اقتصادالأخبار البارزة

دعوة لإصلاح التأمين الصحي … أعداد الموظفين الواردة من الوزارات بهدف التأمين الصحي غير دقيقة.. فهل هو فساد أم تسيب أم سرقة للمال العام أم فوضى؟

| د. هشام ديواني - استشاري تأمين صحي

في مذكرات ومحاور سابقة تحدثنا عن التأمين الصحي وهل هو طارئ في بلدنا وأشرنا إلى النظام الصحي، وعند الحديث عن إصلاح التأمين الصحي لا بد أن نتوجه أولاً للسؤال عن النظام الصحي القائم حالياً، وتقييمه، ليتمكن من تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات، وثانياً، لا بد أن نسأل: هل وضعت الحكومة سياسات صحية واضحة؟ فإن كان الجواب نعم، فحري بالقائمين على قطاع الصحة تطبيق هذه السياسات، وإن كان الجواب بالنفي، فليعمل القائمون على القطاعات الصحية على تحديد هذه السياسات والبدء بتطبيقها، وثالثاً، برأيي لن نتمكن من إصلاح النظام الصحي بدون حوار علمي ومتابعة مع كل الجهات التي يضمها المجلس الصحي الأعلى لوضع السياسة وترتيب الأولويات وتلافي المشكلات التي حدثت محلياً وعالمياً.

لماذا الإصلاح الصحي؟
الإصلاح الصحي عملية مستمرة في كل دول العالم الغنية والفقيرة، حيث إن النظام الصحي يواجه تحديات تتمثل في ضرورة التغطية الشاملة للسكان كافة، الجودة في تقديم الخدمات، عدم رضا المواطن، التكلفة المستمرة نتيجة التطور التكنولوجي واستخدام الوسائل العلاجية الحديثة وزيادة معدلات الإعمار، يضاف إليها في الدول النامية التضخم المالي والزيادة السكانية والسلوك غير الصحي، ونقص الموارد والجودة التي تنعكس سلباً على صحة المواطن ما يؤدي إلى زيادة التكلفة وإحداث أضرار.

متى يمكننا الحديث عن تأمين صحي ناجح؟
كما هو معروف، فإن التأمين أو الضمان الصحيين يمثلان بصفة عامة نوعاً من التكافل الاجتماعي بين المواطنين سواء في منطقة أم مؤسسة محدودة أو لدى الدولة بشكل كامل لمواجهة مشكلات صحية ودرء المخاطر التي تواجه الأفراد، والحدّ من الكوارث المالية والصحية، وعليه فإنه بشكل عام يجب أن يكون التأمين الصحي إجبارياً وليس اختيارياً حيث إنه كلما زاد عدد المؤمنين أصبحت إمكانية تجنب المخاطر ممكنة وميسرة.
وقبل الخوض في معايير التأمين الصحي الناجح، لا بد من الاعتراف بأن مجانية العلاج غير واقعية من الناحية العملية والناحية التطبيقية وإذا استعرضنا هذا الأمر منذ تأسيس وزارة الصحة بعد الاستقلال لتاريخه آخذين بالحسبان الإحصائيات المنشورة سواء من مركز الإحصاء أم من وزارة الصحة كذلك رضا المواطن، كل ذلك يشير إلى فقدان الواقعية في هذا الإجراء.
أما معايير التأمين الصحي الناجح فتتمثل في القوننة، إذ قبل الشروع في التأمين الصحي يجب أن يكون هنالك قانون ينظم العمل بين كل الأطراف، وفي التمويل، وهو أمر مهم، ويعتمد على حساب التكلفة، ويمكن أن يزداد في بعض السنوات أو يقل، من الناحية العملية، ولتطبيق التأمين الصحي لدى العاملين؛ فإنه عالمياً يتشارك كل من العامل ورب العمل بالتكلفة، وهذا أحد الأسس في قانون التأمينات الاجتماعية المعمول به في قطرنا، ويمكن للحكومة أن تقوم بتغطية كاملة أو جزئية لبعض الفئات وخاصة العاطلين عن العمل، المتقاعدين، العجزة، الأرامل.. وغيرهم، وقد تم لحظ إنشاء صناديق تمويل للفقراء في الخطة الخمسية العاشرة كما أن صناديق التكافل الاجتماعي كثيرة ومنتشرة وتقوم بدور إيجابي في هذه الأمور.
ويمكن للحكومة أن تقوم وبعد إصدار القانون بتطبيق التأمين الصحي الشامل لكل المواطنين يمول من الضرائب المباشرة وغير المباشرة ومن الرسوم على الأفراد وأرباب العمل ومن الصناديق التي تم ذكرها، وبالمناسبة فقد تم رفع مشروع قانون بهذا الخصوص إلى مجلس الوزراء عام 2003 من وزارة الصحة، كما تم احتساب التكلفة الحقيقية للإنفاق الصحي بالتنسيق بين وزارة الصحة وجامعة دمشق والاتحاد الأوروبي.
ومن المعايير أيضاً، تطبيق التأمين الصحي الكامل وليس التأمين التعويضي المحدود لجهة الأفراد أو التغطية الطبية، إذ إنه على سبيل المثال يطبق التأمين الصحي حالياً على العامل دون الأسرة وكذلك المنافع غالباً ما تكون ناقصة وتغطي جزءاً وتترك أجزاء، إضافة إلى الفصل بين مقدمي الخدمة وصناديق التأمين، فلا يجب أن يكون مقدم الخدمة مسؤولاً عن تكلفة التأمين.
وتتضمن المعايير القدرة من شركة التأمين أو هيئة الضمان أو الصندوق على مراقبة الجودة واستخدام الخدمات التأمينية وفقاً لبرامج حديثة، والتسديد المنتظم لمقدمي الخدمة، وتوحيد أنظمة الضمان الصحي بالكامل تحت مظلة منافع وتغطيات واحدة، فمن غير المعقول أن تغطي النقابات نوعاً والقطاع الإداري نوعاُ، والاقتصادي نوعاً وهكذا.

ما التأمين الصحي المطبق حالياً؟
بداية، يجب أن نعترف إخفاق الحكومات المتعاقبة كافة منذ عام 1959 ولتاريخه بتطبيق التأمين الصحي، والدليل على ذلك صدور القوانين والمراسيم والقرارات بهذا الخصوص وإخفاقها جميعاً والتذرع بأسباب لا تمت للواقع الصحي بصلة، على سبيل المثال قانون التأمينات الاجتماعية الذي لحظ التأمين الصحي للعاملين في الدولة ولتاريخه لم تتغير المادة على الرغم من تجدد القانون لثلاث مرات، والمرسوم 327 لعام 1969 والمعدل عام 1974 حول صناديق الضمان، والقانون رقم 1 لعام 1979 حول إحداث هيئة للضمان وتطبيق الضمان الصحي الذي ألغي عام 2010.
وهنا تسجل ملاحظتان، الأولى، لم أجد لها تفسيراً لتاريخه في أدبيات قوانيننا وقراراتنا، فبعد صدور القانون رقم 1 لعام 79 الذي أجاز التأمين الصحي للعاملين كافّة، صدر قرار رئاسة مجلس الوزراء عام 81 بتغطية العاملين في القطاع الاقتصادي بنوع من التأمين الصحي تحت مظلة الصندوق المشترك وما زال مطبقاً بشكل مجزأ، وله شجون.
الثانية، بعد أن تم رفع مشروع قانون جديد الضمان الصحي ودراسته مطولاً في لجان رئاسة الوزراء وآخرها اللجنة المصغرة من الوزراء عام 2007، والأخذ برأي الخبراء لضرورة إصدار هذا القانون؛ نجد أن مجلس الوزراء يصدر قراراً بتغطية العاملين في القطاع الاداري بالتأمين الصحي، وبعد ثلاثين عاماً من تغطية زملائهم في القطاع الاقتصادي والأهم أنه ولتاريخه كان القانون رقم 1 ساري المفعول، إلا أنه وبعد تسعة أشهر قام أصحاب القرار بإلغاء هذا القانون، وما زلنا نتلمس في هذا القرار الفوضى وعدم الرضا من الأطراف كافة وأهمها المؤمن له وشركات التأمين ومقدمو الخدمات والحكومة بالكامل.
بغض النظر عن خدمات وزارة الصحة، فهي تقوم بتقديم خدمات صحية وليس تأميناً صحياً كما يدعي البعض، لأن التأمين عملية منظمة ولها أسسها ومفاهيمها، وبغض النظر عما تقدمه وزارة التعليم العالي، فهي تقدم خدمات طبية مجانية، ويمكن اعتبارها تعليمية بالدرجة الأولى لذوي المهن الطبية، بغض النظر عما تقدمه بقية الوزارات (تربية، دفاع، داخلية، شؤون اجتماعية، إدارة محلية) وما تقدمه باقي الوزارات من صندوق مشترك.
قامت رئاسة مجلس الوزراء وبدعم قوي من وزارة المالية بإصدار قرار بـتأمين العاملين في القطاع الإداري والبالغ عددهم 750 ألف عامل بالتأمين الصحي على أن يتم دفع مبلغ مقطوع من العامل شهري يبلغ 250 ليرة وبمجموع سنوي 3000 ليرة سورية، وتقوم الوزارة (المالية) بدفع مبلغ 5000 ليرة عن كل عامل، وكان مبرر الوزارة حينها أنها تدفع ذلك باليد اليمنى للعامل وتسترده باليد اليسرى من خلال المؤسسة العامة السورية التي ستعمل على إدارة البوليصة، وهنا نشير أيضاً إلى أن العامل في القطاع الاقتصادي لا يقتطع منه أي شيء.
وفقاً للدستور المادة 18 الفقرة الأولى «لا تفرض الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون»، ولا أعلم ما التكليف على العامل بالدفع، إذ تقوم وزارة المالية بالدفع عن العاملين وفقاً للعقد والعدد لكل وزارة، ومنذ اللحظة الأولى لمسنا أن الأعداد الواردة من الوزارات غير دقيقة، وتحمل بطياتها أعداد المتقاعدين والمتوفين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية والمكلفين والمدنيين وغيرهم الكثير ما لا تنطبق عليه الشروط، ومع ذلك يتم الدفع بشكل عددي وليس اسمياً، ولم يتم إجراء تقاص لتاريخه بين وزارة المالية والمؤسسة العامة السورية للتأمين، ولا الوزارات، وهذا باب لا أعرف أين يمكن إدراجه تحت مسمى فساد أو تسيب أو سرقة المال العام أم فوضى؟ فعلى سبيل المثال عقد وزارة الصحة كان لـ94 ألف عامل بينما الواقع الصحيح للعدد لم يتجاوز حينه 74 ألف عامل، وتم الإخبار بذلك ولم يؤخذ به، كما أنه خلال الأزمة تسربت أعداد هائلة بسبب الأوضاع المفروضة من الإرهاب وبقيت العقود على حالها لم تجدد.
من مبادئ التأمين أن الغني يساعد الفقير والشاب يساعد المسن، وهنا نجد أن الأقساط متساوية لدى الجميع فالعامل في الدرجة الخامسة يدفع مثل الدرجة الممتازة، كما أن السقوف والتغطيات والعقود وعدد الزيارات في البوليصة كلها وضعت دون دراسة.
المؤسسة العامة السورية للتأمين لم تكن مؤهلة لهذه التجربة، وينقصها العاملون المدربون، ولتاريخه وبعد تسع سنوات لا يوجد في المؤسسة إلا طبيب واحد يداوم بشكل جزئي، إذ يعمل في وزارة الصحة أصلاً.
هذا ويتم توزيع عقود وفقاً للمحسوبيات، ولم تصدر تقارير دقيقة عن التأمين الصحي، فتقرير المؤسسة يختلف عن تقرير الهيئة وتقرير الشركة، أما تقرير الوزارة المشمولة فغائب أصلاً، أضف إلى ذلك التلاعب والغش، فليس له ضابط، وقد صرح بذلك مدير عام الهيئة أمام رئيس الوزراء بأن 30 بالمئة من مبالغ التأمين الصحي يتم اختلاسها.
أمام هذا الواقع، نسجل عدم الرضا من الأطراف كافة مجتمعة، وهنالك أمور أشد، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن