ثقافة وفن

الأربعاء الثقافية تتجدد مع عاشق دمشق والعروبة محمد كرد علي .. ورث حب التراث العربي فنهض يعنى به اقتناء وتحقيقاً ونشراً وتعريفا … شآمي المولد والهوى وعربي الثقافة والقومية في فكره.. وهب حياته من أجل هذه الأمة

| سارة سلامة - ت: طارق السعدوني

من جديد تحرص وزارة الثقافة على إقامة ندوة الأربعاء الثقافية الفكرية الشهرية تحت عنوان (قامات في الفكر والأدب والحياة)، لتخلق فضاء ثقافياً نيراً يروي سير القامات السورية البارزة وتخلد أعمالهم وذكرهم ليكونوا منارة إلى الجيل الجديد. وتناولت الندوة في أولى جلساتها سيرة المفكر والباحث والصحفي محمد كرد علي الذي يعتبر علماً من أعلام اللغة العربية، وعشق دمشق ولغتها وكان أول من أسس مجمعاً علمياً عربياً في سورية والوطن العربي عام 1919 واستمر في رئاسة هذا المجمع حتى رحيله.

السحر والشعر
تفتتح الجلسة الأولى ملفاتها بإدارة الدكتور إسماعيل مروة الذي أوضح أنه: «وعند استعراض مؤلفات كرد علي نجد أربعة منها عن الشام وغوطتها وسحر دمشق مدينة السحر والشعر، هذا الإخلاص يشكل قيمة وطنية كبرى تحسب لكرد علي. ويحسب له قوله: (أبي كردي وأمي شركسية وجئنا من أقاصي الدنيا)، ولم يبتدع كالآخرين أنه شآمي الجذور، وفي كل مؤلفاته لم أجد إشارة أو دعوة كردية فهو أحمد شوقي في النثر، أحمد شوقي لأب كردي وأم تركية، كان أمير الشعر الذي غدا الشعر يتيماً بعده، فهل أقول هذا الشاعر أصله كردي لا علاقة لنا به لذلك فإن كرد علي قامة تستحق أن يوقف عندها بدراسة حقيقية للنص، وشيء طبيعي أن يميل نحو إنسان ينتمي إليه ولكن ميله الأكبر لسورية والشام أسس مجمع اللغة العربية وعندما كان رئيساً له طبع مقالات معاصرة وكتب وطبع في الحداثة له ولسواه. وفي عصره ازدهرت المطبوعات وطبع أمير مصطفى الشهابي عن الزراعة فهذا الأمر يضاف إلى محمد كرد علي بأنه شآمي المولد والهوى وعربي الثقافة والقومية في فكره ووهب حياته من أجل العمل لهذه الأمة».
وأضاف مروة: «أقف عند كتاب (غوطة دمشق)، حيث كان متعلقاً بالغوطة لأنه سكنها، ونلاحظ وفاءه للمكان وانتقل من العام إلى الخاص جداً، ووفاؤه هذا جعله يؤلف كتابه (غوطة دمشق)، وإذا عدنا إليه وإلى عدد من المؤلفات التي ألفها كثيرون سنجد نصوصاً وجدانية لا قيمة لها على حين محمد كرد علي في بداية كتابه كان صادقاً. وما كان لأحد أن يكتب عن الشام لولا ابن عساكر وكتابه (تاريخ دمشق)، فحدد مصدره فهو يأخذ وينهل من كتاب الحافظ ابن عساكر. بعد ذلك يضيف قائمة تزيد على عشرين كتاباً استعان بها وجمع معلوماته عن الغوطة، لم يدر الغوطة على قدميه ليتغزل بها وإنما جمع معلومات، قسم كتابه بطريقة هي أقرب إلى الإتقان حتى لا نصل إلى الاكتمال، تحدث عن الغوطة وتاريخها وحدودها وناسها ودياناتها، وتحدث عن الخراب الذي حدث للغوطة عبر الزمن وعن ثمارها وأنهارها وعن عائلتها، فعندما نقرأ كتاب (غوطة دمشق) نستغني عن الكتب السابقة».

تأثر بالانتحاء نحو الإصلاح
وذكر الدكتور عبد الناصر عساف في محوره «السيرة المجمعية والعلمية لكرد علي» قائلاً: «كانت الصحف من أقدم ما ألقى حبه في قلب محمد كرد علي، وقد تمكن ذلك مع الأيام من نفسه تمكناً بلغ به حد الغرام كما صرح. فقد كان مولعاً بقراءة الجرائد اليومية منذ الثالثة عشرة من عمره، ولذلك اشترك في بعض الصحف كصحيفتي بيروت، ولسان الحال الأسبوعيتين، وصحيفة (صديق الريف) الفرنسية الباريسية الأسبوعية، حتى إذا ترك العمل دائرة الأمور الأجنبية في دمشق التي قضى فيها ست سنوات تفرغ للعمل الصحفي، وفي سنة 1897م عهد إليه تحرير أول جريدة ظهرت في دمشق، وهي جريدة (الشام) الأسبوعية. ثم كانت دعوته للتحرير في مجلة (المقتطف) القاهرية سنة 1900م، التي نشر فيها أبحاثاً منوعة في التاريخ والأدب والاجتماع، قنطرة نحو الانتشار والظهور».
وأضاف عساف إنه: «ما من شك في أن معرفة مصادر تكوين هذا العلم، والعوامل المؤثرة في سيرته، تساعد في ربط الأشياء بعضها ببعض ربطاً يوضح لك المشهد، ويفسر لك العلاقات، ويسد الفراغات المعتمة والخواطر المفاجئة التي قد تخطر في بالك أحياناً، ويقدم لك صورة معقولة معللة. ومصادر تكوين كرد علي التي استندت إليها مذكراته، وآثاره الأخرى كالمقتبس وخطط الشام، والكتب التي اختصت بترجمته، ومصادر ترجمته الأخرى، وهي: الدراسة في المدارس الرسمية والخاصة كالمدرسة السباهية والرشيدية العسكرية ومدرسة الآباء العازاريين (العازرية)، أساتذته ومعلموه، ولاسيما أولئك الأعلام العلماء الذين كانوا من رواد النهضة المتنورين، والمثقفين الحقيقيين كالشيخين طاهر الجزائري وسليم البخاري، والأستاذ محمد المبارك، الذي أخذ عنهم علوم اللغة والأدب والتاريخ وغيرها من العلوم القديمة، وبطاهر الجزائري تأثر في الانتحاء نحو الإصلاح الاجتماعي».
كان حب التراث العربي بعض ما ورثه من أساتذته: الجزائري والبخاري والمبارك، وكانت المخطوطات بعض ما علقت به نفسه، فنهض منذ كان في الثلاثين من عمره يعنى بها اقتناء وتحقيقاً ونشراً، وتعريفاً، ووصفاً لخزائنها، ويشجع من يلتمس فيه خيراً على ذلك، وكان لذلك كله في مجلة (المقتبس)، وفي مجمع اللغة العربية في دمشق، ولاسيما في مجلته ومطبوعاته، خطوة ومنزلة علية، وبرزت في ذلك شخصية المحقق المعني بالتراث العربي، والرائد لنشر هذا التراث بطريقة علمية صحيحة. وكان من ثمار ذلك ستة كتب تشهد بأنه محقق مدقق، وحجة ثبت، إلى تواضع جمّ يدفعه للاعتراف، في مقدماته لتلك الكتب».

خلاصة تجربة ذاتية
أما محور الدكتور حسن الأحمد فتناول به (محمد كرد علي في مذكراته) قائلاً: «تمثل مذكرات كرد علي خلاصة تجربة ذاتية وفكرية امتدت لأكثر من نصف قرن، كما تمثل صورة للعصر ووثيقة تاريخية ترصد أهم مرحلة تاريخية في المجتمع العربي الحديث بتحولاته في أعقد زمن سياسي واجتماعي وثقافي (زمن الاحتلال العثماني- وزمن الانتداب- وزمن الاستقلال- وزمن الانقلابات الأولى في سورية)، وفيها يقدم كرد علي نفسه كواحد من آخر جيل الإصلاحيين العرب الذين يحملون تلك الثقافة المركبة (الإسلامية والأدبية والفلسفية والتاريخية) إضافة الى الثقافة الغربية التي حصلها بإتقانه الفرنسية والتركية وعاينها عن قرب في زياراته التي شملت معظم الدول الأوروبية آنذاك، وبقراءاته المتعمقة لمعظم الكتاب الفرنسيين».
ويفيد أحمد: «لذلك يبدو من الصعب الإحاطة بالمذكرات التي أنتجت فيها، وفهم الظروف الدقيقة التي كانت وراء الكثير من التفاصيل على المستويات كافة التي أثارت فيها المذكرات الكثير من الجدل سواء على مستوى صاحب المذكرات (محمد كرد علي) أم على مستوى المحتوى فيها، وبدأ كرد علي بكتابة هذا العمل الضخم عام 1939، ونشر جزأين منه في عامي 1949م، و1951م».

أفاد العربية بعلومه
بينما بين الدكتور عبد الكريم حسين في محوره الذي حمل عنوان «محمد كرد علي ورسائل البلغاء» أنه: «تناول في كتاب سيرة البلغاء من المولدين العجم الذين ولدوا في بلاد العرب كابن المقفع والمحدثين هم من العرب الذين اطلعوا على علوم الأمم الأخرى وأفادوا العربية من علومهم كالمعري وعبد الحميد الكاتب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن