قضايا وآراء

الترتيبات الإقليمية المنهارة

| مازن بلال

كان شرقي المتوسط عشية الحرب الباردة ينتظر الكثير من التحولات ومنها ضياع فلسطين، وفي المقابل كان النظام الدولي يسير على آليات لفك الاشتباك تقوم على مؤسسات كبرى مثل الأمم المتحدة، أو إقليمية كجامعة الدول العربية أو غيرها من التكتلات، وهذه التجمعات عبرت عن آلية تفكير خاصة ليس لتجنب الحرب فقط والوصول إلى حلول الحد الأدنى بين الدول، بل شكلت أيضاً مفهوماً للصراع ربما مختلف عما نراه اليوم، فهو كان يأخذ سياقاً سياسياً في النهاية كما حدث في فيتنام على سبيل المثال، أو في الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام 1973.
عمليا فإن شرقي المتوسط خاض صراعات كثيرة بوجود منظومة عربية، والحكم على الجامعة العربية كمؤسسة فاشلة ليس أمرا جديدا، إلا أنها في المقابل كانت ظاهرة خاصة إقليمية ودولية تجعل من التوترات على المستوى العربي، أو بين العرب والآخرين «قضايا سياسية»، ولا تتركها لتعاملات لا ترقى عملياً إلى المعالجة السياسية كما يحدث الآن، وربما علينا أن نذكر مفصلين أساسيين هنا:
– الأول تحويل منظمة التحرير الفلسطينية من حركة مسلحة على جغرافيا محدودة؛ لتصبح ممثلاً للشعب الفلسطيني ويخطب رئيسها الراحل ياسر عرفات على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المهم في هذا الموضوع أن الصراع الذي خاضته الفصائل الفلسطينية، تحول إلى مسألة سياسية دولية وإلى شرعية على المستوى المحلي، وهذا الشكل هو ظاهرة دولية في تلك الفترة وذلك بغض النظر عن مواقفنا السياسية من مسارات الحل السياسي.
– الثاني هو معالجة هذه المؤسسات الدولية والإقليمية، وعلى الأخص الجامعة العربية، للنزاعات من الغزو العراقي للكويت، حيث تحولت النزاعات الإقليمية إلى حالة دولية تنتهي بحروب كبرى، سواء في تحرير الكويت ولاحقا حرب كوسوفو ومن ثم احتلال العراق.
المفصل السوري جاء في مرحلة متأخرة من مسألة تحويل النزاعات إلى صراع دولي، وهنا بدت الجامعة العربية مؤسسة ذات طابع ووظائف مختلفة، ومسائل تغيير الأنظمة السياسية بالقوة العسكرية ظهرت كعنوان إقليمي ودولي، وهذا الأمر يشكل الأزمة الحالية للمؤسسات الإقليمية والدولية، حيث تحتاج المفاهيم الخاصة للعلاقات الدولية إلى إعادة تعريف وفق خريطة القوى العالمية الجديدة، ووفق هذا الأمر تظهر الجامعة العربية كمؤسسة تصعيد للصراعات رغم عجزها السياسي، وعندما تنعقد القمة العربية في تونس فهي بالتأكيد لتحول أي نزاع على المستوى العربي لحالة سياسية، بل ستضع إطاراً لتحويله إلى اشتباك بما في ذلك المسألة السورية التي تشهد ركوداً سياسياً.
في المشهد العربي لا تبدو سورية ولا أي قضية أخرى ضمن خريطة واضحة للأزمات، والمسألة ليست عجزاً على مستوى الجامعة بل تحول واضح في وظائفها الأساسية، وفي المقلب الآخر فإن ظهور مؤسسات جديدة يبدو مستحيلا، فكل ما يرتبط اليوم بالأزمة السورية هو لقاءات وتنسيق لتطويق «الحدث» أكثر من كونه بوادر ظهور إطار إقليمي مختلف، وهذا الأمر مؤشر على عدم القدرة على إنجاز «مهام سياسية» تساعد على تسهيل حل الأزمة بشكل سريع.
ربما علينا إسقاط هذا التصور العام على باقي المسائل السورية مثل إعادة الإعمار، أو حتى على المستوى الداخلي مثل قضايا التنمية وغيرها، فالتفكير الدولي عموماً لم يعد مهتما بنمذجة الصراعات والقضايا لإعطائها شكلاً سياسياً، بل يحول أي مسألة سياسية لاشتباك دولي، فالفقر السياسي على ما يبدو سمة عالمية لا تقتصر على الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن