ثقافة وفن

المجتمع والحب

| إسماعيل مروة

دار حديث بيني وبين أحد القراء الأجلاء حول ما أكتبه في الحب، وكانت ملاحظته محل اهتمام، فما دمت أعتقد أن السبيل الوحيد للخلاص مما نحن فيه، وللوصول إلى حياة مشرقة جميلة وسعيدة هو الحب، فما الداعي للتمثل، في أن أتحدث عن الحب عند هذا وذاك؟
والسؤال الأكثر ذكاء وخبثاً كان أما من مثال عن حب الإنسان للإنسان في زماننا ليعوض هذا النقص؟ إنه نقاش مجدٍ، ولكن الأمثلة الرفيعة في الأدب والثقافة والفكر نادرة حقاً، بل ومحبطة، ومنذ ثماني سنوات مع بداية الحرب على سورية كتبت، وكنت أتمنى أن أكون مخطئاً أن المثقفين هم سبب أساسي فيما حدث، بل كانوا نافخي الجمر لإشعال سورية وإيقاد الحرب عليها، بل لقد استنتجت بألم وبقراءة ميدانية أن المواطن العادي والبسيط هو الذي حافظ على سورية، على عكس ما يحاول الكثيرون أن يصوروا أن الفتنة تمكنت من البسطاء!!
البسطاء في كل جانب بقوا بسطاء، وبقوا وقوداً لنار أحرق البلد فيها نخبة من المثقفين والسلطويين وطالبي السلطة، الذين يحاولون أن يتحدثوا فيقنعوا، وأن يستنهضوا ما أراده الأسياد لهم من فتن ميتة لا نائمة، وجعلوها تقف على سوقها، وتتحرك بيننا، وتمشي بكل زينتها لتزين لنا الكره!
تعالوا لنعدد ما فعل المثقفون والسلطويون والمصلحيون في الداخل، سنكتشف أنهم كانوا ضد كل شيء يتعارض مع مصالحهم، وأنهم تعاملوا مع الوطن على أنه مكان ومستراح وملكية لا يجوز لأحد أن يقترب منها إلا إذا كانت النتائج في جيوبهم ومصالحهم، وهنا لا يستثنى المثقفون الفارغون الذين كانت كل آمالهم محصورة في الحصول على مكسب أو منصب أو ما شابه! والشواهد أمامنا عن عدد منهم لم يكن شيئاً وفي الحرب صار سيداً وغنياً ووجيهاً.. وأسماء الذين لم يتمكنوا من الغنائم فاختاروا الصمت ثم قلبوا ظاهر تعاملاتهم ليقتنصوا من الدولة غنائم لا تحصى معروفة، وجميعنا سمع في بداية الحرب كلاماً ثم رأى ما يخالف هذا الكلام، ونجد من يسوّغ له ذلك بقوله: لقد اكتشف الحقيقة!! والحقيقة أن مصلحته هي الحقيقة وحدها، والدليل على ذلك أن مسيرته كلها لا تحمل أي حب أو عناية بالآخر، بل كان ديدنهم العمل على رفع نسبة التأفف والتذمر، واستلاب الحقوق من أصحابها إكراماً لكره للوطن والإنسان يتغلغل في أعماقهم!! وأزعم أن هؤلاء أسهموا إسهاماً كبيراً في تطفيش عدد لا يستهان من الطاقات، ليخلو لهم الجو، وقد قال العربي قديماً (خلا لك الجو) فأي نتيجة كانت لخلو الجو؟! وأقول لصديقي: هل ينفع هؤلاء للحديث عن الحب في زمن استثنائي تعيشه سورية؟
بل أسأله لما أشار إليه من طرف خفي، عندما قال: ماذا تستفيد في الانتقاد؟ دع كل شيء، ولا تلتفت، وتحدث عن مظاهر الحب في حياتنا؟! أسأله هل الحب للوطن والإنسان يقتضي ذلك الصمت الذي تطلبه؟ وما قيمة أغنيات الحب، وقصائد الوطن في وطن تكالبت عليه القوى الشريرة، وهناك من ينفث من الداخل لإلغاء أي بارقة أمل في تجاوز الكره والانتقال إلى الحب!
لو أردت أن آخذ نماذج من الحب في زماننا بين أدبائنا ومثقفينا من الذي يمكن أن يسلك في هذا السلك المقدس؟ هل يمكن أن يكون ذلك الذي يرى نفسه أكبر من الجميع والوطن؟
وإذا ما تحدثنا عن المثقفين في الخارج فالطامة كبرى، والألم أكبر، هل أتاك حديث المثقف الذي عاش حياته علمانياً، ليكتشف في أخرة أنه من هذه الطائفة أو تلك، ويصبح صاحب رأي دولاري رائحته منتنة؟! هل أتاك حديث ذلك الذي صنع إعلاماً على مقاسه، وصار بطل الشاشات في كل ما يصور! وصار مخطط الثقافة، بل وأصبح مؤلفاً وله مقالات في كتب، ليخرج علينا بما سلبه من سورية مثقفاً وثائراً، وكل ما يقوله يخالف ما رأيناه بتمامه؟!
هل أراه محباً لسورية، وإن بسمل أو حوقل أو رسم شارة الصليب؟
هل أتاك حيث ذاك الذي لم يبق تجاوز لم يقدم عليه، ولم يبق منكر لم يقترفه، ولم يبق تهريب لم يفعله، والآن يتحدث عن سورية وحبها؟! هل يصلح هذا يا صديقي للحديث عن الحب؟
هل يصلح هذا نموذجاً للحب أمام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي الذي قال كلمة حب وإيمان، وغادر بسببها، والحجة أن ا لجملة لها ظاهر وباطن؟
هل أتاك حديث المدللين والمدللات وما أدراك ما المدللات الذين استنزفوا وكانوا مقربين، وتسلقوا، وجمعوا، ثم صاروا روائيين لفظائع النظام كما سردوها وصوروا ما لا يمكن قبوله أو تصوره، ونسوا كيف وصلوا هم؟! إن أردت يا صديقي أهديك شعراً وقصة لهؤلاء كله نشر خارج سورية، وكلهم من الأسماء المدللة قبل وبعد! فهل يصلح هؤلاء نموذجاً للحب؟!
أرأيت من يتحدث ويدافع عن الظلم وهو لم يذقه؟
أرأيت من يدافع عن القتلة وهو في أمان؟
أرأيت المتفلت الذي يدافع عن التعصب؟
أرأيت الطائفي والمذهبي في عمقه وهو يقنعك بالعيش والتعايش؟
الحب قداسة مختلفة، من أجلها لا قيمة للروح والجسد، لأن الروح بالحب تبقى محوّمة..
الحب طهر لا خيانة فيه
إن أي نوع من أنواع الخيانة الفردية أو الجمعية يخرجه عن حقيقته الطاهرة التي تبني، ولا يمكن أن نقرأ الحب عند كاره، وليس من حق حاقد أن يعلمنا الوطنية وحب الوطن.
قال صديقي لي: هل يمكن أن تكون الصفعة كالقتل؟!
من المؤكد يا صديقي ليس الصفع كالقتل، لكن الحب يأبى كل ما يذل الإنسان ومن أي نوع كان، وأي إذلال للإنسان قتل له، سواء قتل أم بقي!!
أرأيت إحدى الدول العربية التي تهرع إلى عدم تعنيف الكلاب والهررة في الوقت الذي يمسحون فيه الأرض بكرامة الإنسان السوري؟!
أرأيت يا صديقي؟
الحب سمو، ويحتاج إلى من عرف السمو، والسمو لا أراه إلا في الناس العاديين الطبيعيين الطيبين، وهؤلاء إليهم أتوجه، وأضع بين أياديهم نماذج الحب الكبرى، وصولاً إلى التماهي بين حب إنسان ووطن وإله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن