ثقافة وفن

«الطين الأحمر» مونودراما تكشف عمق التفاصيل … الطحّان لـ«الوطـن»: ندعو إلى عدم الانتظار والتمسّك بالسعادة

| سوسن صيداوي - ت: طارق السعدوني

من التراب تبدأ وتنتهي الحقائق، كما هي مسيرة الإنسان في الخلق والعودة. في الطين تكمن الصراعات، وبالنحت يعاد تشكيل الذات، وبين الماضي والحاضر مع ترقب المستقبل، تتقاذف المرء الأحقيات والواجبات والالتزمات من جهة وانكسار الخذلانات من جهة أخرى. أمور كثيرة أثارها العرض المسرحي«الطين الأحمر» تأليف وإخراج محمد سمير الطحّان وتمثيل الفنانة لبابة صقر، الذي يعرض على خشبة مسرح القباني بدمشق، برعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا، ضمن فعاليات مهرجان دمشق الثقافي، مشروع دعم سينما الشباب. «الطين الأحمر» عرض موندراما، تضمن تقنية الشاشة في عرض لمادة فيلمية، جاءت بحلول بصرية تحاكي المعاصرة، وتخدم حالة التجريب التي ينتمي لها العرض، وتكسر جمود ورتابة إيقاع دراما الفاعل الواحد، خلال ساعة من الزمن لا يمكنك أن تغفل فيها عن أي تفصيل يمر. «الوطـن» حضرت لتقدم لكم المزيد من التفاصيل من صنّاع العرض.

أنثى… بين العبرة والفكرة
عرفنا مؤلف ومخرج المسرحية محمد سمير طحان عن مضمونها وفكرتها انطلاقاً في الحديث من سبب اختياره للعنوان: «أبدأ بالحديث من عنوان المسرحية «الطين الأحمر»، لقد اخترته لكونه يرمز لضرورة إعادة النظر بكل المسلمات التي أوجدها المجتمع على أنها قوانين غير قابلة للكسر، فالطين هو الحقيقة، ومن خلال إعادة تشكيله وتكوينه، أجده مشابهاً لنحت الذات من جديد. أما اللون الأحمر فهو الدم -لو كان قاسياً وموجعاً- ومنه وفي هذا الوقت بالذات، علينا أن نستفيد من العِبر، ونبدأ من جديد، بكسر القيود، وتطويع العادات، وكل ما اعتبرناه تقليداً وانعكس بحياتنا كي يقيّدنا، لا أن يطلقنا من بعد سنوات الحرب الإرهابية، إذاً علينا اليوم أن نفكر بطريقة جديدة، ننظر من خلالها بنظرة مختلفة للحياة، بنظرة قريبة من الحقيقة، وفق سلوكيات وأنماط، تعود بنا إلى إنسانيتنا وكيف يجب أن نعيش بسلام مع شركائنا في الإنسانية».
وعن فكرة المسرحية يتابع: «نعم.. القصة أنثوية بحتة، حاولت جاهداً أن أغوص في مكنونات المرأة، وأن أفكر مثلها، وأشعر بما تشعر، من جراح وانكسارات ألمّت بها خلال سنوات الحرب الثماني التي عشناها في سورية، والبطلة نحاتة شابة، قررت العودة للعمل الإبداعي بعد طول انقطاع، متجاوزة الكثير من التناقضات التي خدشت روحها، من خلال ما ستبوحه لنا من وجدانيات أثناء العرض. ومن جهة أخرى العرض يسقط الضوء كما أسلفت ويطرح أسئلة تحتاج لإجابات من كل واحد فينا، ويناقش قضايا مثل النظرة إلى الفتاة، وخصوصاً إن كانت من أصحاب المهن الإبداعية، وكيف ينظر إليها الرجل أو يتعامل معها، عدا مواجهتها هي نفسها أو استسلامها للقيود المجتمعية من حيث زواج الأقارب أو التفكير في الزواج المختلط، إضافة إلى المزيد».
ولفت مخرج العمل إلى أن الأخير ينتمي إلى نوع المونودراما من خلال حضور ممثلة واحدة على الخشبة طوال فترة العرض، مع إغناء المشهدية البصرية له بمادة فيلمية مرافقة، لها مساحة كبيرة من زمنه الممتد إلى الساعة تقريباً، ما يقدم للجمهور فرجة مسرحية تنتمي لنمط المسرح التجريبي.
وعن تأثرنا بسني الأزمة يختم طحان «على الأكيد كلنا تأثرنا بسني الحرب بشكل أو بآخر، وكلنا توجعنا بمكان ما، ولكن رغم كل الويلات ورغم الوحشيّة التي تعرضنا لها أو سمعنا عنها، علينا من الألم والوجع أن نخلق الفرح والسلام، فنحن اليوم أمام مواجهات كبيرة، فمن الأزمة لم نخرج بعد، فانعكاساتها وتصدّعاتها ما زالت حاضرة، وكي نتجاوزها لابد لنا من إعادة التفكير بكل ما يربط الناس ببعضهم، وإعادة تشكيل الذات والأفكار. أعرف أن الأمر صعب وليس بالهيّن، لكن علينا أن نواجه سلبياتنا، ونعيد تشكيل أنفسنا كما ننحت الصخر أو نشكل الطين، بمعنى أدق، أدعو لعدم الانتظار وللتمسّك بالسعادة القريبة منا وعدم التفكير بما هو بعيد عنا».

الطاقم الشاب
عناصر العرض المسرحي متنوعة، وكل واحدة منها تمثل شخصاً ما، ولكون العرض يأتي ضمن مشروع مسرح الشباب الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، كانت رغبة المخرج في أن يكون فريق العمل المسرحي الذي يعمل معه كلّه من الشباب «فضلت أن أختار الكادر الفني معي من المواهب الشابة المملوءة بالطاقة والحماسة والأفكار الإبداعية الجديدة، حيث تلعب دور البطولة الفنانة الشابة لبابة صقر التي تتمتع بموهبة مميزة وحضور قوي على الخشبة، وفي تصميم السينوغرافيا الفنان الشاب غيث مرزوقي، وفي تصميم الأزياء الفنانة الشابة ريم الماغوط، وفي التنفيذ الفني للديكور يزن قرموشة، وفي تصميم وتنفيذ الأعمال النحتية النحاتة الشابة لمى القرا، وفي تأليف الموسيقا والصوت الموسيقي الشاب خالد بهنسي بما يمتلكه من خصوصية وتميز في هذا المجال، بالإضافة إلى خبرة الدراماتورج آنا عكاش، وخبيرة المكياج منور عقاد، ومصمم الإضاءة المميز بسام حميدي».

مخرج وممثلة
لا يمكن ربط الموهبة بالأكاديمية، فليس كل موهوب أكاديمياً، وليس بالضرورة أن يكون الأكاديمي موهوباً، المعادلة صعبة، ولكن التحدي والانطلاق في التجربة في محاولة لكسب الرهان، منها تكمن الجدارة وتتّقد الجرأة، نقصد بهذا الكلام بطلة مسرحية (الطين الأحمر) الممثلة الشابة لبابة صقر التي قبلت التحدي وفي تصريح خاص لـ «الوطن» تقول: «هذه التجربة لي-كوني لست أكاديمية- هي تجربة صعبة، والمونودراما تحدّ لإمكانياتي ومكنوناتي الداخلية، وبالتالي سعيت قدر الإمكان أن أقدم كل جهدي بأن أمثل نفسي أولاً، بالجلوس على المسرح والأداء المتنوع لعدة شخصيات، وبذلت كل جهدي وطاقتي محاولة تقديم أداء مختلف وجديد، من خلال الشخصية الغنية بتلوناتها وتعدد أمزجتها ومناخاتها النفسية. أتمنى أن أكون قد وفقت واستطعت أن أوصل أفكاري ومشاعري للجمهور».
موضوع المسرحية

تجدر الإشارة أخيراً إلى أن مسرحية «الطين الأحمر» تعرض قصة فنانة تشكيلية مختصة بالنحت، مثلها مثل كل سوري، تأثرت بالأزمة السورية أولا، وتأثرت بأزماتها الداخلية الشخصية، بمعنى أنها عاشت صراعات خارجية-من الحرب الإرهابية- وصراعات داخلية بتناقضات فكرية ومشاعرية. صراعات وتساؤلات عن أهمية الوجود والبقاء وضرورة الحياة والعيش مقابل حق الموت المفروض على البشرية، هذا الصراع الذي عانته البطلة بسبب فقدها لصديقتها وزميلتها في الكلية، بالموت إثر رصاصة طائشة في الرأس. وصراع الذكريات المؤلم الذي كبّلها بأيام الواقع المتتالية، بسبب تخلي صديقها وزميلها وحبيبها عنها، والتفافه نحو حياته والمضي بها، بسفره والعيش في الخارج. عدا ويل الأهل والضغط بالزواج من ابن العم وكأنه هو الحل الأمثل للاستقرار. مع الترجي والاستجداء خلال الأيام والسنين التي مضت وعجزها -بشلل يدها وإبداعها- عن تقديم منحوتة معبرة لما فيها من صراعات وأوجاع، وأخيراً عندما تنتفض وتبدأ بأول خطوة في دربها الصحيح، تفاجأ برسالة صوتية على الموبايل من زميلها وصديقها المقرّب في الكلية يخبرها بحبه- الذي بقي سنوات صامتاً- الكبير لها، وأنه سيتحدى كلّ شيء من أجلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن