قضايا وآراء

في حيفا والجولان شعب عربي واحد

| د. يوسف جاد الحق

على الرغم من كل ما يعترينا من آلام وأحزان، جراء القتل وتقطيع الأوصال، والتشرذم والحصار، وعلى الرغم من كل ما ينتابنا من غضب حيال الجناة الأعداء، من الخارج كانوا أو من الداخل، من الأجنبي الغازي المقتحم، أو من كنا نحسبه عربياً شقيقاً، نقول على الرغم من ذلك كله تأبى إلا أن تتألق في سمائنا صورة مشرقة مشرِّفة لشمس باهرة الضياء، يسطع نورها ليضيء لنا طريق المستقبل الواعد المنتظر، تلك هي صورة العزة والإخاء التي تجلت في يوم الثالث من الشهر الجاري (أيار) عند بيت حانون، غزة الحد الذي صنعه العدو الإسرائيلي يقبع وراءه، لعله يقيه غضبة جماهير أبناء الأرض هناك، في مسيرات العودة، أيام الجمعة التي بلغت رقمها السابع والأربعين.
هبَّ جمهور الشعب هناك معلناً (يوم جمعة أرض الجولان عربية سورية إلى الأبد).
وفي الوقت عينه انطلقت جموع من أبناء الجولان المحتل إلى جنوب حيفا حيث سجن عنليت لتعلن غضبتها على العدو الإسرائيلي وتضامنها مع إخوتهم في سجونه، ووقوفها مع الشاب العربي البطل كمال زيدان الذي يسجنه العدو الحاقد، لا لشيء لأنه يعلن في وجه زبانيته، وقادة جيشه، بأنه يرفض الالتحاق بجيش العصابات، ولأنه عربي لا يقاتل أشقاءه العرب تحت لواء ذلك الجيش الهجين، الأمر الذي يتكرر هناك من إخواننا العرب الموحدين (الدروز) في فلسطين، حيث تفرض إسرائيل عليهم فرضاً، الخدمة العسكرية.
هذا التلاحم الذي تبدى، ويتبدى دائماً، بين أبناء فلسطين وأبناء سورية، كل منهم يقف مع أخيه يشد أزره وعضده في الموقف الواحد من العدو ومن معه من الخارجين على أمتهم من الأعراب، هو حقاً المثال الحي المعبر عن حقيقة تقول إنه شعب واحد في سائر أرجاء الأرض العربية، برغم كل ما يحاول الأعداء إقامته من حواجز وجدران انفصال على أسس باطلة مصطنعة تحاول إشاعة الفرقة والانقسام تطبيقاً للشعار البريطاني الأثيم (فرق تسد) التي يتولى كبرها ووزرها في أيامنا الراهنة الخلف (ثلاثي جون بولتون ومارك بومبيو وإليوت أبرامر وفق تعريف لكاتب أميركي بالذات)، وراء كبيرهم دونالد ترامب، التي شاءت الأقدار كشف حقيقة أميركا على يديه، دولة متغطرسة، عدوانية، كاذبة، تتاجر بدماء الشعوب لمجرد الحصول على أموال الآخرين وثرواتهم، هذا الخلف غير الصالح للسلف الطالح (بلفور، وسايكس وبلدوين وتشرشل وإيدن وغيرهم).
ولا يفوتنا هنا أن نترحم على شهداء يوم الجمعة هذا رقم (47) عند الحدود في غزة الذين بلغ عددهم الخمسة إضافة إلى عشرات الجرحى، وعشرات المعتقلين، يظلهم العلم العربي السوري إلى جانب العلم العربي الفلسطيني، وهم يرددون كل الوقت الهتاف (الجولان عربي سوري، شاء من شاء وأبى من أبى ولن يكون يوماً إلا عربياً سورياً إلى الأبد).
وهناك ـ نكرر ـ عند أطراف حيفا يردد أبناء الجولان صيحتهم في وجه أرتال جنود العدو: نحن مع كمال زيدان مؤيدين وفلسطين لن تكون لكم أبداً.
في يقيني أن الشعب العربي في شتى أقطار العروبة له هذا الموقف عينه، ولكن حكامه المندلقين على أعتاب إسرائيل، إرضاء لأميركا، يحسبون أنها حاميتهم، برغم إعلانها أنها لن تقاتل أحداً من أجلهم، وسوف تخذلهم عند الاقتضاء.
هذا زمن البطولة الحقة، والأخوة العربية الصادقة، المجمعة على مواصلة الإعداد ليوم الحسم الفاصل، يوم التحرير الشامل لفلسطين العربية، كاملة غير منقوصة، وكل أرض عربية محتلة، سواء كان احتلالاً أجنبياً أم احتلال المتحالفين مع أعداء أمتهم وهم أعداء لهم أنفسهم، في الحقيقة، الأمر الذي لا يدركونه، للأسف الشديد، والألم الأشد.
يوم التحرير هذا آتٍ لا محالة في يوم قريب.. فانتظروا وإنا مع العالم كله لمنتظرون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن