جامعة حلب وتخرجت في مركز رولان خوري للفن التشكيلي وصدر لها العديد من الدواوين الشعرية. وأقامت معارض فردية عدة فضلاً عن مشاركات جماعية وعملت أستاذة محاضرة لمادة الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة بحلب وهي عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وأعمالها مقتناة من وزارة الثقافة وضمن مجموعات خاصة في كل من لبنان وأوروبا وأميركا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن