قضايا وآراء

الجولان و«صفقة القرن»: كيفية مواجهة المؤامرة

| مازن جبور

مجموعة القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنذ توليه لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، والتي أدت إلى تفكيك جميع الاتفاقات والترتيبات الحاكمة لنقاط الصدام الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، تأتي في إطار محاولة لإعادة هندسة المنطقة عبر إعادة بناء اتفاقيات جديدة تحول واشنطن من متدخل مباشر في المنطقة إلى متحكم عن بعد في قضاياها وبهذا تصبح أميركا جانياً للأرباح من دون شراكة في رأس المال، والجولان العربي السوري المحتل يبدو أنه الحجر الأخير في التفكيك والأول في إعادة البناء، باعتبارهما العمليتين القائمتين حالياً في المنطقة، وبتخطيط وإدارة أميركية.
لعل القرار الأول الذي اتخذه ترامب في إطار تفكيك المنطقة كان انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي أعاد فتح جبهة العداء ضد إيران، وساقت به أذرع واشنطن في الشرق الأوسط المتمثلة بكل من كيان الاحتلال الإسرائيلي والدول العربية التي تربطها علاقة تبعية بواشنطن وتعتبر رأس حربة أميركية في مشروع «أميركا – إسرائيل» المعادي لإيران، ولعل المشروع الثاني كان السعي المتواصل لتقسيم سورية عبر دعم تأسيس ما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية في شمال شرق سورية.
لقد كشف المخطط الأميركي مؤخراً عن مشروعه الجديد للمنطقة وأطلق عليه تسمية «صفقة القرن» التي تعيد رسم خرائط الشرق الأوسط وفق رؤية أميركية إسرائيلية تعطي لكيان الاحتلال ما يريد من قضيتي الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقضية توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتعيد ترتيب المنطقة عبر خلق كانتونات جديدة تساعد واشنطن في التحكم بالمنطقة عن بعد دون تكاليف عسكرية مباشرة.
يبدو أن العقدة الأصعب في تطبيق «صفقة القرن» كانت مسألة الجولان المحتل، وبدأت الحرب على سورية قبل ثماني سنوات للوصول إلى اللحظة الراهنة التي تسمح بتفكيكها بما لا يثير الفاعلين الإقليميين في المنطقة وعلى رأسهم تركيا، بحيث تتم عملية التفكيك بآلية يستفيد منها النظام التركي على ثلاثة صعد، الأول؛ هو استثمار ما سيؤول إليه الأمر في الجولان بقضية لواء اسكندرون السليب، والثاني؛ كما تم الاستفادة من سياسة «الأمر الواقع» في الجولان كمبرر للاعتراف الأميركي به، وكما سيتم استثمارها في شمال شرق البلاد من قبل أميركا والقوى السياسية الكردية الساعية إلى الانفصال، سيسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستثمارها في شمال غرب البلاد بالحديث عن تواجده وتواجد التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة التي تعمل بإمرته على أنه «أمر واقع»، والثالث؛ أنه سيحاول استثمار القضية على أنها صراع إسلامي يهودي ليقدم نفسه على أنه خليفة المسلمين العثماني الجديد وحاميهم.
ضمن ما سبق، يمكن فهم الموقف التركي المتصاعد بخصوص الاعتراف الأميركي بـ«سيادة» كيان الاحتلال الإسرائيلي على الجولان، وفي نفس الوقت فإن حديث أردوغان عن طرح القضية في الأمم المتحدة ليست عن «نية طيبة» وإنما بهدف الخروج بتبعات قانونية تمكنه من الاستفادة منها في قضية اللواء شمال غرب البلاد حيث تتواجد قواته الاحتلالية.
أما بالنسبة لدول الخليج فسيقدم لها الاعتراف الأميركي بـ«سيادة» كيان الاحتلال على الجولان الحجة والمسوغ للقول إنها قبلت بالتطبيع مع كيان الاحتلال وبصفقة القرن رازحة تحت الضغوط الأميركية والتصرفات الأحادية لترامب في هذا الشأن، وخصوصاً أن تلك الدول لم تحرك ساكناً حين اعترف ترامب بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال ونقل سفارة بلاده إليها، فموقفها الخجول بخصوص الجولان والذي اقتصر على «الأسف» بخصوص قرار ترامب، لم يكن سوى دليل على عدائها المتصاعد ضد محور المقاومة عموماً وضد سورية خصوصاً، كما يمكن اعتباره مؤشراً على أنها من مؤيدي القرار الأميركي ضمنياً، ولها مصلحة مباشرة فيه، من أجل إحراج محور المقاومة أمام الرأي العام العربي، بعد أن أدانها الأخير في التطبيع مع كيان الاحتلال.
كذلك، يأتي الاعتراف الأميركي بـ«سيادة» كيان الاحتلال على الجولان ضمن المساعي الأميركية الإسرائيلية المتواصلة لتمرير «صفقة القرن»، والمؤشرات لمشروع متوسط المدى بهذا الخصوص باتت تظهر تباعاً، بداية مع تواصل التطبيع الإسرائيلي مع محور الاعتدال العربي، ومن جهة ثانية قطع المساعدات عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» مما سيدفع اللاجئين الفلسطينيين للضغط باتجاه أي حل لمسألتهم والقبول به.
ولعل ما ظهر مؤخراً من اتهامات عراقية لواشنطن باستنساخ «قوات سورية الديمقراطية- قسد» جديدة في وسط وغرب العراق، بدايتها من صحراء الأنبار والموصل، وإن كان الهدف الأول منها مواجهة «الحشد الشعبي» العراقي وإيجاد فواصل جيوسياسية بين العراق وإيران من جهة وبين سورية ولبنان من جهة ثانية، وخصوصاً أن رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي الأسبق دافيد بن غوريون، كان صاحب مقولة، أن الأكراد هم أفضل الأصدقاء الذين يمكن لـ«إسرائيل» أن تحلم فيهم لتعثر عليهم على أرض الواقع، وحتى في سنوات الستينيات قبل توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر زمن الرئيس أنور السادات ارتبطت تل أبيب بعلاقات وثيقة مع الأكراد من خلال حكومة بن غوريون، حيث اعتبر الأكراد الأصدقاء السريين في وسط عربي معاد لإسرائيل، ومن هنا تتضح الملامح الكبرى للمشروع الأميركي الإسرائيلي المسمى «صفقة القرن» إذ بدأت أميركا بإنشاء «قسد» سورية واليوم «قسد» العراق.
واللافت في توقيت الاعتراف الأميركي أنه أتى بعد سلسلة من المؤتمرات التي زعم منظموها أنها بحثت العلاقات العربية الإسرائيلية ومسألة السلام، من قبيل المؤتمر «الأوروبي العربي» في بروكسل، والمؤتمر «العربي الغربي الإسرائيلي» في وارسو، والمؤتمر «العربي الأوروبي» في شرم الشيخ، هذه المؤتمرات التي كان لها أبعاد تمهيدية لتمرير «صفقة القرن»، إلا أن المخطط الأميركي الإسرائيلي ينسف عملية السلام من جذورها.
وأخيراً، وإن كان لهكذا صفقة احتمال متزايد في التمظهر على أرض الواقع، إلا أن زيارة بحجم زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران، وزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق وما تبعها من اجتماعات لقادة جيوش محور المقاومة وللحليف الروسي في دمشق، بالترافق مع الأنباء حول زيارة مرتقبة للرئيس روحاني إلى دمشق، كلها خطوات رئيسية نحو إعادة بناء التحالفات في المنطقة للخروج بخطة إستراتيجية هدفها مواجهة مشروع إستراتيجي يتمثل بتنفيذ «صفقة القرن».
ولا بد من التأكيد على أن مواجهة صفقة واسعة وإستراتيجية وكبيرة بحجم «صفقة القرن» تتطلب الإعلان عن مواقف وتوقيع اتفاقيات إستراتيجية تربط دول محور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط بشبكة من العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ذات أبعاد إستراتيجية، بحيث يتم الإعلان من خلال هذه الاتفاقيات وليس عبر الأمم المتحدة، المنظمة الأممية غير الفاعلة والمرتهنة للقرار الأميركي، عن إسقاط المؤامرة «الأميركية الإسرائيلية»، عبر التأكيد العلني بالرغبة في التعاون الإقليمي وإتباعه بخطوات ملموسة تسحب أذرع الأعداء من المنطقة وتترك تحديد مستقبلها بيد أبنائها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن